مؤتمر حلّ الدّولتين: تأجيلٌ لا إلغاء- بقلم محيي الدين الشحيمي

  • شارك هذا الخبر
Thursday, June 19, 2025

يسير العالم على ميقات نتنياهو. لا يكتفي بإطالة أمد الحروب، بل يحارب الفعّاليّات التي لا تعجبه، وقد كانت آخرتها وأبرزها مؤتمر حلّ الدولتين الذي تأجّل على الرغم من السعي الكبير للفرنسيّين والسعوديّين إلى إنجاحه. فما هو مصيره؟ وهل أُجِّل؟ أو هل انتهى؟

وقعت فرنسا في خبث النوايا الإسرائيلية، كما علقت أميركا من قبلها في باطنيّة المقاصد الإيرانية. كانت أميركا قد سقطت في شباك المخطّط الإيراني على إثر حرب أكتوبر الثانية، الهادفة إلى عرقلة سلسلة الاتّفاقات الإبراهيمية، فيما عرقلت إسرائيل جهود كلّ من السعودية وفرنسا من أجل حلّ الدولتين، وطيّرت موعد انعقاد المؤتمر.

اعتزمت الإدارة الفرنسية في هذه الفعّالية الاعتراف بالدولة الفلسطينية. إنّها المبادرة التي أرجأتها منذ شهر كانون الأوّل في عام 2014، تاريخ تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية على قرار يدعو حكومة الإليزيه إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

تحدّث مصدر فرنسي وزاري لـ”أساس” عن محاولة الإدارة الفرنسية الاستفادة التقنيّة من الدروس السابقة، إذ لا تريد الاستمرار في التجارب الماضية، لا سيما تلك التي قادت إلى الفشل. لذا تتجنّب الوقوع في فخّ الإخفاقات من جديد في جميع مسوّدات الاتّفاقات اللاحقة، وأبرزها مؤتمر حلّ الدولتين، وذلك من خلال:

إمكان حلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني استناداً إلى اتّفاق أوسلو.
التأكيد أنّ حلّ الدولتين يعني أنّ كلّ دولة يجب أن تكون وطناً شرعيّاً لشعبها.

حل الدولتين قبل إعمار الجنوب؟

تعترف الإدارة الفرنسية أنّ احتمال تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد أضحى أصعب في السنوات الثلاثين الآفلة التي ترسّخت فيها ثقافة العنف لدى كلّ الأطراف. لذا تشدّد الإدارة الفرنسية في تعاونها مع حلفائها، وفي مقدَّمهم المملكة العربية السعودية، على تحصين فكرة حلّ الدولتين، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الواقع الجديد، الذي أوجدته المخالفات الإسرائيلية والحروب الدائرة والفروقات الحاصلة بسبب بناء المستوطنات والطرق الالتفافيّة والجدار العازل والتطرّف، بالإضافة إلى تقويض فكرة إقامة كيان فلسطيني موحّد نتيجة استمرار الفصل بين الضفّة الغربية وقطاع غزّة.

جمّدت الضربة الإسرائيلية الاستباقية المباشرة والتاريخية للداخل الإيراني مفاعيل المؤتمر بشكل مؤقّت. انه تأجيل تقنيّ وبراغماتيّ، وليس إلغاءً كلّيّاً. وقد جاء لاعتبارات تتعلّق بالوضع الراهن في المنطقة والعالم بعد الحرب الإسرائيلية – الإيرانية، وما نتج عنه من ارتباك سياسي كبير لا يخدم المؤتمر، وهذا ما تريده إسرائيل تماماً عبر تفتيت أيّ فرصة من شأنها أن تؤدّي إلى حلّ الدولتين.

تتشاور الإدارة الفرنسية حاليّاً مع المملكة العربية السعودية لوضع روزنامة زمنيّة جديدة للمؤتمر، لكن لم يُعلَن حتّى الآن موعد انعقاده المرتقب والجديد. تؤكّد مصادر فرنسيّة رئاسية لـ”أساس” أنّ انعقاد المؤتمر سيتمّ في الوقت الملائم، وقد يكون قريباً جدّاً، ريثما تهدأ المواجهة الإقليمية بين تل أبيب وطهران، ويُعاد بالطبع التشاور مع الأفرقاء، مع ضرورة عدم السماح لأيّ تراجعات في الاعترافات المستقبلية بين الدول. وتشدّد المصادر على إمكان أن يتمّ عقده في فترة غير بعيدة، حتّى قبل مؤتمر إعادة الإعمار الخاصّ بلبنان.

تجميد مفاعيله لا إلغاؤه

يؤكّد أصحاب القرار أنّ هذا التأجيل هو تأجيل زمنيّ لا إلغائي ولا تجميديّ، على الرغم من كلّ الضغوط الأميركية والإسرائيلية، لكنّ الاهتمام في الحرب الدائرة تقدّم على كلّ الملفّات، ومنها القضيّة الفلسطينية. ولا تريد الإدارتان السعودية والفرنسية انعقاداً شكليّاً وظاهريّاً لهذا المؤتمر فقط. لذا كان التأجيل هو الأفضل للحفاظ على ملاءة هدفه وتسهيل انسيابيّة تمريره في ظروف واقعية مقبولة، سعياً إلى التحوّل من الأمر النظريّ إلى الحيثيّة العمليّة، إذ يتعلّق المؤتمر مباشرة بتبدّلات الوقائع الشرق الأوسطيّة، واستطراداً بكلّ معاركه السياسية والعسكرية.

لكن بعيداً من الأهمّية الكبيرة لهذا المؤتمر والأثر التاريخي للاعتراف بدولة فلسطين، الذي يعني الاعتراف بسيادتها، ما هو التأثير الملموس الذي قد يحدثه هذا الاعتراف على السياسة الدولية؟ وهل يُشكّل بداية الحلّ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟


أساس ميديا