أميركا وروسيا القطب الواحد... إبداع في صناعة الأعداء والأصدقاء- كتاب للدكتور المهندس شادي نهرا

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, April 13, 2021

يكشف هذا الكتاب” أمريكا وروسيا القطب الواحد، إبداع في صناعة الأعداء والأصدقاء“الخطة المعقدة لـ "الدولة العميقة الأمريكية" التي ابتدأ تنفيذها منذ بداية الألفية الثالثة، من خلال استخدام التحليل المنطقي العميق، والاستعانة بالتكتيكات العميقة التي استخدمتها الولايات المتحدة سابقا لضمان استمرارها في حكم العالم.
يستعرض هذا الكتاب جميع الأحداث من بداية الألفية الثالثة حتى الوقت الحاضر، كما يطرح تفسيرًا حقيقيًا وفريدًا، لم تتم مناقشته مسبقاً، قادر أن يربط بقوة بين جميع هذه الأحداث ويتناغم معها ومع تسلسلها الزمني.
كما أنه قادر أن يتوقّع الأجزاء المتبقيّة من هذه الخطة الاستراتيجية، والتي وُجِدَت لتخدم هدفًا واحدًا فقط، ألا وهو فوز أمريكا على الصين، والزامها الجلوس على طاولة المفاوضات لكن بحسب الشروط الأمريكية.
ولكي نتمكن من فك شيفرة هذه الخطة العميقة لا بد من الإجابة على سؤالين اساسيان:
1- لماذا صنعت الولايات المتحدة الأمريكية داعش، وساعدت الإخوان المسلمين في الوصول إلى الحكم في العديد من الدول العربية، من خلال ما عُرِف بالربيع العربي، حيث أن الوثائق السرية المسرّبة كشفت طلب الرئيس الأمريكي اوباما مساعدة الإخوان في الوصول إلى الحكم إضافة إلى ما كشفته هيلاري كلينتون والرئيس ترامب عن دور إدارة الرئيس اوباما في تصنيع داعش.
2- لماذا أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية ودعمت مشروع خط أنابيب NABUCCO Gaz في 2009، الذي يقوم على جلب غاز آسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى أوروبا عبر تركيا ، بهدف عزل ومحاصرة الغاز الروسي المتوجّه إلى أوروبا ، على الرغم من إعلان آسيا الوسطى أنها لن تشارك في NABUCCO ، وعلى الرّغم من أن هذا المشروع الذي تبنّته أمريكا لا يخدم مصالحها الاقتصادية ، حيث أنها قد أكملت بحلول عام 2008 طريقة متطوّرة "التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي " لاستخراج النفط الصخري المتوفر في أمريكا بكثافة عالية , وبدأت تتطلّع إلى تصدير غازها إلى أوروبا عبر إنجلترا؟ من ثم قامت أمريكا بدفن NABUCCO كما سُرِّب عن الأوروبيين.
في الواقع NABUCCO لم يكون سوى خدعة استخدمتها أمريكا لتطبيق سياسة العصاة والجزرة على كل من قطر وتركيا، لإقناعهم بتصنيع داعش، من خلال إغراء قطر بتصدير غازها إلى أوروبا بدلاً من الغاز الروسي عبر خط أنابيب نابوكو، وإغراء الرئيس أردوغان بجعل تركيا الدولة الوحيدة التي تتحكّم بصمام الغاز المتدفق إلى أوروبا مع ما يستتبعها من منافع سياسية واقتصادية على الرئيس اردوغان.
فقد كان من المخطّط أن تكون سوريا نقطة وصل ونقطة التقاء لجميع خطوط أنابيب الغاز هذه باتجاه أوروبا عبر تركيا: غاز بحر المتوسط، غاز آسيا الوسطى، غاز قطر عبر السعودية الاردن سورية، ومن الممكن غاز إيران عبر العراق سورية.
