زياد سامي عيتاني - من اغتال ميشال معوض سياسياً؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, June 8, 2023

لا ينكر أحد أن النائب الشاب ميشال رينيه معوض، تمكن من أن يبني لنفسه شخصية سياسية متكاملة وناضجة، تؤهله لاستكمال مسيرة والده الرئيس الشهيد، "الشهابي المنهج" وسليل إحدى البيوتات السياسية المارونية في زغرتا، المنافسة تقليدياً لعائلة فرنجية على الزعامة المارونية في شمال لبنان.

ففي الوقت الذي كانت والدته نايلة تتولى أحد مقاعد زغرتا، كان الشاب الواعد ميشال يستعد ليخلفها في العمل النيابي، وفي "الزعامة الزغرتاوية"، فاشتغل على نفسه، وطوّر شخصيته السياسية وثقفها من خلال الابحار في سعة الاطلاع والمطالعة، إلى أن تمكن من أن يفرض نفسه، كشخصية سياسية جدية مكتملة الأوصاف، أطلت على المشهد السياسي بتمكن وثقة ومعرفة، وبأسلوب شبابي تحديثي، يحاكي الجيل الجديد، وينتزع إحترام الجيل القديم. فشكل بذلك، نسخة متطورة وحديثة لزعامة عائلية، من دون التخلي عن أعرافها وتقاليدها.

صحيح أن ميشال معوض صاحب موقف ورأي سياسي صلب لا يحيد عنه، ينبع من ثوابت قناعاته، إلا أنه وفي زمن "الشتائم السياسية" بقي محافظاً على رصانة خطابه الراقي وأخلاقياته في التعبير عن موقفه بشأن كل القضايا السياسية، لا سيما الخلافية مع خصومه، من دون الانحدار إلى فقدان أدب المخاطبة، محافظاً بذلك على رفعة الأخلاق السياسية التي تميز بها والده.

ولد ميشال معوّض في بيروت في العام 1972، وهو أب لأربعة أطفال، والنجل والوريث السياسي للرئيس السابق رينيه معوّض الذي اغتيل في 22 تشرين الثاني 1989، في الذكرى الـ 46 لاستقلال لبنان، وبعد أسبوعين من انتخابه في 5 تشرين الثاني.

دخل ميشال معوّض الندوة النيابية للمرّة الأولى في انتخابات 2018 وفقاً لقانون الانتخاب الجديد ومتحالفاً مع "التيار الوطني الحرّ"، وعلى الرغم من حضوره إجتماعات التكتل، إلا أنه حافظ على موقفه العالي النبرة تجاه الموضوع الأهم وهو سلاح "حزب الله". وما لبث أن غادر التكتل بعد انتفاضة 17 تشرين، لتشكل بعد ذلك إنتخابات 2022 نقطة الانطلاق الأهم له، فقد دخل نادي الأحزاب والقوى المسيحية وتفوّق على منافسه التاريخي المتمثّل بآل فرنجية، فبات لـ "حركة الاستقلال" نائبان هما معوّض ونائب الكورة أديب عبد المسيح، في حين أن فرنجية خرج منكسراً من زغرتا أولاً، بحلول المرشح طوني فرنجية ثانياً بعد معوّض، وعدم قدرته على حصد أي مقعد في أقضية الشمال المسيحي.

وعلى غرار والده الراحل الذي كان يتحلى بصورة السياسي الاصلاحي والمعتدل، نادى ميشال معوّض بسيادة لبنان وإعادة بناء دولة قوية. ويَعتبر أنه أثبت ذلك عند إستقالته من منصبه كنائب، بعد خمسة أيام من الانفجار المزدوج الذي تعرض له مرفأ بيروت في الرابع من آب العام 2020، وهي إستقالة إعتبرها "عملاً سياسياً" مفاده التنديد بعجز الحكومة، كما مجلس النواب، عن تحمل مسؤولياتهما، وإستحالة إصلاح النظام من الداخل.

وكان معوض يرى أنه لا بد من توحيد صفوف المعارضة المشتتة، معتبراً الأمر شرطاً أساسياً لتغيير الوضع السياسي في بلاد ينهار إقتصادها يوماً بعد يوم منذ تشرين الأول 2019، مقتنعاً في حال لم تتوحد المعارضة، وراء رؤية مشتركة ومرشح مهمته إسترجاع الدولة والثقة، بأنها ستتحول إلى معارضة مشتتة، لا تأثير لها في الحياة السياسية. وهذا ما دفعه الى إجراء إتصالات مع مختلف قوى المعارضة، بهدف تشكيل تكتل نيابي موحد، يكون قادراً على التأثير داخل المشهد السياسي، من خلال إيجاد نوع من التوازن مع "حزب الله" وحلفائه.

