حملت صفة "الرئيس القويّ" جدلاً كبيراً في الوسط السياسي بعد وصول ميشال عون إلى بعبدا. يومذاك كان رهان المسيحيين أن يصل صاحب التمثيل النيابي والشعبي الأكبر، لِما لذلك من أهمية في مسار عودة المسيحيين إلى صلب الجمهورية من بوّابة رئاستها بعد خروجهم منها بعد الحرب اللبنانية.
غير أنّ لقب "الرئيس القويّ" هذا حمّال أوجُه. ففي حين اعتبر فريق رئيس الجمهورية أنّ عون "رئيسٌ قويٌّ" باستخدام صلاحيّاته لمصلحة دور الرئيس الماروني، وبالتعامل على طريقة "الندّ للندّ مع المواقع الأخرى"، رأى الفريق المقابل لعون أنّه كان الأضعف في مواجهة تعاظم نفوذ حزب الله على حساب الدولة القوية التي طالما نادى عون بها وبمؤسّساتها، وكان ضعيفاً في الحفاظ على وحدة اللبنانيين وفي حماية اللبنانيين من الجوع والانهيار، وإن كان الفساد مسؤولية الطبقة السياسية مجموعةً وليس مسؤوليّته وحده، لكنّ عهده وقراراته هي التي ساهمت في تسريع الانهيار. في مقاربة يقدّمها هؤلاء لرئاسة الجمهورية المقبلة والصراع القائم على الموقع الماروني الأوّل في البلاد، يضعون السؤال التالي: هل يكون الرئيس المقبل "رئيساً قويّاً" كعون، أو "رئيساً لإعلان بعبدا" لا يملك تمثيلاً شعبياً، مثل ميشال سليمان؟
كيف سيقارب حزب الله وصول "ميشال سليمان ثانٍ" إلى الرئاسة؟
في معلومات "أساس" أنّ حزب الله يُعدّ للمعركة الرئاسية بشكل لا يقبل الشكّ في أنّه سيحافظ على موقع الرئاسة المارونية في قبضة حليف له. ومنذ اللقاء الذي جمع فيه الأمين العام للحزب حسن نصرالله كلّاً من جبران باسيل وسليمان فرنجية، يستعدّ الحزب لخوض المعركة بين حليفيه. لا فرق عنده بينهما شرط أن يصفّوا الحسابات بينهما. وعليه بدأت أجواء الودّ بينهما تظهر بعد الانتخابات النيابية، وبدأ كلّ منهما إرسال إشارات إيجابية إلى الآخر. غير أنّ ذلك لا يكفي لأنّ فرنجية يدرك أنّه الأوفر حظّاً للرئاسة، وأنّه لن يتخلّى عن فرصته هذه المرّة لأحد بعدما تخلّى عنها لمصلحة ميشال عون في الدورة الماضية. فهو كان يومئذٍ على مسافة خطوة واحدة من قصر بعبدا، لكنّه قرّر مراعاة حزب الله بوقوفه إلى جانب عون. اليوم آن أوان فرصته ولن يتخلّى عنها.
متى "يوقّع" باسيل؟ لا "إعلان بعبدا" جديداً
بالنسبة إلى حزب الله، كلّ هذه الحسابات لا تقدّم ولا تؤخّر في قرار سبق أن اتّخذه بعدم التخلّي عن موقع الرئاسة. فهو يعتبر أنّه ربحها يوم انتخاب عون ولن يسمح بعودة عقارب الساعة إلى الخلف، تحديداً إلى عهد ميشال سليمان، "الرئيس الضعيف"، في عُرف المصطلحات السياسية المسيحية الحديثة. وهو أوّلاً وقبل كلّ شيء الرئيس الذي ألزم حزب الله بـ"إعلان بعبدا"، قبل أن يعود الحزب ويتراجع عمّا التزم به يوم شارك رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد في طاولة الحوار برئاسة ميشال سليمان.
يجدر التذكير أنّه قد جاء في البند 12 من البيان الصادر عن بعبدا بعد الحوار الوطني في عام 2012: "تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهليّ، ما عدا ما يتعلّق بواجب التزام قرارات الشرعيّة الدوليّة والإجماع العربي والقضيّة الفلسطينيّة المحقّة، بما في ذلك حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم".
وهنا بيت القصيد، حيث الاشتباك السياسي بين فريق الحزب وخصومه.
في المقابل، يراهن حزب الله على ضعف خصومه وعدم قدرتهم على التوحّد حول اسم مرشّح لرئاسة الجمهورية يجمعهم.
الواقع أنّ هذا الرهان ناجح حتّى هذه الساعة وسط تخبّط الفريق الآخر في خلافاته واختلافاته.
بين ميشال عون وميشال سليمان يسجّل حزب الله، كما خصومه، على سليمان أنّه عمل على بيان توافقت عليه القوى اللبنانية من دون استثناء، معادٍ لمصلحة حزب الله. ويسجّل حزب الله وخصومه على عون أنّه سمح بتمدّد نفوذ حزب الله ووفّر له الغطاء اللازم في معاركه خارج الحدود اللبنانية، وهنا الخلاف الأكبر مع العرب والمجتمع الدولي، الذي دفع اللبنانيون ثمنه في معيشتهم وأرزاقهم وانهيارهم المالي.
لذلك يتطلّع الحزب إلى معركة الرئاسة على أنّها معركته الأمّ.
فهل ينجح في فرض رئيس حليف له أم تغيّرت ظروف عام 2016 كثيراً وأصبح مجبراً على الخضوع لمنطق التسوية الداخلية ولو كانت المنطقة مشتعلة، ومقابل ماذا؟ في المقابل لم يحسم باسيل خياره بعد بالتخلّي عن فرصته لمصلحة فرنجية. وإن كان يدرك أن لا حظوظ له، لكنّه أمام مفترق طرق:
- إمّا التسليم بفرنجية رئيساً، والرهان على أن تكون الرئاسة من حصّته في الدورة المقبلة. وهنا يخاطر بأن يعزّز عهد فرنجية نفوذه في الشمال، خصوصاً في دائرة باسيل نفسها.
- وإمّا أن يسلك الخيار الآخر برفض انتخاب فرنجية والذهاب إلى رئيس "وسطيّ" بينهما، حليف لحزب الله أيضاً.
- وإمّا أن يوافق على انتخاب فرنجية مقابل إعطائه ضمانات في داخل السلطة والإدارة، وهو ما يمكن أن لا يوافق عليه فرنجية.