إلا أن الرئيس الأسد كان العائق الوحيد أمام تنفيذ هذا المشروع، لأنه رفض هذا المشروع الذي يعزل الغاز الروسي عن أوروبا وفضّل عليه خط الغاز الإسلامي.
استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية NABUCCO لإقناع قطر وتركيا لتصنيع داعش، من أجل تغيير النظام في سوريا. ثم دفنت نابوكو كما سُرّب عن الأوروبيين لأنه لا يخدم مصالحها الاقتصادية.
إلا أن الهدف الأساسي والعميق من تصنيع داعش، لم يكن تغيير النظام في سوريا، ولا ضرب محور المقاومة لخدمة إسرائيل وليس بالتأكيد السيطرة على غاز المتوسط الذي لا يمثّل شيئاً يذكر بالنسبة لأمريكا الذي قدر ب-3 تريليون دولار وهي صاحبة GDP الذي تخطى ال-20 تريليون دولار، خاصةً من بعد ما اكتشفت أمريكا طريقة التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي لاستخراج غازها الصخري الذي جعلها من أبرز الدول المصدِّرة للغاز في العالم وجعل اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط ليس أولويّة مطلقة.
الهدف الرئيسي من تصنيع داعش، والترهيب والتهديد بعزل الغاز الروسي إلى أوروبا، والهدف من الأفلام الإجرامية الهوليوودية لـ داعش، المنشورة على الإنترنت، كان فقط إرعاب روسيا لإجبارها على الدخول بكل قوتها إلى الشرق الأوسط، ولكن هذه المرة ليس لإغراقها في مستنقع كما أُغرِقَت سابقاً في حرب أفغانستان عام 1979، لكن هذه المرة للدخول إلى الشرق الأوسط وتحمّل مسؤوليّته والتنعّم بخيراته.
هذا التكتيك الجديد لتصنيع عدوّ مشترك، داعش، للولايات المتحدة الأمريكية ولروسيا، هو تكتيك ذكي للغاية لأنه يُلزِم روسيا بأن تصبح شريكًا للولايات المتحدة في السيطرة على الشرق الأوسط وتحمل مسؤوليّاته والانغماس بمشاكله التي لا تنتهي والعصيّة على الحلول.
يمكن أيضًا ربط هذا الهدف بالثورات الملوّنة في جورجيا وأوكرانيا المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وأزمة خطوط أنابيب الغاز مع شركة غازبروم الروسيّة، والتي دفعت روسيا للبحث عن مسارات بديلة لأنابيب الغاز الخاصّة بها عبر تركيا بشكل رئيسيّ: التيار التركي 1،2 ، والتي ستكون أحد الأسباب الرئيسية التي تجذب روسيا وتربطها بشكل دائم بالشرق الأوسط من أجل:
1- حماية شبكة أنابيب الغاز الجديدة التي اضطرت روسيا إلى نقلها إلى تركيا، ومنع NABUCCO أو مثيلاته في المستقبل، من خلال تحمّل مسؤولية سوريا، حتى أن خط أنابيب TANAP-TAP، الصغير نسبيًا مقارنةً بـ NABACCO، قد تم بناؤه، ويمر على بعد 20 كيلومترًا من ناغورنو كارا باخ، وهو مؤهل لزيادة تدفقه في المستقبل، وهو ما يمثل أيضًا سببًا آخر يربط روسيا بشكل دائم بالشرق الأوسط، لحماية شبكاتها التي أجبرت على نقلها، من خلال تحريك أمريكا لهذه الثورات الملونة ومن خلال تصنيع المشروع الخدعة NABUCO.
2- محاربة داعش الذي من الممكن أن توقظه أمريكا بأية لحظة، ومنع انتشاره عسكرياً وأيديولوجياً من خلال أفلامه الهوليوودية الإجرامية إلى روسيا، التي تضم 20٪ من المسلمين، ومنع انتقاله إلى آسيا الوسطى.