هذا الحراك الذي قام به معوض، مقروناً بمواقفه المبدئية الرافضة للهيمنة ولسلاح "حزب الله"، جعله يقفز من مرتبة نائب إلى مرشح لرئاسة الجمهورية، مدعوماً من قوى المعارضة التقليدية، بما في ذلك الحزبان المسيحيان "القوات اللبنانية" و"الكتائب"، إضافة إلى الحزب "التقدمي الاشتراكي" برئاسة وليد جنبلاط، ويحصل في كل جلسة إنتخابية على حوالي 37 صوتاً، مقابل ما يزيد عن 50 ورقة بيضاء، ما يعني إنعدام حظوظه الرئاسية، إزاء رفض الثنائي الشيعي وحلفائه لترشيحه.

وقد إتهمه منتقدوه بالانتهازية السياسية، مذكرينه بتحالفه الانتخابي مع "التيار الوطني الحر" الحليف المسيحي الأقوى لـ "حزب الله"، الذي إنقلب عليه بعد 17 تشرين "ليركب" موجة الثورة، خصوصاً وأنه مقرب من واشنطن.

أمام هذه الوضعية السياسية والزعاماتية التي اكتسبها معوض، الذي أعلن الأحد الماضي سحب ترشيحه لصالح مرشح المعارضة جهاد أزعور، ثمة سؤال يطرح نفسه: هل غرّته تلك الوضعية المستجدة، ودفعته الى الغرور السياسي، لا سيما وأنه على دراية جيدة بالتحديات والمخاطر التي يواجهها السياسيون في لبنان، ومن يطمح الى تولي منصب رئاسة الجمهورية؟

وهذا التساؤال بات مشروعاً الآن، بعد ترشيح جهاد أزعور، خصوصاً وأن معوض ذهب بعيداً في "شطحته" عندما قال: "نحن مدعوون لانتخاب رئيس للبنان، لا ننتظر إتفاقاً إقليمياً أو عربياً، ولا حواراً أميركياً - إيرانياً، ولا تحركاً فرنسياً، عيب... المطلوب هو أن ننزل إلى مجلس النواب وننتخب رئيساً للجمهورية. هذا يتطلب من كل النواب أن يمارسوا واجباتهم الدستورية والسياسية".

فهل يعقل أن يدلي نائب ناضج ومدرك لخفايا السياسة اللبنانية، بمثل هذا الموقف البعيد كل البعد عن "البراغماتية"؟ لا شك في أن معوض كان يدرك كل ذلك، خصوصاً لجهة معرفته أنه لا يمكن أن يكون هناك رئيس منتخب في لبنان، من دون إتفاق مسبق بين القوى الاقليمية التي لها تأثير في المنطقة، على غرار إيران والسعودية، وبضوء أخضر من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا.

يجزم المتابعون في هذا الإطار بأن معوض تعرض لـ "الاغتيال السياسي" من رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي غرّر به، وأوهمه بأنه تمكن من الحصول على موافقة كل من الادارة الأميركية والرياض لترشيحه، وأنهما ستتكفلان بإقناع باريس بالمضي به، وبالتالي لتجري إتصالات مع طهران في هذا الشأن!

إلا أن معوض لم يتأخر في إكتشاف "الفخ" الذي أوقعه فيه جعجع، ما جعله في "ورطة" سياسية، فلا يمكنه الإستمرار في الترشح لانعدام حظوظه، وفي المقابل يحتاج إلى مخرج "لائق" ليعلن عزوفه. وهذا ما أدخله في دوامة سياسية مع ذاته، لم تخلُ من الكثير من حملات الهجوم والانتقاد، إلى أن شعر بالاهانة الشخصية والسياسية، عندما اكتشف أن من وضع له "السم" في طبق ترشيحه، يبحث عن خيار آخر أمام إصرار الثنائي وتمسكه بترشيح سليمان فرنجية، حتى نضج ترشيح جهاد أزعور، الذي حشد له دعم كل أطياف المعارضة، إضافة إلى تبني الوزير السابق جبران باسيل، وهو ما لم يحصل عليه معوض، الذي ترك "يقلع شوكه بيده"!

إذا كان الرئيس الشهيد رينيه معوض قد إغتيل جسدياً لمآرب سياسية، فإن نجله ووريثه قد إغتيل سياسياً ليبقى لبنان ساحة مشرّعة أمام الاغتيالات بكل أشكالها.


لبنان الكبير