الجزائر تُعدّ قانونا جديدا لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب

  • شارك هذا الخبر
Thursday, June 19, 2025

تعتزم الحكومة الجزائرية تعزيز ترسانتها القانونية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، في خطوة جديدة تهدف إلى الاستجابة لتوصيات مجموعة العمل المالي الدولية “غافي” (GAFI) والخروج في أقرب الآجال من القائمة الرمادية التي وُضعت فيها منذ تشرين الثاني/أكتوبر 2024، بالإضافة إلى تجنب تبعات القرار الأوروبي الأخير بوضع البلاد ضمن الدول ذات المخاطر العليا في هذا المجال.

وضمن هذا المنحى، ترأس الوزير الأول نذير العرباوي اجتماعًا للحكومة خُصص جزء منه لدراسة مسودة قانون جديد يُعدّ بمثابة تعديل وتتميم للقانون رقم 05-01 المؤرخ في 6 شباط/فبراير 2005، والمتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما.

ويُعد النص الجديد جزءًا من مسعى دائم لتكييف الإطار التشريعي الوطني مع الالتزامات الدولية للجزائر، لا سيما تلك المنبثقة عن توصيات “غافي”. ويهدف مشروع القانون إلى تعزيز الآليات القانونية لمكافحة هذه الجرائم، وتحيينها بما يتلاءم مع التطورات الحديثة التي تعرفها أساليب تبييض الأموال والتمويل غير المشروع.

وجاء هذا التطور في وقت تسعى فيه الجزائر إلى تقديم تقرير شامل قبل نهاية شهر حزيران/يونيو الجاري إلى مجموعة “غافي”، يتضمن الإجراءات المتخذة والتدابير الرقابية المنفذة على مستوى المؤسسات المالية والقطاعات الحساسة، وهو التزام ضروري للبقاء ضمن مسار المتابعة التقنية المطلوب من الدول الخاضعة للمراقبة المعززة.

وكانت الجزائر في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2024، قد أدرجت ضمن “القائمة الرمادية” لدى غافي، والتي تعني أن بها نقائص استراتيجية في نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لكنها ملتزمة بإصلاحها بالتعاون مع غافي. وألقت “غافي” الضوء على عدة ثغرات، منها ضعف الرقابة على المؤسسات المالية غير المصرفية، غياب شفافية مصلحة المستفيدين الفعليين للشركات، تدنّي فعالية التبليغ عن المعاملات المشبوهة، بالإضافة إلى قصور في تنفيذ العقوبات المالية ضد تمويل الإرهاب.

وفي شباط/فبراير وآذار/مارس 2025، قدّمت غافي عدة تقارير متابعة تفيد بأن الجزائر أحرزت تقدمًا تقنيًّا في معالجة بعض النقائص الناجمة عن تقرير التقييم المتبادل الذي أُجري في عام 2023، لكنها لم تُخرج بعد كافة التقارير الفنية المتعلقة بإصلاح النظام التشريعي والتنفيذي.

ويتزامن ذلك، مع إلحاق الاتحاد الأوروبي للجزائر في 10 حزيران/يونيو 2025، بقائمة “الدول عالية المخاطر” بموجب توجيهاته لمكافحة غسل الأموال، إلى جانب دول مثل أنغولا وساحل العاج وكينيا ولبنان وناميبيا وفنزويلا وموناكو وغيرها. ومن المنتظر أن يدخل هذا التعديل حيّز التنفيذ بعد مرور مهلة الاعتراض من قِبل البرلمان الأوروبي ودول أعضاء الاتحاد، والتي تمتد شهرًا أو بحد أقصى شهرين إضافيين، وفقًا للإجراءات القانونية المنصوص عليها.

ويعني هذا الإدراج أن المؤسسات المالية في دول الاتحاد ملزمة بتطبيق “يقظة مفرطة” تجاه المعاملات التي تشمل الجزائر، ما يرفع من كلفة التعاملات ويزيد من الرقابة على التدفقات المالية القادمة منها أو إليها. كما أن الجزائر قد تواجه تباطؤًا في وصول الاستثمارات الأوروبية، وقيودًا محتملة على التمويلات سواء الحكومية أو الخاصة، في حال لم تتمكن من معالجة النواقص المحددة.