هذه الهدايا الأمريكية لروسية، من سورية إلى ليبيا إلى أفغانستان وإيران ومصر ليست مجانيّة، وتسلّم روسية مسؤوليات الشرق الأوسط ليست بريئة كما يظن الكثيرون أن روسية احبطت المخطط الأمريكي، لا بل بالعكس فإن المخطط الأمريكي يقوم على ارعاب روسيا أيديولوجياً عن طريق صناعتها لداعش ومساعدة الإخوان للوصول إلى الحكم، وجيوبوليتيكاً عن طريق تهديد غازها المتوجه نحو أوروبا من أجل جرّها إلى الشرق الأوسط وتسليمها مسؤوليته ومسؤولية حراسة داعش والإخوان والصراع العربي الإسرائيلي ....
من ناحية أخرى، ستقوم الولايات المتحدة بالإنسحاب الناعم من الشرق الأوسط باتجاه الشرق الأقصى، بهدف محاصرة الصين هي وحلفائها وبشكل رئيسي مجموعة QUAD: الهند، اليابان، أستراليا، وأمريكا ...
الفكرة الرئيسية للخطة الأمريكية هي أن أمريكا تدرك جيداً أنه لا يمكن أن تكسب الحرب ضد الصين إذا ما اتحد العملاق العسكري الروسي، مع العملاق الاقتصادي الصيني.
فمن أجل كسر هذا التحالف المحتمل، صنعت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع خطوط غاز أنابيب NABAKO وداعش، لإلزام روسيا على المجيء إلى الشرق الأوسط وتحمّل مسؤولياته.
أما القسم المتبقّي من الخطة يعتمد على سلوك روسية في المواجهات المرتقبة بين أمريكا والصين وعلى سلوك الصين إزاء الشروط الأمريكية ، فأمريكا قادرة على ترك روسية تتنعّم بثروات هذا الشرق مع إبقاء بعض النيران ملتهبة ، كما أنها قادرة أيضاً على تفجير أنابيب الغاز الروسية وتفجير داعش والإخوان وتفجير المنطقة من الشرق الأوسط إلى القوقاز والبلقان والبلطيق في وجه روسية إذا ما حاولت روسية مساندة الصين ... كما أنه من المحتمل أن تذعن الصين للشروط الأمريكية إذا ما وجدت نفسها وحيدة في مواجهة أمريكا ورفاقها بعد أن تم سحب روسية وربطها بالشرق الأوسط و هكذا يكون الربيع العربي قد أنقذ العالم من حرب عالمية ثالثة.
وإذا ما استمرت الصين في استفزاز الولايات المتحدة الأمريكية، وهي كذلك، من خلال إطلاق العملة الرقمية الصينية Chinese Digital currency، التي تمّ اختبارها داخليًا لمدة خمس سنوات في الصين، والتي لا يحتاج حاملها إلى حساب مصرفي أو Swift للقيام بالمعاملات التجارية، مما يجعل العقوبات الأمريكية على أي شخص أو منظمّة أو دولة غير ذات قيمة.
كما تقوم الصين باستفزاز الولايات المتحدة من خلال استبدال الدولار بأليوان الصيني في تجارة النفط العالمية، الأمر الذي لن تقبل به أمريكا حتى لو أدى ذلك إلى حرب عالمية، لأن الصين تهدد أعظم سلاح في يد الولايات المتحدة الا وهو الدولار.
إلى جانب ذلك، العديد من الأمور العالقة بين الطرفين كالإنترنت الصيني اللذي يحل محل الإنترنت الأمريكي في إفريقيا وربما لاحقاً في العالم، وحقوق الملكية الفكرية التي تتهم الولايات المتحدة الصين بسرقتها، وتطالبها بتريليونات الدولارات كتعويض وعجز الميزان التجاري. والعديد من القضايا الأخرى التي ستشعل بالتأكيد الحرب العالمية الثالثة إذا استمرت الصين بالمضي قدماً في استفزازاتها والتي تقوّض القبضة الأمريكية المحكمة على العالم وعلى رأسها سلاح الدولار.
