احتضنت "عاصمة السلام" جنيف في اليوم الثامن من الحرب الإسرائيلية - الإيرانية أمس، مفاوضات فشلت في اعتراض صواريخ الحرب، جمعت وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع نظرائه في "الترويكا الأوروبّية"، أي بريطانيا وفرنسا وألمانيا، والاتحاد الأوروبي، في إطار محاولات "الفرصة الأخيرة" لاجتراح حلول دبلوماسية تنتشل منطقة الشرق الأوسط من فوهة بركان على شفير الانفجار. نسّق الأوروبّيون مع الأميركيين قبل محادثاتهم مع عراقجي، التي تخلّلها "توقف موَقت" للتشاور. الكرة باتت في ملعب طهران إن كانت ستسير بشروط واشنطن لإخماد نيران الحرب وعقد صفقة أو أنها ستكتفي بتقديم "تنازلات غير كافية"، وتاليًا فتح الباب أمام دخول أميركا الحرب، مع كلّ ما تحمله هذه الخطوة من مخاطر وتداعيات، في وقت تجهّز إسرائيل نفسها "لحملة طويلة" و"احتمالات عديدة"، كما جاء على لسان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، الذي دعا مواطنيه إلى الاستعداد "لأيام صعبة".
وكما كان متوقعًا، لم تسفر "مفاوضات جنيف" عن أي خرق يُذكر، لكنها استعادت، ولو شكليًا، المسار الدبلوماسي الذي كان قد عُلّق بعدما ذهبت "الجولة السادسة" بين واشنطن وطهران أدراج الرياح بفِعل شنّ إسرائيل هجومها المباغت على إيران فجر 13 حزيران. يؤدّي الأوروبّيون دورًا دبلوماسيًّا معقدًا، بينما تتبادل إسرائيل وإيران الضربات القاسية. أبقت المواقف الأوروبّية "المحادثات الجادة" مع طهران "مفتوحة"، وحضّت الأخيرة على التفاوض مع واشنطن من دون انتظار وقف لإطلاق النار، علماً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتبر أنه من الصعب مطالبة إسرائيل بوقف الضربات الجوية، مؤكدًا أنه لا يمكنه حسم القرار في شأن إيران الآن، لكنه رأى أن مدّة الأسبوعَين هي الحد الأقصى لرؤية ما إذا كان الإيرانيون سيعودون إلى رشدهم أم لا. وأبدى عدم تفاؤله بقدرة الأوروبّيين على المساعدة في هذه الحرب.
لكن عراقجي كان قد رفض التفاوض مع أميركا طالما أن العملية الإسرائيلية ضدّ إيران مستمرّة، فيما لا تزال طهران تتمسّك بحقها في تخصيب اليورانيوم، وهنا تكمن "عين المعضلة" مع واشنطن. يُدرك الأوروبّيون أن المعني الأساسي بالتفاوض هو الجانب الأميركي، الذي يرفض الإيراني الجلوس معه، حتى اللحظة، أو حتى تقديم تنازلات فعلية. لذا، يبدو أن التعقيدات القائمة ما زالت أقوى من الحلول المقترحة. وبعد محادثاته مع نظرائه الأوروبّيين، أبدى عراقجي تأييد طهران استمرار المحادثات مع "الترويكا" واستعدادها للقاء مجدّدًا في المستقبل القريب، لكنه حسم بشكل قاطع أن قدرات إيران الدفاعية غير قابلة للتفاوض.
ونقلت شبكة "سي أن أن" عن الرئاسة الإيرانية أنه "إذا تورّطت أميركا في الحرب، فهناك خيارات عديدة مطروحة"، لكنها أوضحت أنه "يمكن استئناف الدبلوماسية بسهولة إذا أمر ترامب بوقف الهجوم"، وهذا يؤكد تصلّب موقف طهران التي نفت حصول تواصل بين عراقجي والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، في وقت فرضت فيه الخزانة الأميركية عقوبات جديدة متصلة بإيران شملت ثمانية كيانات وسفينة وشخصًا بسبب دورهم في توفير معدّات حساسة لصناعة الدفاع الإيرانية، كما فرضت عقوبات متعلّقة بمكافحة الإرهاب تستهدف الحوثيين.
