حرب إسرائيل على إيران: سؤال النّهايات!- بقلم رضوان السيد
شارك هذا الخبر
Tuesday, June 17, 2025
ما كان نشوب الحرب بين إسرائيل وإيران مفاجئاً، فالجميع يعلم بالتهديدات الإسرائيلية. لكن لماذا قرّر ترامب المفاوض والكاره للحرب دعم الهجوم الإسرائيلي العدوانيّ؟
ينصح الصديق زياد عيتاني إيران بالاستسلام كما استسلم الخميني! لكنّ الوضع مختلف تماماً، فالخميني كان قادراً على التنازل، بينما لا يستطيع ذلك خامنئي وإن كان مكسوراً. ثمّ إنّ ردود أفعال الأُمم على التحدّيات لا يمكن حسابها بهذه البساطة. هذه “حماس” لم تستسلم بعد عامين، فكيف يمكن أن تستسلم إيران بهذه السهولة؟!
من يستفيد ومن يتضرّر من الحرب واستمرارها؟ وهل تستطيع أميركا التوسّط بعدما انساقت خلف نتنياهو؟ وإلى أين تسير المنطقة وسط الطغيان الإسرائيلي؟
يريد الصديق زياد عيتاني من الإيرانيين أو من خامنئي الاعتراف بالهزيمة كما فعل الخميني عام 1988 حين وافق على القرار الدولي رقم 598 بوقف الحرب، وقال يومها إنّه كمن يتجرّع السمّ (!). فلماذا لا يفعل خامنئي الشيء نفسه، وبخاصّةٍ أنّ شواهد خسارة وهزيمة إيران اليوم أوضح بكثير من شواهد حرب العراق – إيران (1980-1988)!
ما هي هذه الشواهد؟
المصيبة التي نزلت بـ”حماس” في حرب “طوفان الأقصى” المستمرّة. المصيبة التي نزلت بذراع إيران الرئيسي “الحزب” في حرب الإسناد الشهيرة. خسارة الساحة السوريّة بالكلّية. الاستمرار الضعيف لحرب الحوثيين وعدم جدواها. الهجمات المتبادلة السابقة بين إيران وإسرائيل، وقد كانت نتائج الضربات الإيرانية باهتة بعكس الضربات الإسرائيلية. الاختراق الكاسح من جانب الاستخبارات الإسرائيلية للساحة الإيرانية العسكرية والأمنيّة والنوويّة، ربّما أكثر من اختراقها لساحة “الحزب”! وقد بدا ذلك للمرّة العاشرة في الحرب الأخيرة، حين صُفّيت القيادتان العسكرية والنوويّة.
خامنئي ليس الخميني
إنّ كلّ هذه البنود لا يمكن نكرانها ولا الاستخفاف بها. وهي توصل إلى نتيجةٍ شبه مؤكّدة أنّ الهزيمة وقعت بالفعل بسبب التفوّق الإسرائيلي العسكري والأمنيّ، وبسبب الدعم الأميركي المنقطع النظير.
لكنّ الذي يريد الأخ زياد ترتيبه على هذه الوقائع لا يمكن الأخذ به في السياسة ولا في الاستراتيجية. فخامنئي ليس الخميني، وهو لا يملك سلطته الكاريزماتيّة، ولا شخصيّته الشاسعة التأثير والآفاق. ما بدا الخميني باعتباره أحد صنّاع الثورة، بل كان الثورة نفسها! ثمّ إنّ خامنئي لو أبدى أيّة إشارةٍ إلى اليأس أو الضعف لصار النظام مهدَّداً بالسقوط، خصوصاً بعد مقتل القادة. ثمّ إنّ “حماساً” استطاعت الصمود في وجه إسرائيل سنتين، وفي فترة كان عدد الجنود في غزّة ومن حولها يناهز ثلاثمئة ألف، وهكذا فقد تستطيع الدولة الإيرانية الصمود أشهراً أو أكثر، وهو الأمر الذي لا تستطيعه الدولة الصهيونية لاختلاف الظروف والتركيبات والترتيبات حتّى بمساعدة الولايات المتّحدة. والأميركيون الترامبيّون منقسمون اليوم في الكونغرس (مع بعض الديموقراطيين المعارضين) بشأن التدخّل أو عدم التدخّل، وهم يذكّرون بهزيمة أميركا في العراق وأفغانستان وسابقاً في فيتنام. والمرّة هذه هي بشأن حرب متبادلة بين إسرائيل (حبيبة أميركا) وإيران دولة الثورة والشيعة، وذات الإمكانات الهائلة.