فإذا حُشِرَت أمريكا وأُجبِرَت على حرب مع الصين، سوف تعمد أمريكا إلى إشعال حرب عالمية لكن بطريقة ذكية جداً تقوم بتقسيم الحرب على ساحتين وتحت عنوانين مختلفين.
ساحة الشرق الأوسط وساحة الشرق الأقصى.
وقبل إعلان الحرب مع حلفائها ضد الصين، ستشعل الولايات المتحدة حربًا بعد انسحابها الناعم من الشرق الأوسط، في الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان والبلطيق.
ولضمان إشتعال وإستمرار الحرب تعمد أمريكا إلى تصنيع السبب الأيديولوجي والسبب الجيوبوليتيكي لهذه الحرب، فالشعوب تُسكِرُها الأسباب الأيديولوجية لحثّ حكوماتها على الإنغماس في الحرب وبالتالي عدم قيام الثورات ضد هذه الحروب العبثيّة... وأما السبب الجيوبوليتيكي فهو بنفس أهمية السبب الأيديولوجي لأنه يقنع الشركات الكبرى والحكومات بالإشتراك في هذه الحروب وتمويلها ... وقد تم تصنيع العنوانين بإتقان.
ستكون الحرب التي تسبق الحصار الأمريكي أو حتى الحرب الأمريكية على الصين، بين العالم الإسلامي بقيادة الرئيس أردوغان والعالم المسيحي بقيادة روسيا وأوروبا باستثناء بريطانية، تحت العنوان الأيديولوجي وهو إحياء الخلافة الإسلامية بالاحتلال المباشر أو غير المباشر. هذا العنوان الذي يدغدغ المشاعر الدينية لمعظم المسلمين في جميع أنحاء العالم. كما أنه من المحتمل أن تكون الدولة العميقة لأمريكا قد صَنَعَت أردوغان لهذا الهدف منذ عام 2000، مثلما صنعت صدام حسين لتهديد جيرانه، مما أعطى الولايات المتحدة حجّة للمجيء والاستقرار في المنطقة.
مما يؤدي تلقائياً الى عزل الأقليّة المسيحيّة والعمل على تحويل حضارتها وثقافتها كما تم تحويل آية صوفيا إلى مسجد كما من المرجح استتباعها بخطوات مماثلة لاستفزاز مشاعر المسيحيين في أوروبا وروسيا، وستقوم تركية بتوجيه الإخوان المسلمين في أوروبا، الأمر الذي سيؤدي أيضًا إلى جر أوروبا وفرنسا بشكل أساسي، باستثناء إنجلترا لأنها في تحالف أبدي مع أمريكا، للانغماس في هذه الحرب لحماية الأقلية المسيحية وحضارتها وحماية أوروبا من انتشار أفكار الأخوان .
إلى جانب العنوان الأيديولوجي، تحتاج الحروب إلى عنوان جيوسياسي وهو جاهز للاستثمار ألا وهو الغاز والنفط في الشرق الأوسط، لإقناع الشركات الكبرى والحكومات بالدخول في هذه الحرب وتمويلها.
هذه الاستفزازات المتبادلة بين المسيحيين والمسلمين خاصة بين الرئيس اردوغان والرئيس ماكرون غير بريئة وهي تدفع الأمور سريعاً في هذا الاتجاه.
ما يحدث من استفزازات متبادلة، بين المسلمين والمسيحيين، خاصة تركيا وفرنسا، وما يحدث الآن في لبنان، من استفزازات متبادلة، ليس بعيدًا عن هذا العنوان، بل يتم دفع الرؤساء إلى هذه الاستفزازات تحت حجج مموّهة وأسباب كاذبة تتعلق بمكافحة الفساد وغيرها من الأسباب المزيفة وأما المطلوب واحد.
