أنهت ماريا دراستها المدرسية بنجاح وحازت الشهادة الثانوية الرسمية لتبدأ استعداداتها للالتحاق بالمقاعد الجامعية، لكنها تقف عند مفترق طريق رئيسي والاتجاه الذي ستسلكه كفيل بتحديد مشوارها المهني الطويل.. فعلى أي أساس وكيف ستحدّد خيارها بما يتناسب مع تطلعاتها؟
هي لا تحب كثرة الدرس وتهوى الفنون والرسم لكن هذه الاختصاصات لا تطعم خبزاً في لبنان لذا لا بدّ للشابة الطموحة من أن تتّجه الى اختصاص مطلوب ومردوده المادي جيّد.
هنا تقع ماريا في حيرة من أمرها "علم النفس حلو بس في كتير درس وحفظ ويمكن ما في شغل.. بحب الترجمة بتعلّمني لغات بس كمان ما فيها شغل بلبنان.. خلص graphic design منيح.. في كتير وظائف إلا ما يمشي حالي وأتوظّف!!"
هذا كان جواب ماريا لدى سؤالها "بأي اختصاص ترغبين؟" ما يدلّ على ان الشابة لم تخضع لتوجيه علمي سليم، شأنها شأن كثيرين من الطلاب المتخرجين حديثاً، وهم لا يلامون على ذلك لأن الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بلبنان فاقمت معضلة المواءمة بين الاختصاص الجامعي وسوق العمل.
من المعروف ان بعض المدارس يقوم بجهد مميّز في التوجيه العلمي والمهني بينما تبقى جهود البعض الآخر منقوصة بحيث يدعو الجامعات الخاصة الى تنظيم معرض للكليات والاختصاصات تندرج أكثر في خانة اصطياد الطلاب بغض النظر عن قدرة الشخص الأكاديمية وميله المهني.
لذلك يشدد مقرر لجنة التربية النائب ادكار طرابلسي على أهمية دور الأهل في مساعدة أولادهم للتوجّه العلمي السليم بما يتناسب مع قدراتهم، ويوجّه ثلاث نصائح أساسية للطالب أولا أن يبحث عن اختصاص يحبّه، ثانيا أن يوازن قدراته بكفاءاته، وثالثاً ان يركّز على متطلبات سوق العمل في العشرين عاما المقبلة.
لكن ما هو السبيل لتحديد هذه النقاط الأساسية؟
تبعا لتوجيه طرابلسي، الخطوة الأولى تحتّم على الطالب اكتشاف موهبته ولهذه الغاية بالإمكان الاستعانة بمحرك غوغل والبحث عن Holland test الذي يوجّه الطالب الى ثلاثة اختصاصات تناسبه، وهو اختبار مفيد جدا لمساعدة الطالب في التوجيه العلمي.
أما الخطوة الثانية فهي اسكتشاف متطلبات سوق العمل العالمي وذلك عبر البحث عن top 10 jobs، ويدعو طرابلسي الى ضرورة الابتعاد عن الاختصاصات النظرية التي لم يعد لها مكان في سوق العمل عالمياً على غرار الآداب والعلوم السياسية وعلوم الفيزياء والكيمياء وعلم الحياة وغيرها.. ناصحاً بالتوجّه نحو الاختصاصات ذات الطابع المهني، التقني والزراعي التي تفتح مجالات عمل واسعة، حتى لمن هو غير كفوء بمواد العلوم والرياضيات.
ويشير الى ان سوق العمل اليوم تتصدّره الاختصاصات المتصلة بالذكاء الاصطناعي وتحليل المعلومات وكل ما يعنى بالبرمجة والروبوتيك، علم البيانات الإدارة المالية، إلكتروميكانيك، إضافة الى وظائف شاغرة في قطاع التمريض والطب (ممرض، مساعد ممرض، مساعد طبيب، أقسام الأشعة، المختبرات، العلاجات الطبيعية...)
ولتعزيز فرص العمل والتوظيف، ينصح طرابلسي بالاختصاص المزدوج الذي يخدم الطالب في مسعاه للعمل في لبنان كما في الخارج.
أما لمعرفة المزيد عن الاختصاصات، فبالإمكان الدخول الى يوتيوب وكتابة Crash course on مع تحديد الاختصاص المطلوب.
3 وبعد اتضاح الصورة أمام الطالب وتحديد توجّهه العلمي بما يتناسب مع كفاءاته وقدراته، يأتي دور الجامعة التي سيرتادها وفي هذا المجال، يلفت طرابلسي الى وجود جامعات تقنية ذات مستوى تعليمي عالٍ وأقساطها معتدلة ومعقولة منها المعهد العالي للعلوم التطبيقية والاقتصادية "كنام"، ومعهد الكفاءات الفني إضافة الى المعاهد المهنية الرسمية التي يمكن الاطلاع عليها عبر موقع مديرية التعليم المهني الالكتروني.
ويشير طرابلسي الى المدارس الزراعية التي تخوّل الطالب بدء العمل من العام الدراسي الأول، والمدارس البحرية بحيث بات في لبنان مدرستان الأولى في طرابلس والثانية في جونيه تدرّسان تخصّص قبطان بحري، ميكانيك بحري، وتلحيم بحري، وهي اختصاصات مطلوبة جدا وعائداتها المالية عالية.
كذلك هناك خيار الدورات السريعة لمن يرغب بتطوير نفسه في اختصاص معيّن أو بتغيير اختصاصه وهي دورات متوفرة عبر تقنية corsera الأونلاين.
وتجدر الإشارة الى العديد من الجامعات ستبقي على التعليم عن بعد بما يوفّر على الأساتذة والطلاب على حدّ سواء مصاريف التنقّل، طالما انها نجحت في هذه التجربة التي تتيح لها الإبقاء على أقساطها من دون زيادات تثقل كاهل أهالي الطلاب.
كل هذه الخيارات متاحة أمام الطلاب كي لا يخاطروا بعامهم الجامعي الأوّل وهم ينتظرون أبواب الجامعة اللبنانية كي تفتح لأن مصيرها، للأسف، لا يزال مجهولاً.