خاص- الشعب الذي ربح عبوديته الإرادية- بقلم فؤاد الأسمر

  • شارك هذا الخبر
Saturday, July 13, 2024

من الغرائب والعجائب في علم السياسة والاجتماع مفهوم العبودية الإرادية La servitude volontaire وهي التي تتجلى في واقعنا اللبناني بأقوى معانيها.

شعب نبذ طوعياً حقوقه وحرياته العامة وولّى عصابات تحكمه وسجد متعبداً لها.

شعب متشتت إلى ملل ومذاهب أقامت كل فئة عليها زعيماً يسرق وينهب ويجرّها إلى الموت والهلاك فتنصاع له ولحاشيته كالقطيع الوديع، تُبَجِّل فشله وإجرامه، تُمَجِّد نزواته وأمراضه العقلية، تقدم حياتها وأولادها ومقدراتها قرابين على مذبح رغباته، تقتات من الذلّ يومياً كسباً لودّه واستظلالاً لعباءته.


قد يحتاج العلم الوقت الطويل لتشريح وفهم هذه الظاهرة، انما من الواضح أن أهم خلفياتها ناتج عن مسار تاريخي طويل لثقافات متعددة تعيش على ارض واحدة عانت الويلات والحروب وما تزال تتصارع حماية لكيانيتها ومنعاً من تذويبها وزوالها.

فبنتيجة هذا التاريخ وترسباته، والخوف من الآخر، والقلق على المصير، والتمسك بالخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية، جنح كل فريق للانكفاء على ذاته وتبني خيارات وتبعيات متناقضة والاستقواء بها على شركائه بالوطن. فتقاتل اللبنانيون ورفعوا الحواجز النفسية والمادية في ما بينهم، فسقط مفهوم الوطن والمواطنة واستشرت الطوائفية، وانساقوا ارادياً لأن يكونوا رعايا في طوائفهم وعند زعيمهم، رمز الحماية الكاذبة والذي أتقن لغة العصبيات والغرائز، فاستعبدهم بملء رغبتهم وإرادتهم، لا بل أغدق عليهم العبودية.

آن الأوان لأن ينتفض اللبنانيون وينبذوا غرائز الموت والدم والكراهية، ويقتنعوا بأن لا احد يحميهم سوى الدولة القوية العادلة وأن يقيموا نظاماً جديداً يحترم ويحمي هوية كل منهم الثقافية ويحقق تفاعلها الايجابي ويبني لبنان المزدهر، ويرسي ثقافة الحياة والعيش الكريم.

فمتى يختار اللبنانيون طوعاً وإرادياً كرامتهم وحقوقهم ووطنهم وينبذون عبوديتهم الإرادية هذه؟