فمن غير المستبعد أن تقوم الدولة العميقة لأمريكا بمساعدة اردوغان على تزعم العالم الإسلامي، حيث ألزمت السعودية بعدم التدخل في الشؤون اللبنانية، من أجل إعطاء زعامة السنة لتركيا. في الواقع، حصل أكثر من 50 ألف سني مؤخراً من عكار وطرابلس في شمال لبنان على الجنسية التركية.
الواقع أن الضغط الكبير على التيار الوطني الحر لكسر التحالف مع حزب الله، لا يهدف إلى عزل حزب الله كما يبدو، بل لعزل المسيحيين، حيث يتّحد بعدها السنة والشيعة ضد المسيحيين ليكون من أحد الأسباب والساحات لجذب أوروبا وروسيا للدفاع عن هذه الأقلية في الشرق إلى جانب ساحة البلقان والقوقاز. فقد اعتادت الولايات المتحدة أن يكون هدفها العميق بعيد عن الظاهر والمعلن...
الحاجز الوحيد أمام التحالف الكامل بين تركيا وإيران، بما أنه لا يوجد صراع أيديولوجي بين السنة والشيعة بالنسبة للإخوان المسلمين، هو الرئيس الأسد. فإذا استُبعِد الرئيس الأسد عن الصورة السياسية في سوريا، فهذا يعني أنه في الحرب المقبلة، ستقود تركيا السنة، وإيران الشيعة، وسيكونون في تحالف كامل ضد الأقلية المسيحية لجر أوروبا وروسيا إلى هذه الحرب الطاحنة.
سيتمّ تصنيع هذه الحرب من قبل الولايات المتحدة لمنع روسيا وأوروبا من المشاركة في حرب موازية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ضد الصين وحدها، أو ربما تقتنع الصين حينها بأنها أصبحت معزولة وتستجيب للجلوس إلى طاولة المفاوضات بحسب الشروط الأمريكية.
هناك خطوتان لا بد من أن تسبق هذه الحرب: أولاً، نقل الأسلحة النووية من قاعدة إنجرليك الجوية من تركيا إلى اليونان، وهذا قد بدأ بالفعل، والخطوة الثانية هي تمهيد الطريق لخروج تركيا من الناتو، بحيث تصبح الولايات المتحدة وأوروبا غير ملزمة بالدفاع عنها. كما من الممكن أن تكون المغادرة تحت حجج وهمية مثل صفقة نظام الدفاع الصاروخي S400 مع روسيا.
أن خطة الولايات المتحدة للانسحاب من الشرق الأوسط انعكست بشكل مباشر على لبنان. حيث أن إسرائيل حذّرت الولايات المتحدة أن عليها حل مسألة صواريخ حزب الله الدقيقة، والبرنامج النووي الإيراني، قبل البدء بالانسحاب الناعم من الشرق الأوسط، وإلا ستعمد إلى إشعال المنطقة بغية إجبار أمريكا على البقاء فيها ومنعها من الانسحاب تاركت إسرائيل وحيدة في مواجهة أعدائها. لهذا نفّذت الولايات المتحدة حصاراً اقتصادياً غير مسبوق، وأطلقت الثورة اللبنانية في ذلك الوقت. إلا أن ذلك لم يجبر حزب الله على تسليم الصواريخ الدقيقة. وقد اتّجه الحل نحو مساعدة الولايات المتحدة، إسرائيل تقنيًا ومخابراتياً في العثور على مواقع هذه الصواريخ والمصانع، وبالتالي جعلها عديمة الفائدة.
لم يكن انفجار المرفأ بعيدًا عن هذا التفسير. من الواضح أن الأمونيوم هو لحزب الله، لأنه بكل بساطة، القوة الوحيدة في لبنان القادرة على شلّ عمل القوى والأجهزة الأمنية والجيش والقضاء والرؤساء والوزراء من اتّخاذ قرار بشأن مخزون الأمونيوم هي حزب الله.
