غسان العياش- ما نفع الموازنة؟ ما نفع الدولة؟

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, December 6, 2023

لا مبرّر لهلع المواطنين وتوجّسهم من احتدام الجدل تحت قبّة البرلمان بين النوّاب وحكومة تصريف الأعمال، فنظامنا الدستوري قادر على إيجاد المخارج.

غالبا ما تثير مشاريع القوانين الاقتصادية ضجيجا صاخبا في #اللجان النيابية، قبل وصولها إلى الهيئة العامّة لمجلس النوّاب، لأن التشريعات الاقتصادية، بطبيعتها، تستثير الروح الحماسية وتحثّ على الخطابة واستعمال الشعارات الرنّانة. فالمناقشات الاقتصادية تتّصل بمعيشة المواطنين وتفسح، بالتالي، المجال واسعا أمام مختلف أنواع المزايدات.

هذا ما حصل في الأسابيع الأخيرة خلال مناقشة مشروع #موازنة 2024، سيما وأن الحكومة اختارت هذه الموازنة بالذات لكي تحقّق زيادات كبيرة في الإيرادات بهدف خفض عجز الموازنة، كنسبة من النفقات ونسبة من الناتج المحلي الإجمالي. فاقترحت زيادات كبيرة على أنواع الضرائب والرسوم التي تطاول المكلّفين بصرف النظر عن قدراتهم المالية ومستويات دخلهم. طموح الحكومة من خلال موازنة العام المقبل هو زيادة إيرادات الدولة من 6 بالمئة من الناتج سنة 2022 إلى 17 بالمئة سنة 2024، على أملٍ (مجرّد أمل) بتخفيض الدين العام إلى 100 بالمئة من حجم الاقتصاد سنة 2026 و80 بالمئة سنة 2032.

ووُجِهت طموحات الحكومة بموجة عارمة من الانتقادات في المجلس النيابي والرأي العام، وهنا يمكن إبداء أكثر من ملاحظة:

أولى الملاحظات أن "الجبهة" الرافضة لفرض مزيد من الضرائب هي نفسها التي تضع نفقات الدولة، على علّاتها، في خانة المقدّسات، وهي ترفض تخفيضها أو ترشيدها خوفاً من المسّ برواتب موظّفي القطاع العام. فمن أين تمويل هذا الجبل الشاهق من نفقات القطاع العام، بعدما خبِر اللبنانيون بالتجربة المُرّة النتائج السرطانية لتمويل الدولة عن طريق خلق النقد؟

من أصل 295 تريليون ليرة هي النفقات الإجمالية المقدّرة في موازنة العام المقبل، هناك 275 تريليوناً للنفقات الجارية. نصف النفقات للرواتب والأجور و5 بالمئة لخدمة الدين العام، بينما نفقات الاستثمار لا تزيد عن 20 تريليون ليرة.

الدولة ليست قيمة مطلقة بحدّ ذاتها، بل هي مشروع اقتصادي واجتماعي وتنموي يضمن الأمن والرفاه للمواطنين ويخصّص جزءاً من الموارد للأجيال المقبلة. فإذا كانت الدولة، مثل حال دولتنا، لا تقدّم هذه الخدمة الجليلة لأبناء البلد وللأجيال الآتية، يصبح السؤال مشروعاً حول جدوى وجود الدولة، وبالتالي مبرّر تحمّل الناس كلفتها العالية التي لا تقدّم لهم في المقابل أي مردود.

في هذه الحال، يصبح السؤال مشروعاً: لماذا الدولة؟ لماذا الضرائب؟ ولماذا الموازنة؟
ضخامة الاعتراضات النيابية على الضرائب والرسوم، مصحوبة بصيحات الاحتجاج في الهيئات الاقتصادية والإعلام والرأي العام دفعت إلى الواجهة سؤالا عن إمكان لجوء المجلس النيابي إلى ردّ مشروع الموازنة ككل.

في الديموقراطيات الحديثة يشكّل رفض الموازنة في البرلمان حدثاً جللاً، يهزّ أركان النظام ويزعزع العلاقة بين السلطات. أما في لبنان، فمن المرجّح ألّا يصل "كباش" السلطتين إلى هذا المستوى من العناد والتحدّي، لأن نظام لبنان الدستوري هو نظام برلماني بالإسم وفصل السلطات لدينا هو فصل في الشكل وليس في الجوهر، إذ إن القوى السياسية التي تهيمن على الكتل النيابية هي نفسها التي تشكّل الحكومة وتسيطر على سياساتها. وهذه القوى هي التي تقرّر وجهة سير النظام عندما يصل الصراع إلى هذا الحدّ بين الحكومة ومجلس النوّاب.

ما إن فرغ النوّاب من التصدّي لمشروع الموازنة وتعريته حتى برز محور جديد للصراع بين السلطات. فالحكومة على أهبة الاستعداد لكي تحيل إلى المجلس المشروع المنتظر "لإصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها".

هذا المشروع البائس بدأت الحملات عليه قبل أن تتبناه حكومة تصريف الأعمال، وحتى الآن هو مشروع بلا أب ولا أمّ في النظام السياسي. فقد أحاله نائب رئيس الحكومة إلى الأمين العام لمجلس الوزراء من دون أن يتبنّاه: "لقد وصلني القانون المرفق والمتعلّق بإصلاح وضع المصارف... والمعدّ من قِبل لجنة الرقابة على المصارف و#مصرف لبنان".

وسرعان ما بدأ إطلاق النار من كل الجهات على هذا القانون الحيوي والأساسي لإعادة إحياء النشاط المصرفي، عندما تبيّن أنه يسعى إلى تقييم المصارف وهيكلتها، قبل البتّ بطريقة توزيع الخسائر الجسيمة التي أصابت النظام المصرفي ومصرف لبنان.


النهار