ما بعد رئيسي- بقلم نديم قطيش

  • شارك هذا الخبر
Monday, May 27, 2024

كانت إيران تنتظر نتائج الانتخابات الأميركية لتعرف مع من ستتعامل في السنوات الأربع المقبلة، وإذ بمصرع رئيسها إبراهيم رئيسي المفاجئ يدفع بالبلاد إلى موسم انتخابي غير متوقّع.

‏لم يفقد الإيرانيون رئيساً وحسب بل فقدوا مساراً ينطوي على الكثير من الاستقرار بشأن مستقبل النظام السياسي للثورة.

‏صحيح أنّ قلّة قليلة تعرف حقيقة ما يدور في ذهن المرشد علي خامنئي وصحبه بشأن من سيكون المرشد المقبل، بيد أنّ النظر إلى رئيسي على نطاق واسع كخليفة محتمل للمرشد البالغ من العمر 85 عاماً منح الكثيرين إحساساً بوضوح الوجهة واستقرار المستقبل.





قلق الإيرانيّين من مجتبى

أمّا بروز اسم نجل المرشد مجتبى خامنئي الآن كوريث محتمل فلا يزيد إلّا قلق الإيرانيين في الدولة وفي المجتمع. مجتبى كان المشروع السياسي للجنرال قاسم سليماني، في لحظة تحوّل النظام الإيراني من نظام ديني بأذرع عسكرية إلى نظام عسكري بعمامة. أمّا في غياب سليماني فسيصير ترفيع مجتبى بمنزلة تأسيس سلالة ثيوقراطية، تناقض بشكل صارخ مبادئ ثورة 1979 التي هدفت إلى تفكيك سيطرة أسرة الشاه على السلطة، وتأسيس نظام إسلامي محوره ولاية الفقيه كنائب للإمام المهديّ.

مأساة النظام أنّه وضُع أمام أصعب الامتحانات وهو في أسوأ لحظاته على مستوى الشعبية والشرعية. فالحشد الهائل للجنازة لم يخفِ احتفالات العديد من الإيرانيين الذين ملأت فيديوهاتهم مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما أولئك الذي تأذّوا من سياسات رئيسي ورأوا فيه رمزاً للقمع الدمويّ. ولا أخفى تكاتف أهل النظام في لحظة الفاجعة الشقوق العميقة التي كانت قبل الحادث قد فضحتها مواقف سياسية قاسية تتشكّك في شرعية النظام. فرسالة حسن روحاني قبل أسبوعين التي احتجّ فيها على منعه من الترشّح لمجلس الخبراء، أي الهيئة المنوط بها اختيار المرشد المقبل، تعدّ وثيقة سياسية بالغة الأهمّية لناحية عمق النقد الذي وجّهته للنظام ومؤسّساته ولغياب الحرّية في البلاد.

النظر إلى رئيسي على نطاق واسع كخليفة محتمل للمرشد البالغ من العمر 85 عاماً منح الكثيرين إحساساً بوضوح الوجهة واستقرار المستقبل
يأس خاتمي… واستحالة التغيير؟

في حين أعلن رموز آخرون كمحمد خاتمي عن يأسهم من التصويت والمشاركة في أيّ عملية سياسية. أغلبية إيرانية ترى أنّه لن يتغيّر الكثير على صعيد التزام النظام الصارم بالمبادئ الإسلامية والموقف المتشدّد على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتغليب منطق المواجهات بغية تعزيز النفوذ الإقليمي لإيران من خلال ميليشياتها.

والحال، يؤكّد موقف خاتمي أنّ الانتخابات المقبلة ستكون خاضعة لسيطرة محكمة، يعاد من خلالها هندسة تصعيد شخصية للرئاسة كما حصل لضمان إيصال رئيسي. تنحصر معركة المرشد الآن في إيجاد نقطة توازن دقيقة بين المحافظين التقليديين من الرعيل الأقدم لنظام الثورة وبين الجيل المحافظ الجديد الصاعد الذي أبلى بلاءً حسناً في الانتخابات الأخيرة.



يتميّز المحافظون الجدد، كحركة صباح إيران، بثورية أعلى من جيل رئيسي وبروح مغامرة عسكرية أكثر اندفاعاً وبشهيّة حارقة لحيازة سلاح نووي يتمّ من خلاله حسم الهيمنة الإقليمية لإيران. وعليه تقع على عاتق خامنئي مهمّة هندسة مناورة سياسية مهمّتها الحفاظ على الاستقرار والاستمرارية، ومنع أيّ تغيير كبير في حكم إيران، من دون إثارة استياء الجيل الثوري الصاعد.

آخر ما يريده خامنئي أن يجد نفسه بمواجهة الكتلة الشبابية الإيرانية بشقّيها، الإصلاحي النسوي المشتبك مع الحجاب والثوري المحافظ المندفع في تصوّراته عن إمكانات ومكانة إيران.

الأرجح أن يفصل خامنئي هذه المرّة بين معركة الرئاسة وبين معركة تحديد هويّة المرشد المقبل، كي لا يصعّب على نفسه مهمّة تثبيت استقرار النظام السياسي. فالأولويّة الآن هي لإيصال رئيس يضمن استمرارية الإطار الأيديولوجي لخامنئي وهيبة النظام وقوّته بصرف النظر عن أهليّته لأن يكون مرشداً في المستقبل.

يتميّز المحافظون الجدد، كحركة صباح إيران، بثورية أعلى من جيل رئيسي وبروح مغامرة عسكرية أكثر اندفاعاً وبشهيّة حارقة لحيازة سلاح نووي
مأزق خامنئي

‏لا يستطيع خامنئي أن يغامر برئيس يعطي الانطباع بأيّ حدّ من الضعف أو التهوّر في ظلّ تهيّؤ الشارع الإيراني للانتفاض مجدّداً أو الدخول في اشتباك أهليّ.

‏فأزمات الاقتصاد الإيراني تتفاقم نتيجة العقوبات الدولية وسوء الإدارة الداخلية، وهو ما يسهم في تغذية الاستياء الشعبي وسط ارتفاع جنوني في معدّلات التضخّم وتدهور العملة وانتشار الفقر الواسع. ويفاقم تخصيص النظام لموارده لدعم الميليشيات الإقليمية والمغامرات العسكرية على حساب الاحتياجات الداخلية من استياء الإيرانيين وطعنهم في شرعية النظام ووظيفته.



تمثّل وفاة إبراهيم رئيسي لحظة حاسمة لإيران، دفعت إلى الواجهة مرّة واحدة كلّ التوتّرات والتحدّيات الأساسية التي تواجهها البلاد.

لم يعد النقاش هذه المرّة حول التغييرات المحتملة في السياسات الداخلية أو الخارجية لإيران، بل حول استمرارية النظام نفسه.