من ناحية أخرى، إن إسرائيل هي من خطّطت لهذا الانفجار وذلك استنادا لتغريدة الرئيس ترامب بُعَيد الانفجار، حيث استشهد ترامب بخبراء عسكريين على أنه كان هجومًا مدبّراً غامزاً من ورائه أن إسرائيل وراء الانفجار.
بعث الرئيس ترامب من خلال هذه التغريدة برسالة إلى اليهود، أنه يعلم ولديه دليل على أن إسرائيل فعلت ذلك، فقط لابتزازهم وإجبارهم على التصويت لصالحه في الانتخابات الرئاسية.
فإنه ليس صدفة أنه بعد أن أرسل مدير أمن الدولة ملف نيترات الأمونيوم إلى رئيس الوزراء والرئيس عون، وقع الانفجار بعد أسبوعين، ولكن منذ أن تسلّمت إسرائيل بعض مواقع مخازن الأسلحة، ومن بينها المرفأ. تم تلحيم بوابة العنبر 12، كتأكيد على أن النيترات لن يستخدم في المستقبل بالمقابل لن تفجر إسرائيل هذا المخزن، ولكن منذ أن فُتِحَ الملفّ وتمّ إرساله إلى رئيس الوزراء والرئيس عون، شعرت إسرائيل أنه سيتم نقل النيترات إلى مكان مجهول لها لذلك فجّرتها، رغم أن هناك من حاول إقناع رئيس الوزراء بعدم أهمية هذا الأمونيوم! وقد انتشرت دول كثيرة في بيروت بُعَيد الانفجار، فقط في محاولة منها لمنع إسرائيل من قصف المواقع الأخرى التي تم تسليمها لها. وقد وقعت تفجيرات عدة كتفجير عين علق وغيرها ما يثبت أن المعركة انتقلت من إجبار حزب الله على تسليم الصواريخ الدقيقة إلى حرب أمنية تكشف مواقع هذه المصانع والمخازن وبالتالي تصبح دون قيمة تذكر، كما أن العديد من الاغتيالات التي حصلت بدون فتح تحقيق جدّي يرتبط ارتباطا وثيقاً بهذه الخروقات الأمنية للحزب وتؤكد أن أمريكا اقنعت إسرائيل بتفوق هذه الطريقة عن الطريقة التقليدية التي تقوم على إشعال حرب أهلية أو غيرها تجبر الحزب على تسليم صواريخه ...
فيما يتعلق بإيران، فإن السبب الرئيسي للصراع مع الولايات المتحدة ليس محور المقاومة ولا برنامجها النووي. على العكس من ذلك، تريد الولايات المتحدة أن يكون لإيران أهداف توسّعيّة تهدّد الخليج، فهاذا من شأنه أن يجعل الخليج يرتمي أكثر في احضان الحماية الأمريكية، ممّا يمكّن أمريكا من ابتزازه والسيطرة على ثرواته ومصادرة قراراته لحمايته من هذا العدو المُصَنَّع عن قصد أو عن غير قصد، وإلزام الخليج بالوقوف في الطابور لتوقيع اتفاقيات السلام مع إسرائيل خوفًا من إيران.
لكن المشكلة الوحيدة مع إيران بالنسبة لأمريكا هي أنه عندما تبدأ أمريكا باستخدام تكتيك تجفيف موارد النفط ضد الصين لإجبارها على الجلوس للتفاوض، فإن الدولة الوحيدة التي ستكسر هذا الحصار هي إيران. صاحبة ثاني أكبر احتياط غاز في العالم، عبر خط أنابيب غاز برّي يمر عبر باكستان، وقد توقفت الشركات الصينية عن العمل فيه خوفا من العقوبات الأمريكية. من ناحية أخرى، تسيطر الولايات المتحدة بشكل كامل على مضيق مالكا، بحيث تكون السفن التي تزوّد الصين بالنفط تحت سيطرة الولايات المتحدة. وقد تم تطبيق السياسة ذاتها على فنزويلا لنفس الأسباب. ولهذا تستخدم الولايات المتحدة البرنامج النووي كحجة وهميّة لتطويق إيران لمنع استكمال خط أنابيب الغاز الأرضي بين إيران والصين عبر باكستان.
