خاص- لبنان على أبواب العطش والجفاف: الدولة غائبة وخطط المواجهة مفقودة... خبيرة تحذّر! - تقلا صليبا

  • شارك هذا الخبر
Thursday, June 12, 2025

خاص الكلمة اونلاين
تقلا صليبا


شهِدَ لبنان خلال شتاء 2024-2025 كمية أمطار أقلّ من المعتاد، وعلت الصرخة حول الأخطار المحدقة للصيف القادم، وشحّ المياه الذي يتحضّر له الناس، عدا عن ارتفاع مخاطر الحرائق والجفاف وضرب الموسم الزراعي، لاسيما في بلدٍ لا يملك أي خطط مستقبلية في أي مجال حيوي، بل أسوأ من ذلك، فهو غير مستعدّ لمواجهة الأخطار والكوارث والمصاعب المتأتّية عن أي تبدّل مناخي أو كارثة طبيعية أو بشرية.

وعن هذه الأزمة المُنتظرة، تشرح المختصّة في علم المناخ وتلوّث الهواء، الدكتور سمر صقر، لموقع "الكلمة أونلاين"، التفاصيل العلميّة، وبعض الحلول المُقترحة، حيث تقول أن الأنماط التي استطاعوا تحليلها، بناءً على أرقام المتساقطات ودرجات الحرارة، من عام 1900 وصولًا إلى عام 2015، تُظهِر تدنّيًا بكميّة الأمطار، وارتفاعًا في درجات الحرارة، وهو الأمر الذي يُتوقّع أن يستمرّ وتشتدّ حدّته في السنوات القادمة.

التغيّرات المناخية والتبدّلات في العالم كلّه، تنطبق على منطقة المتوسّط ومن ضمنها لبنان، وهذه أزمة عالمية، تتعاطى معها الدول بأشكال مختلفة، حيث يحاول البعض التوصّل إلى حلول، فيما يتغاضى البعض الآخر ويستثمر لأهداف اقتصادية وسياسية مؤقّتة؛ وبالنسبة للنتائج فهي تختلف بين منطقة وأخرى، ففي لبنان مثلًا، سيواجه جبل لبنان الجفاف بشكل أقلّ حدّة من مناطق الجنوب والبقاع، حيث ستكون المتساقطات أقلّ بكثير، وسيزيد الجفاف بشكل ملحوظ.

على الصعيد المحلّي، تقول صقر، ان هذا الشحّ بالمياه، سيكون له تأثيرات على عدّة مجالات وقطاعات، فالكميّة المتساقطة هذه السنة، تكاد لا تكفي لتملأ خزانات المياه الجوفية، عدا عن انخفاض معدّلات الماء في البرك الزراعية، وبالرغم من كون المناخ المتوسّطي المتذبذب في لبنان، يسمح بوجود سنوات وفرة مقابل سنوات شحّ، إلا أن هذا العام بلغ مستويات قياسية، قد تضرب الموسم الزراعي، الذي بُني على زراعات تحتاج للريّ المتواصل، ولكميات كبيرة من المياه.

من هنا، تناشد صقر الدولة لرسم خطط مدروسة، تبدأ بالعدّادات في البيوت، حيث يشعر المواطن بالمسؤولية، لاسيما عند المسّ ب"جَيبِه"، مما يقلّل الاستهلاك، كما في المدارس، التي يُمكن توعية الطلاب فيها من عمر صغير، على الاستغلال الصحيح للموارد، وصولًا إلى القطاع الزراعي، الذي يُعتبر من أكبر المستهلكين للمياه، واعتماد طُرق ريّ حديثة، لا تُسبّب الهدر وتضييع كميات كبيرة من أجل مردود قليل.

تضيف صقر في موضوع الحلول، أن بعضها قد يكون مؤلمًا، إلا أن مقارنتها مع التّكلِفة الحالية والمستقبليّة، ستخفّف من حدّتها، لأن العالم اليوم أمام مشهد سوداوي مخيف في هذا المجال، إذا لم تُتّخذ الإجراءات السريعة، والمطلوب وعي بالثروة الموجودة بين أيدينا اليوم، وعدم هدرها وتضييعها، واستثمار الينابيع الكثيرة في لبنان، اذ انّ المياه تذهب استهتارًا في بعض الأماكن، بينما لا يمكن الوصول إليها في مناطق أخرى.

