الحرب الإسرائيلية- الإيرانية: أيّ مصير ينتظر لبنان؟- بقلم غادة حلاوي

  • شارك هذا الخبر
Friday, June 20, 2025

يتعمّد حزب الله اتباع سياسة "الغموض البنّاء" في هذه المرحلة الصعبة، بل الخطيرة، التي يمرّ بها لبنان ارتباطاً بالحرب الإسرائيلية على إيران.
يتجنّب الحديث عن احتمالات انخراطه في الحرب من عدمها، ولا يريد تقديم خدمة مجانية لإسرائيل؛ لذا يقلّل من ظهور نوابه ومسؤوليه في الإعلام قدر المستطاع، مترقّباً تطوّر الأحداث المتسارعة في سياق تلك الحرب.
السيناريوهات عديدة، وجميعها تتقاطع حول نتائج لا تُحمَد عقباها. منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على إيران، لم يخرج حزب الله عن دائرة مواقف الشجب والإدانة، باستثناء بيانه الأخير الذي أعقب تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي، إذ اعتبر الحزب أن "التهديد بالقتل حماقة وتهور ستكون له عواقب وخيمة".

ولا شكّ أن تطوّراً كهذا ستكون له تداعيات جسيمة لاحقاً. وإذا كانت الحرب، بالمفهوم العسكري، لم تستدعِ بعدُ تدخّل حلفاء إيران، فإن التهديد الإسرائيلي باغتيال السيد خامنئي يمثّل عنصراً آخر مختلفاً تماماً.
قد يقول قائل إن اغتيال المرشد قد يمرّ كما مرّت اغتيالات قادة سابقين، كان آخرهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. لكنّ المقاربة هنا مختلفة.
فالمرشد الأعلى يتمتّع بمكانة دينية وسياسية استثنائية؛ هو مرجع ديني وفقيه يتبعه الملايين في أنحاء العالم الإسلامي، ولحديثه وقع ديني يمثّل فتوى ملزمة لأتباعه.
أما سياسياً، فله دور محوري في إيران وفي الدول الحليفة لها، من العراق إلى اليمن، مروراً بالبحرين والخليج، وصولاً إلى لبنان.

نتحدّث هنا عن ملايين قد يفقدون السيطرة على انفعالاتهم وردود أفعالهم، فكيف بالأحزاب والتيارات المرتبطة به؟
من ثمّ، يمكن القول إن تنفيذ إسرائيل تهديدها باغتيال المرشد الأعلى، قد يُحدِث زلزالاً في المنطقة ويُخرج الأوضاع عن السيطرة.

ولا مبالغة في القول إنّ تنفيذ أميركا أو إسرائيل لمثل هذا التهديد، قد يفتح الباب أمام حرب شاملة تهدّد المصالح الأميركية في العالم بأسره.

وفي دليل قاطع على خطورة الموقف الناجم عن تهديدات إسرائيل باغتيال السيد خامنئي، أصدر الأمين العام لحزب الله بياناً شاجباً، تضمَّن تهديداً واضحاً وصريحاً، مفاده أن حزب الله سيغادر "حياده" الميداني، في حال أقدمت إسرائيل على تنفيذ تهديدها.

وفي تفسير هذا الموقف، يضع حزب الله البيان في سياق التنبيه إلى خطورة إقدام إسرائيل على تنفيذ تهديداتها. فعندما يكون الأمر متصلاً بشخص الولي الفقيه، فإن الحزب سيعيد حساباته وتموضعه. ولعل الحزب تعمَّد إصدار موقف أمينه العام في بيان مكتوب، ليضع الرسالة في إطارها المرتبط بتهديد يمس السيد خامنئي. إذ سبق للحزب أن ندَّد بالحرب الإسرائيلية على إيران، لكنه ـ من خلال بيان أمينه العام ـ يهدد صراحةً بالتخلي عن حياده، ليكون طرفاً مباشراً في الحرب إلى جانب إيران.

لا مؤشرات مطمئنة
في ضوء الحرب الدائرة، لا تلوح في الأفق مؤشرات مطمئنة. تشير التقديرات إلى حرب طويلة الأمد، تُحسم بناءً على "من يصرخ أولاً".