أخيرًا، فيما يتعلق بلبنان، هناك سيناريو سيء للغاية للشعب اللبناني، وهو أن الولايات المتحدة تريد أن يبقى حزب الله قوة مهيمنة في لبنان، فقط إسرائيل لا تريد ذلك، فهي تدرك أهمية حزب الله بالنسبة لإيران حتى أنه يتفوّق أهميّة على الحرس الثوري، فهو مَكَّن إيران من حمل راية فلسطين وما تدرّ هذه الراية من أرباح أيديولوجيّة على حاملها تروّض بها شعوبها وما أمكن من شعوب المنطقة في طريقها نحو تنفيذ مخطّطاتها... بحيث في كل مرة تريد الولايات المتحدة أي تنازل من إيران في الملف الصيني، تقوم بمحاصرة الشعب اللبناني اقتصاديّا لتفجير الثورات في وجه حزب الله الورقة الأقوى في يد إيران. بهذه الطريقة تضمن الولايات المتحدة أن إيران لن تدعم الصين، ثم تطلق بعض الدولارات للشعب اللبناني لإخماد الثورات، وستكرّر أمريكا العمليّة في كل مرة تحتاج فيها إلى تنازلات من إيران ...
منذ أن أعلن وزير الدفاع الأمريكي في عام 2000 أن التهديد من الصين هو الأكبر والأكثر خطورة عبر تاريخ الولايات المتحدة، فهذا يعني أن كل ما يحدث في جميع أنحاء العالم، يجب تحليله تحت هذا العنوان، لأنه من المستحيل أن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية للصين ان تدفعها جانبا لتحكم العالم دون اتّخاذ إجراءات مقابل ذلك وهي التي لم يستكِن لها ساكن قبل أن فكّكت الإتحاد السوفياتي وشغلت العالم على مدى عقود بالحرب الباردة.
إنّ "الخطة العميقة" الأمريكية التي تستمر لعشرات السنين، بحيث تُقَسّم إلى خطط لأربع سنوات، حيث يلتزم كل رئيس بتنفيذ الجزء المرتبط بولايته، دون معرفة الخطة كاملة.
هذه الخطة هي التي تختار رئيس أمريكا، عن طريق فتح ملف الخصم وتسريبه للإعلام قبل الانتخابات بأسابيع قليلة، بحيث تتناسب شخصيّته مع الجزء المطلوب تنفيذه. على سبيل المثال، يقوم الجزء الأول من الخطة على تصنيع داعش، وتسليم السلطة للإخوان المسلمين، بهدف جذب روسيا إلى الشرق الأوسط وربطها به بشكل دائم، لذا فإن الرئيس أوباما كان الأنسب لهذا الجزء، لأنه من أصول كينيّة وينتمي أخوه إلى الإخوان كما سُرِّب. الجزء الثاني من الخطة يقوم على الانسحاب الناعم من الشرق الأوسط، وتسليم مسؤوليّته إلى روسيا، لذا فإن شخصية الرئيس ترامب رجل الأعمال هي الأنسب لهذا الجزء. أما الآن يبدو أنّه سيتم إحياء داعش مرة أخرى، لأن الصين مستمرة باستفزاز أمريكا لسحب سلاح الدولار منها ما قد يُرتِّب عليها زَجّ الدول في محرقة الشرق الأوسط تحت عناوين مختلفة كحماية الأقليّات المسيحيّة في وجه الإسلام السياسي وتحت عناوين جيوبوليتيكية لكي تتمكن هي وحلفاؤها من الاستفراد بالصين، فهذا الجزء يتناسب مع الديمقراطي نظراً لتغلغل الإخوان في الحزب الديمقراطي في أمريكا.
.