الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه- بقلم كلير شكر

  • شارك هذا الخبر
Friday, December 20, 2024

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى بيروت، من زيارته الباريسية، كانت كل التسريبات تشي بأنّ الرجل سمع صراحة من الفرنسيين بأنّ المناخ الدولي، وتحديداً الأميركي، بإدارته الجديدة، غير راض على مسار التشاور اللبناني في ما خصّ الرئاسة، بمنحاه الوسطي. ولكن أياً من التكهنات، لم تصل إلى درجة التقدير أنّ جنبلاط سيعلن رسمياً ترشيح قائد الجيش في هذا التوقيت المبكر!



في الواقع، انطوت خطوة اللقاء “الديموقراطي” على أهمية مضاعفة، لاعتباريْن:

– القوى السياسية متأكدة أنّ الترشيح جاء بطلب من باريس، وليس من “عنديات” جنبلاط، وهذا ما يكرّس الطابع الدولي لهذه “الحدفة” على الشطرنج الرئاسية، بشكل يوحي بأنّ الخارج قرر الانخراط في الاستحقاق، وهذه أولى بوادره.

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة

– حصل الإعلان بعد زيارة جنبلاط عين التينة لوضع رئيس مجلس النواب نبيه برّي في أجواء اللقاءات الباريسية، وتبعاتها.

هنا، تقول معلومات “أساس” إنّ جنبلاط صارح صديقه وحليفه، بمضمون ما سمعه من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأبلغه بضرورة الانطلاق في مسار حسم الرئاسة من خلال التسميات المباشرة، وهو لذلك سيعلن دعمه لقائد الجيش.

تضيف المعلومات أنّ جنبلاط حاول بالفعل إقناع الرئيس برّي بهذا الترشيح، بعدما صار واضحاً المناخ الدولي حياله، لكن رئيس المجلس، كان لا يزال على رفضه هذا الترشيح. لكنّ رفضه هذه المرّة، بدا أقلّ حدية، كما تؤكد المعلومات.

بالتوازي، يتبيّن من حلفاء الثنائي الشيعي، أنّ الأخير أبلغهم صراحة، عبر القناتيْن، أي قناة الحزب وقناة الرئيس بري، رفضهم المطلق لترشيح قائد الجيش، لا سيما بعدما حرّر رئيس “تيار المرده” سليمان فرنجية داعميه، من هذا الترشيح، حتى لو لم يعلن انسحابه أول من أمس، كما كان متوقعاً. لكنه في المقابل، أبلغ أصدقاءه بأنّه صار خارج السباق، وهم بالتالي أحرار في من يختارونه لرئاسة الجمهورية.

“الثنائي” على موقفه

على هذا الأساس، سارع الثنائي لتذكير حلفائه، بأنّه لا يزال على موقفه. ولعل هذا الفيتو هو الذي زاد من اعتقاد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بأنّه سيكون شريك العهد المقبل، اذا كان من سيده من قماشة الوسطيين الذين يزكي أسماءهم، ربطاً بمسعى الثنائي لانتخاب واحد منهم رئيساً للجمهورية. وعلى هذا الأساس، بدت مفاوضات باسيل مع الرئيس بري، ومع الحزب عبر رئيس وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، ايجابية وجدية جداً، قد تتطور مع ارتفاع حظوظ الأسماء المشتركة بينهم، وأبرزهم الوزير السابق زياد بارود واللواء الياس البيسري. هنا يتردد أنّ باسيل غادر بالأمس إلى قطر لإجراء مشاورات مع قيادتها بشأن الاستحقاق بعدما تسارعت أحداثه.

معلومات “أساس”: جنبلاط صارح صديقه وحليفه، بمضمون ما سمعه من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأبلغه بضرورة الانطلاق في مسار حسم الرئاسة

لكن رغم الاعتراض الشيعي على ترشيح قائد الجيش، ثمة مقاربة مختلفة، تجعل نظرة إلى هذا الترشيح من منظار الحزب تحديداً، مختلفة:

كان العدوان الإسرائيلي على لبنان، واستطراداً اتفاق وقف إطلاق النار، بمنزلة حقل ألغام. فقد وضع قائد الجيش أمام اختبار صعب: إمّا يخرج منه مشظّى اذا ما انفجر بوجهه، وإمّا يتجاوزه بنجاح، ويصير للكلام معنى آخر. لكن بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على بدء سريان قرار وقف إطلاق النار، وانتشار الجيش جنوب الليطاني، يبدو التنسيق بين قيادة الجيش والحزب أكثر من ممتاز، ما يدّل على تناغم بين الجهتين وحرص على العلاقة.