إسرائيليًّا، كرّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن "هدفنا تدمير برنامج إيران النووي ولدينا القدرات اللازمة"، كما حرص على الإشادة بالرئيس الأميركي، معتبراً أن "ترامب قائد عظيم ونشكره على مساعدتنا". بدوره، رأى وزير الخارجية جدعون ساعر أن "الثمن الذي ندفعه الآن أقل مِمّا كنا سندفعه لو انتظرنا حصول إيران على سلاح نووي"، فيما أصدر وزير الدفاع يسرائيل كاتس تعليمات للجيش الإسرائيلي بتكثيف هجماته داخل إيران، مع التركيز بشكل متزايد على الأهداف المرتبطة بالنظام في طهران، موضحًا أن الهدف من ذلك هو زعزعة استقرار النظام.
في الأثناء، سقطت عدة صواريخ إيرانية على حيفا شمالًا، حيث تضرّرت كنيسة السيدة العذراء و"المسجد الكبير"، وعلى منطقة غوش دان التي تضمّ تل أبيب في الوسط، وفي بئر السبع جنوبًا، ما أسفر عن 21 إصابة. وكشف رئيس بلدية حيفا أن القصف استهدف "موقعَين إستراتيجيَّين"، بينما أفاد "الحرس الثوري" بأن هذه كانت الموجة الـ17 من عملية "الوعد الصادق 3"، وقد تضمّنت قصفًا مركّبًا بالصواريخ بعيدة المدى والثقيلة جدًّا، مشيرًا إلى أنه استهدف "مواقع عسكرية وصناعات حربية وقاعدتي نيفاتيم وحتسريم". وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلًا عن مسؤول أميركي بأن إسرائيل تخاطر باستنفاد مخزونها من صواريخ "آرو 3" إذا واصلت إيران إطلاق صواريخ، لكنه حسم أن "مدمّراتنا على مقربة كافية من إسرائيل ما يسمح لها باعتراض صواريخ إيران". بالتوازي، وصلت مدمّرة أميركية إضافية إلى شرق المتوسط لتنضمّ إلى ثلاث مدمّرات أخرى في المنطقة ومدمّرتين في البحر الأحمر.
في المقابل، استهدف الجيش الإسرائيلي مجموعة من الأهداف في أصفهان وطهران شملت مواقع صناعية لإنتاج الصواريخ ومعدّاتها ومواقع لإنتاج مواد خام لصب محرّكات الصواريخ، فضلًا عن أنظمة صاروخية ورادارات. وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنه "خلال ليل الخميس - الجمعة، جرى اغتيال عالم نووي إيراني آخر، على ما يبدو مع اثنين من مساعديه"، مشيرة إلى أن "هذا يعني أن إسرائيل هاجمت عالمَين نوويَّين في طهران خلال ساعات قليلة، ولا تزال نتائج الهجوم الثاني قيد التحقيق". كما استُهدِف مقرّ قيادة "سيباند" المخصّص لبحث وتطوير تكنولوجيا ووسائل قتالية متقدّمة "لمصلحة القدرات العسكرية للنظام الإيراني"، وفق تل أبيب.
ومع توالي الاستهدافات التي تطال منشآت نووية، أوضح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل غروسي من مجلس الأمن أنه قد تكون تبعات استهداف محطة بوشهر النووية "الأشدّ خطورة"، محذراً من أن "الهجوم المسلّح على المنشآت النووية... قد يؤدّي إلى انبعاثات إشعاعية ذات عواقب وخيمة داخل حدود الدولة التي تتعرّض للهجوم وخارجها"، في حين كان معبّرًا إعراب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قلقه من أن العالم يتجه نحو حرب عالمية ثالثة.