إيران دولة غنيّة جدّاً بالبترول والغاز والمعادن النادرة، وهي تمتدّ على مساحة مئات آلاف الكيلومترات المربّعة ولها أنصارمحدودين بين الأقلّيات الشيعية في كلّ أنحاء العالم. وبسبب رفعها للراية الفلسطينية لها أنصار أيضاً بين الإسلامويّين السنّة.
صحيح أنّها تضايقت جدّاً من الحصار الأميركي، لكنّ النظام لم يسقط على الرغم من التمرّدات الداخلية والخارجية. وصحيح أنّ هناك معارضة داخلية قويّة ومقموعة منذ عام 2019، لكنّ في ظروف العدوان على البلاد الجميع يلتفّ حول النظام، وتظهر اعتبارات السيادة والاستقلال والعزّة القومية والدينية التي تأبى الاستسلام.
مشكلة إيران في قوّتها وفي ضعفها
فلنتوقّف عن تأمّلات الموقف اليائس أو البائس الذي تجد إيران نفسها فيه، إذ كلّما وجدت الدولة، أيّ دولة، نفسها في موقفٍ كهذا تتشبّث بالصمود، ولو لم تجد غير صاروخٍ واحدٍ تطلقه كلّ يوم.
النظام الإيراني الضعيف من يستفيد من وضعه؟ وهل يستفيد من ذلك العرب؟ حتّى وقتٍ قريبٍ كان العالم، ومنه الأميركيون والروس والصينيون والهنود.. والعرب، ينظر إلى المنطقة باعتبار أركانها الثلاثة: تركيا وإسرائيل وإيران. وطوال أربعين عاماً وأكثر كان الأميركيون مهمومين كيف يستطيعون اجتذاب إيران وإنهاء عنادها ضدّهم. وكانت إيران تصرّ على المعارضة وتستفيد من التحرّكات الأميركية والإسرائيلية مثلما حصل بأفغانستان والأوضح بالعراق. وقد استطاع الأتراك الاحتفاظ بالتوازُن وتدعيم المواقع والاحتفاظ بالحدّ الأدنى من العلاقات مع إسرائيل، والتدخّل في سورية وليبيا وآسيا الوسطى والقوقاز وحشر اليونان، وأخيراً صنع تقارب تدريجي في العلاقات مع العرب بعدما حاولوا حصارهم مثلما فعلت إيران: إيران بميليشياتها المذهبية والاستراتيجية المسلَّحة، وتركيا بالإخوان المسلمين الذين لجؤوا إليها. تركيا الآن في حالة جيّدة من الناحية الاستراتيجيّة والأميركيون والروس والأوروبيون جميعاً محتاجون إليها لأسبابٍ مختلفة.
