الحرب الإسرائيلية على إيران وتداعياتها- بقلم رضوان السيد

  • شارك هذا الخبر
Friday, June 20, 2025

طوال عقود كان خبراء العلاقات الدولية يعتبرون أنّ سياسات الولايات المتحدة تجاه إيران هي سياسات احتواءٍ واستيعاب Containment، وكان هناك خلافٌ بين الأساتذة الأميركيين على فوائد تلك السياسات، وهل هي لصالح أميركا أم إيران أم الطرفين معاً؟ شهدت نقاشاً بين أربعةٍ منهم في شتاء عام 2007 بجامعة هارفارد (مدرسة كينيدي لنظم الحكم) عندما كنت أستاذاً زائراً بمركز دراسات الشرق الأوسط بالجامعة. فقد رأت ثيدا سكوكبول في محاضرةٍ عن سياسات الولايات المتحدة تجاه روسيا أن تلك السياسات الجافية مضرة، في حين قد تكون سياسات الاحتواء تجاه إيران مفيدة للطرفين: تنتقم من العرب وتجتذب إيران لتكون أكثر إيجابية! وخالفها جون ميرشهايمر؛ فقد خرب العراق وستخرج منه الجيوش وتبقى فيه إيران وميليشياتها وحرسها الثوري، وكيف تستفيد الولايات المتحدة من التغلغل الإيراني والتركي بسورية، والإيراني بلبنان؟ أما جوزيف ناي (صاحب مصطلح القوة الناعمة - توفي قبل أسابيع)، فقال إنّ العمليات لا تزال جارية ولا يمكن الحكم بعد، لكن على الأميركيين إصلاح العلاقات مع عرب الخليج لأنهم وهم حلفاء أميركا يشعرون بالتهديد من إيران(!). أما الرابع الذي لا أذكر اسمه، فقد رفع صوته محتجاً على ناي وعلى سكوكبول: أي عمليات لا تزال جارية؟ منذ عقدين، وقبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وبعدها تستميت الولايات المتحدة في إرضاء إيران بأي ثمن، ويفيد الإيرانيون من ذلك بالابتزاز!

حتى بعد خروج أميركا من الاتفاق النووي في فترة الرئيس ترمب الأولى، كنت لا أزال أعتقد أن سياسات الاحتواء تجاه إيران لا تزال مستمرة. وفي فترته الحالية ما بدا أنّ ترمب يميل للقطيعة وأعطى لإيران فرصة شهرين للتفاوض، وما طالب بتفكيك البرنامج النووي، بل بوقف التخصيب. لكنّ الوضع تغير تماماً خلال أيامٍ قليلة بسبب ما حققته إسرائيل في هجومها على إيران من إنجازات. الإسرائيليون يطالبون ترمب بمساعدتهم لإكمال العملية بالطائرات والصواريخ الأقوى، وهو يطالب إيران بإنهاء برنامجها النووي تماماً وليس وقف التخصيب وحسب! للمرة الأولى ما عاد ترمب يبذل جهداً في الاحتواء والاستيعاب وقد يسهم مع إسرائيل في الضرب، ويريد مع إسرائيل أيضاً تدمير إمكانات إيران في إنتاج الصواريخ الباليستية!

هناك ضغوطٌ بالطبع على نتنياهو ومعظمها داخلي، وضغوطٌ على ترمب ومنها الخارجي والداخلي لوقف الحرب. الغربيون معظمهم مع إسرائيل، لكنهم يعرفون أن النووي ليس تخصيباً فقط، بل هو قرار سياسي واستراتيجي. ولذلك؛ فالأوروبيون والعرب والروس والأتراك يطالبون ترمب بالأمر بوقف الحرب والمصير إلى المفاوضات حول النووي وغير النووي. وترمب يريد ذلك، لكن نتنياهو ما تأكد من الانتصار بعد، وترمب لا يقول حتى الآن إن كان يريد مساعدته في ذلك أم لا.

لقد مضت على نتنياهو قرابة السنتين وهو يجرجر وراءه القرار الأميركي والقرار الأوروبي، وساعة يقول إنه يريد تغيير وجه الشرق الأوسط، وساعة يقول إنه يغيّر العالم(!). لقد شنت إسرائيل أيام نتنياهو وبدءاً بـ7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 حروباً عدة وليست حرباً واحدة. ضربت غزة وهدّمتها وهجَّرت ناسها وقتلت أطفالها، وضربت لبنان ولا تزال باسم ضرب «حزب الله»، وضربت سورية من دون عنوان ولا تزال، وضربت إيران بالاغتيالات وبالطائرات والآن تشنُّ حرباً عليها مضى عليها أسبوع. وترمب الذي كان يريد التفاوض مع إيران يقول الآن إنه فات الأوان. أما الأوروبيون غير المسرورين بجبروت نتنياهو، فهم يعلنون تأييدهم لإسرائيل في الخلاص من النووي والباليستي: هل هم يترددون أمام ترمب أم أمام نتنياهو؟ أمام هذا وذاك، لكنّ الأعمق أنهم لا يقبلون أن يتعرض أمن إسرائيل أو وجودها للخطر وهم يتذكّرون مسؤولياتهم في الهولوكوست وما قبل وما بعد!

لدينا الوقائع للهول الإسرائيلي الذي أحدث اختلالاً في أمن المنطقة وتوازناتها يشبه الاختلال الذي أحدثه الإيرانيون بالداخل العربي خلال ثلاثة عقود. بيد أنّ هذا الاختلال لن ينتهي بتوقف الهجوم الإسرائيلي على إيران. بل هناك قضية غزة المستمرة والمتعاظمة. وهناك قضية «حزب الله» بلبنان والجميع يريد نزع سلاحه، لكنّ ذلك لن يحصل وتستمر الهجمات والتوترات. والإسرائيليون مصرّون على تهديد الاستقرار بسورية. وعيونهم حمراء على مصر. والإيرانيون يفتشون في أوراقهم إذا ازداد ضيقهم: الخروج من اتفاقية منع الانتشار النووي، وسد مضيق هرمز، والهجوم على القواعد الأميركية أو تحريض ميليشياتهم... وكلها أهوالٌ وتداعيات تزيد من مشكلاتهم الداخلية ومشكلاتهم مع العالم.

إيران الوطن والدولة، ونظام الحكم، والنووي مثلث لا تساوي بين أطرافه فما هو تقدير أهل النظام وخياراتهم؟!