أكثر من ذلك، تكشف المعلومات أنّ الحزب أبلغ أكثر من جهة دبلوماسية عدم ممانعته ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية، وعدم رفضه لهذا الخيار، خلافاً لقرار الرئيس بري الذي لا يزال على ضفّة الرفض. هذا التمايز، يقود البعض إلى الاعتقاد باحتمال انتقال هذا التمايز إلى صندوق الاقتراع، في استعادة لمشهدية انتخاب العماد ميشال عون حين رفضت كتلة “التحرير للتنمية” التصويت له خلافاً لموقف “كتلة الوفاء للمقاومة”.

رغم الاعتراض الشيعي على ترشيح قائد الجيش، ثمة مقاربة مختلفة، تجعل نظرة إلى هذا الترشيح من منظار الحزب تحديداً

الكرة في ملعب عين التينة

لكنّ حلفاء الثنائي يؤكدون أنّ بري والحزب متفقان على توحيد خيارهما الرئاسي. خصوصاً بعد الدور التفاوضي الذي لعبه رئيس المجلس إبان الحرب، وبالتالي سيكون مشهد افتراقهما، غير مرجّح. لذا، ما زالت الكرة في ملعب عين التينة، بعدما أنزل جنبلاط “الحمل” عن كتفيْه، على طريقة “أديت قسطي للعلى”، و”الباقي عندكم”، أي عند الثنائي.

في الواقع، يمكن الاستنتاج أنّ جنبلاط وضع قطار ترشيح قائد الجيش على السكّة، لكن الحاجة إلى تعديل الدستور أي إلى 86 صوتاً بالحدّ الأدنى، يجعل من انتخابه رئيساً، طريقاً طويلة تعتريها الكثير من العقبات. ولو أنّ بعض الكتل راح يخرج من صمته ليعبّر صراحة عن عدم ممانعته انتخاب قائد الجيش.

من هنا يطرح السؤال عن حقيقة التدخل الأميركي “الملوس” في الاستحقاق، الذي هو ممرّ إلزامي لإنجاز الاستحقاق. حتّى لو حاول الثنائي فرض تهريبة رئاسية، لا تكون معادية للغرب. لكنّ الانهيارات الاقتصادية والانمائية والمالية الواقعة، تجعل الحاجة إلى المظلة الغربية ورعايتها للعهد المقبل، ملحّة للثنائي الشيعي قبل غيره.

حلفاء الثنائي يؤكدون أنّ بري والحزب متفقان على توحيد خيارهما الرئاسي. خصوصاً بعد الدور التفاوضي الذي لعبه رئيس المجلس إبان الحرب

بانتظار الحسم الأميركي

يقول المتابعون إنّه عشية انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وصل موفد أميركي رفيع المستوى إلى بيروت لإبلاغ القوى السياسية بموقف إدارته الصريح بالسير بترشيح عون، وإلّا لما تدحرج حجر رئاسته. بهذا المعنى، ينتظر أن يكون لواشنطن موقفها الواضح من الملف الرئاسي حين تنضج طبخته وتوضع على نار حامية. والأرجح هذا ما ينتظره الرئيس بري كي يقول كلمته النهائية. هذا مع العلم أنّ موقف جنبلاط يُعتبر أولى تلك الإشارات الأميركية. لكن باستثناء هذه الإشارة، لم يُرصد محلياً أي انخراط أميركي جدي في لعبة الأسماء، ما يترك الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات.

في هذه الأثناء، سيظلّ الاستحقاق موضع تجاذب داخلي ومناورات كثيرة، تهدف إلى تحسين أوراق التفاوض، مع العلم أنّ اللا الصريحة التي سجّلها فرنجية في خطابه الأخير، بحق الترشيحات الوسطية، ستدفع الثنائي إلى التراجع قليلاً والبحث عن مخارج جديدة، غير تصادمية مع القطب الزغرتاوي وهو الذي دفع ثمن تحالفاته، من كيس رئاسته التي سُلبت منه ثلاث مرات. فهل يكون جديد تلك المناورات، ترشيح سمير جعجع؟