لقد تحسّن الموقع التركي بشكلٍ عامّ، بل وتحسّن الموقف والموقع العربيّان. فقد سارت دول الخليج طوال عشر سنواتٍ في خططٍ تنموية هائلة جعلت عالمَي الشمال والجنوب بحاجةٍ إليها. وأخيراً صارت حليفاً استراتيجيّاً للولايات المتّحدة. وهي تدخّلت وتتدخّل لحلّ المشكلات في سورية ولبنان. وحتّى علاقاتها بإيران تشهد هدناتٍ وتحسُّناً بطيئاً لكن مستمرّاً. فهل تستفيد من التراجع الإيراني؟
لقد استفاد العرب بالفعل بتحرّر سورية من الميليشيات الإيرانية، وضعفها في لبنان وسقوط تهديداتها عن الأردن. أمّا بالنسبة لإيران فإنّ ضعفها لمصلحة إسرائيل ليس ممّا يفيد العرب ولا الأتراك. وذلك لأنّ هذا الاختلال الكبير لمصلحة إسرائيل يثير وسيثير الاضطراب كما كان يحصل أيّام الاختلال لمصلحة إيران في سورية والعراق ولبنان.. واليمن. مطالب إسرائيل لا تنفد، وهي تزداد تنكّراً للقضيّة الفلسطينية، وتميل لاستخدام العنف لأتفه الأسباب. هذا علاوة على الاضطراب الذي يمكن أن يحدث بالداخل الإيراني ويفيض على الجوار العربي والإسلامي. إيران القويّة أو المتظاهرة بالقوّة ما كانت خيراً لا على العرب ولا على فلسطين، وأمّا إيران الضعيفة فليست أقلّ ضرراً تجاه الجوار.
خطورة انتصار إسرائيل
لكنّ الأسوأ في كلّ الحالات هو التعاظُم الإسرائيلي المنقطع النظير، حتّى إنّ الكثيرين يظنّون أنّ ترامب يسير وراء نتنياهو وليس العكس. أنت تفاوض إيران، وتقول كلّ يوم: المفاوضات صعبة، إنّما لا يجوز استخدام القوّة ما دام التفاوض مستمرّاً! ثمّ تهاجم إسرائيل إيران قبل يومين من الموعد السادس للتفاوض، فتقول أيّها الرئيس العظيم أشياءَ متناقضة: كنّا نعلم بالهجوم ولم نشارك فيه، والهجوم ممتاز، وأعطينا إيران فرصة فلم يستغلّوها!
لماذا هاجم نتنياهو ولم يصبر على المفاوضات؟ لأنّه أراد القضاء على البرنامج النووي والمفاوضات لن تأتي بذلك. ولأنّ وكالة الطاقة أدانت إيران يوم الخميس فأعطته شرعيّة مزيدة. ولأنّ عنده مشكلات هائلة بالداخل وحتّى في غزّة، والهروب إلى الأمام خير سبيلٍ للنجاة. إنّما على الرغم من ذلك كلّه لماذا الاندفاع الأميركي وكأنّما كان ترامب يشارك في الخديعة والطمأنة، وكيف له وهو في هذا الموقف أن يستطيع التوسّط ويجزم بضرورة إنهاء الحرب التي بدأها نتنياهو بعلمه وموافقته وانحيازه؟! هناك من يقول إنّ غزّة قد تستفيد، لكن لا أدري كيف.
هي حربٌ لن تخمد بسهولة على الرغم من التفوّق الإسرائيلي والدعم الأميركي. وإذا اضطرّت إيران فقد تستطيع زيادة الضرر بالداخل الإسرائيلي. وقد تندفع لتحريض ميليشياتها من جديد، بل وقد تفكّر إذا تهدّدت كثيراً في إقفال مضيق هرمز.
هناك إمكاناتٌ لتخفيف التوتّر أو استيعابه لدى الأميركيين والروس والعرب والأتراك، وإنّما كيف يحصل ذلك؟ ومتى؟ النووي لا يمكن إنهاؤه تماماً عسكريّاً، بل لا بدّ من مفاوضات سياسية ودبلوماسية. وإيران الخميني مختلفة عن إيران خامنئي من حيث القدرة على الصبر والاستيعاب، بل لا بدّ من استمرار العناد أو التظاهر به أو يتهدّد النظام! ثمّ إنّ المنطقة لا تحتمل هذا الجبروت الإسرائيلي.