ثمّ تتعمّق بتفاصيل المناخ والطقس في لبنان، اذ أنّ المدّة التي كانت تشهد فترات ممطرة تتقلّص عامًا بعد عام، والأشهر المطيرة تتراجع لصالح الأشهر الجافّة، وارتفاع الحرارة يتسبّب بالمزيد من التبخّر، ما يؤثّر على المسطّحات المائية، ويسمح بتناقص كميات المياه فيها، فيما السدود، في لبنان تحديدًا، بأغلبها غير مدروسة، وقد أثبتت بعض الدراسات الحديثة، ان وجود "الخَضار" فيها قد يولّد الغازات الدفيئة، مما يزيد التلوّث في الهواء، ويُفاقم المشكلة الأساسية، أي مشكلة التغيّر المناخي، كما أن السدود في لبنان شبه فارغة، لا تخدم الهدف الذي بُنيت لأجله، وكان من الأفضل للدولة أن تبني من خلال الأموال التي استخدمتها للسدود، شبكة تمدّ من خلالها البيوت بالمياه بشكل مباشر من المصادر، وتوزّع مع عدّادات.

بناءً على كل ما ذكرته، تسأل صقر حول الصهاريج التي تستطيع الحصول على المياه، والتي يعمل البعض منها بشكل غير منظّم لا يحترم البيئة والاستهلاك الرشيد للمياه الجوفية خاصة، وتؤكّد أن الدولة إذا أرادت، قادرة على التملّك، وإدارة هذه الموارد بشكل صحيح، لكن المطلوب هو قرار سياسي واضح وجريء، وهو الأمر الغائب تمامًا.

أما عن الحلّ الذي يُطرح دومًا لمشكلة التغيّر المناخي، أي التشجير، تلقي صقر الضوء على الحلّ من منظور مختلف، فالتشجير الغير مدروس، ولو كان جيدًا، إلا أنّه ليس الحلّ، اذ تقوم دول عدّة، ومنظّمات كثيرة بحملات واسعة لزراعة الشجر، ونشر الخَضار، لكنّ الشجر من نوع واحد، أو من أنواع غير ملائمة للتربة، قد يُفشل الحملة بعد مدّة قصيرة، ويؤدي لعدم نمو هذه الأشجار، أو يكون لمجرّد استغلالها لأهداف صناعية واقتصادية، من خلال قطعها بعد فترة قصيرة وبيعها، لذلك على الدولة اللبنانية، إذا أرادت نتيجة فعّالة، أن تقوم بزرع أشجار تتلاءم مع الأرض اللبنانية، كالأرز واللزّاب والسنديان، مما يؤثّر على المناخ المحلّي، بما يعالج مشكلة "الجزر الحرارية" في المناطق، ويؤثّر ولو على نطاق أضيق، كما أن على المزارع اللبناني العودة إلى الزراعات التي كانت سائدة في لبنان، مثل القمح، الذي كان يُزرع حتى في المناطق الجبليّة، والذي يعتمد على مياه الأمطار، دون الحاجة للريّ المتواصل واستنزاف المياه الحلوة، لاسيما الجوفية منها.

من ناحية أخرى، ترى صقر أن المدن أيضًا يمكن أن تكون طرفًا في الحلّ، فقد باتت دولًا كثيرة تعتمد مبدأ "المدن الخضراء" التي تخصّص مسافات للخضار، كما تعتمد على الزراعة على الأسطح والشرفات، والاستفادة من المساحات الفارغة على الطرقات والشوارع، أي أن الأمر كلّه يتطلّب دراسة صحيحة وقرار بالتنفيذ المناسب.

تختم صقر بالتشديد على "عالميّة" هذه الأزمة، واستحالة الحلّ المنفرد، إلا أن الدراسة الصحيحة والرؤية المستقبلية الواعية، قادرة على التخفيف، وأقلّه الإبطاء من حدّة ما ينتظر الأجيال القادمة، من جفاف وشحّ، لا في المياه فقط، بل من كوارث في الحرارة، العواصف المتطرّفة، الحرائق، التربة الغير صالحة للاستخدام، ومنها إلى الزراعة فالصناعة فالمجاعة والأزمات الإنسانية المتلاحقة.