لكنّها ليست حرباً عسكرية بحتة؛ بل تحمل في طياتها بُعداً عقائدياً.
ليس من السهل التسليم بسقوط إيران؛ فذلك يعني سقوط محور بأكمله، يضم حزب الله. صحيح أن هذا المحور أصيب في الصميم، لكنه لا يزال قائماً، ودوله لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء تمدّد النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.

أما في لبنان، فالعيون تترقّب تحرّكات حزب الله خشية انخراطه في حرب إسناد جديدة قد تقضي على ما تبقّى منه. وقد أفضى تبادل الرسائل بين الحزب والمسؤولين اللبنانيين إلى تطمينات مبدئية بأن الحزب لا ينوي الدخول في الحرب، لأسباب عدة؛
أهمّها أن طهران لم تطلب منه ذلك، وربما لن تطلب. مع ذلك، الحزب ليس معنياً بتقديم تطمينات علنية أو إثارة المزيد من القلق.

لكن، بغضّ النظر عن موقف الحزب، فإنّ الوقائع تشير إلى أن إسرائيل لن توفره في سياق حربها على إيران. فمنذ الأيام الأولى للحرب، تلقّى الحزب رسالة، عبر قيادة الجيش اللبناني، أبلغتها جهات أميركية نقلاً عن إسرائيل، مفادها أن أي تدخل من جانب حزب الله سيستدعي استئناف الحرب على لبنان من حيث توقفت.

يتعاطى حزب الله بعقلانية مع تطورات الحرب الإسرائيلية على إيران؛ فلا يطمئن العدو ولا يمنحه ذرائع إضافية للعدوان. لكن في الأساس، الحرب الإسرائيلية على لبنان لم تنتهِ بعد؛ فالاحتلال مستمر، والاعتداءات متواصلة، وهناك ما يزيد على 160 شهيداً للحزب منذ نهاية الحرب الأخيرة.
الاتفاق الذي أُبرم لم يُنهِ الحرب ولم يردع إسرائيل. وبالتالي، إسرائيل ليست بحاجة إلى ذرائع جديدة للعدوان، وكل المؤشرات تفيد بأنها تضع في حساباتها احتمال استئناف الحرب على لبنان، بغضّ النظر عن تطورات الحرب مع إيران.

السيناريوهات المتوقعة
ومن بين السيناريوهات المتوقعة، أنه وفي حال رجحت كفّة الحرب لصالح إسرائيل، فمن المؤكّد أنها ستستكمل حربها ضد حزب الله في لبنان؛ حينها ستكون النتيجة مختلفة عن حرب عام 2006، حيث كانت سوريا حليفاً مباشراً ساهم بدور حاسم في انتصار حزب الله.

أما اليوم، فقد تغيّر الوضع؛ سوريا انتقلت إلى موقع آخر، بينما تخوض إيران حرباً كونية عليها.

السيناريو الثاني أنه وحتى في حال خسارة إسرائيل للحرب، فإن ذلك قد يدفعها إلى محاولة تعويض الخسارة عبر ضربات سريعة أو اجتياح في لبنان.

وإلى أن تتّضح معالم الحرب الجارية، من غير المرجّح أن يُبادر حزب الله إلى خلق ذرائع لإسرائيل. اتصالاته لا تزال قائمة مع قيادة الجيش اللبناني ورئاسة الجمهورية،
وقد أُبلِغ بأن طهران لم تطلب منه تدخّلاً، ولا تحتاج إلى مؤازرته.
أما التصريحات الإيرانية التي تحدثت عن تدخل الحزب، فهي لم تستند إلى معطيات دقيقة، ولا تعكس حقيقة الموقف. وفي كل الأحوال، النفي أو التأكيد العلني قد يُعَدّ خدمة مجانية لإسرائيل.

يبقى أن انخراط حزب الله في الحرب تحكمه عوامل عدّة: اجتماعية، اقتصادية، عسكرية، وجغرافية. لكنّ المحاذير القديمة، في ما يخصّ ضرب إسرائيل، لم تعد قائمة.

خلاصة القول: حزب الله لن يُبادر ولن يقدّم ذرائع للعدو؛ لكن هل سيكتفي بموقف المتفرّج إزاء استهدافاته المتكررة؟ وماذا لو شهدت إيران تطوراً دراماتيكياً وبات وجودها مهدداً؟