وبدا التصنيف الأوروبي مفاجئا ومحل تشكيك في غاياته وأهدافه من قبل أوساط جزائرية خاصة في هذا التوقيت، حيث لم يتردد عدد من النواب الأوروبيين في الدعوة لفرض عقوبات على الجزائر، من أجل الضغط عليها للإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال (يحمل الجنسية الفرنسية) المتهم بالمساس بالوحدة الوطنية في الجزائر. وظهرت مثل هذه الدعوات في لائحة اعتمدها البرلمان الأوروبي طُلب فيها من المفوضية الأوروبية استعمال أدوات ضغط ضد الجزائر.

وتحاول الجزائر منذ سنوات التكيف مع التشريعات الدولية ذات الصلة. وفي آخر قرارتها، أدرجت منذ الفاتح من كانون الثاني/يناير 2025 عدة تدابير ردعية ضمن قانون المالية (الموازنة العامة)، تشمل حظر الدفع نقدًا في المعاملات العقارية، وفرض التأمين الإجباري على شراء المركبات واليخوت الجديدة، بغض النظر عن قيمتها، وهي خطوة ترمي إلى تقليص الاقتصاد الموازي والمعاملات خارج البنوك.

كما شنت السلطات الأمنية، خلال الأشهر الأخيرة، حملات مكثفة ضد شبكات تهريب المخدرات وتبييض الأموال، أسفرت عن توقيف عشرات الأشخاص ومصادرة مبالغ مالية ضخمة، غالبا ما يتم تبييضها في معاملات عقارية تتم خارج البنوك، عبر عقود عند الموثقين، وهو ما بات غير ممكن اليوم مع إلزام غرفة الموثقين بعدم إبرام عقود إلا بوجود تعامل مالي عبر القنوات الرسمية.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أصدر تعليمات واضحة خلال اجتماع لمجلس الوزراء في أيار/مايو الماضي، دعا فيها الحكومة إلى التطبيق الصارم لتوصيات “غافي”، مؤكدًا على أن الجزائر حققت في السنوات الأخيرة نتائج إيجابية في مجال الشفافية المالية. وترى السلطات الجزائرية أن هذه الإصلاحات ليست فقط استجابة للمعايير الدولية، بل إنها ضرورة وطنية لحماية الاقتصاد الوطني وتعزيز الثقة في النظام المالي، خاصة في ظل ارتفاع التحديات المرتبطة بالتمويل غير المشروع وتهديداته للأمن الاقتصادي للبلاد.

وكانت الجزائر سنة 2022 قد اعتمدت قانون الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، والذي ألزم المؤسسات المالية، بوضع “برامج وتدابير تطبيقية تعتمد على النهج القائم على المخاطر لمكافحة هذه الجرائم وتكليف هيئات الرقابة والإشراف بمتابعة تنفيذها”.

وشدد القانون على “ضرورة اتخاذ الجمعيات والمنظمات غير الربحية قواعد التصرف الحذر، لاسيما الامتناع عن قبول التبرعات والمساعدات المالية مجهولة المصدر أو المتأتية من أعمال غير مشروعة أو من أشخاص أو تنظيمات أو هياكل ثبت تورطهم داخل تراب الجمهورية أو خارجه في أنشطة لها علاقة بالجرائم الإرهابية وكذا الامتناع عن قبول أي مبالغ مالية نقدية دون رخصة من الوزارة المختصة”.

كما ألزم مشروع القانون بإبلاغ الهيئة المتخصصة (خلية معالجة الاستعلام المالي) بكل عملية يشتبه بأنها تتعلق بأموال متحصل عليها من جريمة أصلية أو مرتبطة بتبييض الأموال أو لها علاقة بتمويل الإرهاب أو تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل”.

ونص المشروع من جانب آخر على “توسيع مجال التعاون الدولي في كل ما يتعلق بطلبات التحقيق والإنابات القضائية الدولية وتسليم الأشخاص المطلوبين وكذا بين الهيئة المتخصصة الجزائرية وهيئات الدول الأخرى التي تمارس مهام مماثلة مع مراعاة المعاملة بالمثل”.

كما قضى ب”مصادرة الأموال حتى في حالة غياب حكم بالإدانة إذا كانت تشكل عائدات ناتجة عن ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وبتنفيذ الطلبات الصادرة عن دولة أجنبية والرامية لمصادرة الأموال الناتجة عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون”.


القدس العربي