هكذا وقعت إيران بـ"الخديعة الكبرى" – ماذا بعد الضربة الإحتواء أم الحرب المفتوحة؟ - بقلم محمّد حميّة
شارك هذا الخبر
Friday, June 13, 2025
توقيت الضربة: *انتهاء مهلة الستين يوماً الذي منحها الرئيس الأميركي الى الإمام الخامنئي في رسالته الشهيرة المتعلقة بتراجع طهران عن برنامجها النووي. *تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية مُنذ أيام كان بمثابة منح إسرائيل مشروعية دولية لضرب إيران. يقول التقرير: "ايران انتهكت التزاماتها الدولية بعدم نشر الاسلحة النووية وأن هذا القرار خطر ويؤشر الى أن إيران اقتربت من الحصول على السلاح النووي". وهذا يشبه تقرير الوكالة قبل ضرب العراق واحتلاله وإسقاط النظام بذريعة أسلحة الدماء الشامل. *زيارة سرّية منذ أيام لرون ديرمر الساعد الأيمن و"دماغ" نتانياهو برفقة رئيس الوساد دايفيد برنياع الى الولايات المتحدة واجتماعهما بكبار القيادات العسكرية والأمنية الأميركية والذي تبين لاحقاً أنه يهدف لتنسيق الضربة على إيران. *زيارة سرية لقائد القيادة الوسطى الأميركية الى إسرائيل والمنطقة منذ أيام ايضاً. *يوم الاحد الماضي عقد الرئيس الأميركي اجتماعاً موسعاً لمجلس الامن القومي والمسؤولين العسكريين والمسؤولين عن السياسة الخارجية في مقر كامب دايفيد وبشكل سرّي ولافت. *منذ أيام إتصل ترامب بنتانياهو وبحث الملف النووي الايراني، وعلى أثره عقد مجلس الوزراء الاسرائيلي المصغّر اجتماعًا مغلقًا أيضًا. الخداع الاستراتيجي والتضليل الإعلامي إنتهجت الولايات المتحدة وإسرائيل سياسة الخداع الإستراتيجي والإعلامي على الشكل التالي: *تظهير الخلاف بين ترامب ونتانياهو حتى اقتنع أغلب العالم بذلك، وجرى تسريب سجالات بين الرجلين وتصريحات علنية لترامب بأنه حذر نتانياهو من استهداف ايران وتعطيل مسار الإتفاق النووي الى جانب استثناء ترامب إسرائيل من زيارته الى المنطقة والخليج فيما كان الأمر مجرد تمثيلية ولو كان هناك بعض التباين بينهما حول ملفات محددة لكن لا خلاف في الإستراتيجيا بين إسرائيل والولايات المتحدة، بخاصة في العداء لإيران. *الاتفاق الأميركي مع اليمن والخروج من جبهة إسناد إسرائيل من دون التنسق معها، ثم سحب واشنطن الكثير من القطع العسكرية من بوراج حربية وحاملات طائرات من منطقة الخليج ما أوحى بأن الولايات المتحدة لا تريد الحرب وغير راضية عن تصرفات "الابن الأرعن" ولا علاقة لها بأي ضربة إسرائيلية متوقعة لإيران، وذلك للخداع أولاً ولحماية مصالحها وقواعدها في الخليج والشرق الأوسط من جهة ثانية. *قول ترامب قبل يومين من الضربة أن "الحرب ليست وشيكة لكنها واردة في حال فشل التفاوض، نحن قريبون الى حد ما من التوصل الى اتفاق جيد للغاية، ولكن أريده أفضل من ذلك"، العبارة الأهم بتصريح ترامب الأخير قبل الضربة والذي ربما لم يتنبّه أحد اليه، ويستبطن أمراً ما سيحصل ويدفع إيران للتراجع وقبول ما لم تقبل به، (الضربة العسكرية) بقول ترامب: "سوف يتعين على إيران التفاوض بجدية أكثر، ما يعني أنها ستضطر الى تقديم شيئ لا ترغب في تقديمه حالياً"، ما يؤكد أنه كان على علمٍ مسبق بالضربة ويراهن على نتائجها. *تم تحديد الأحد موعد لجولة مفاوضات جديدة والقول إنها حاسمة في تحديد وجهة التعامل مع إيران إما الاتفاق واما الحرب، ما بدا وكأن لا ضربة قبل الاثنين. *تم تسريب خبر مفاده أن حفل زفاف نجل نتانياهو يوم الاثنين ودعوة الكثير من الشخصيات لحضوره بعد تأجيله منذ حوالي العام، بما عكس للإعلام وللمعنيين ولإيران تحديداً بأن إسرائيل لن تذهب الى الحرب قبل حفل الزفاف. *تم تضخيم الخلاف الداخلي الإسرائيلي على موضوع حل الكنيست والانتخابات لإيهام إيران بأن إسرائيل منشغلة بأزمتها. هذه الخدع دفعت إيران الى الإسترخاء والنوم على حرير، ما ساهم بكشف قياداتها الأمنية والعسكرية ونجاح ضربها وشلها لبعض الوقت بعنصر المفاجأة وضخامة الضربة. الفرصة الذهبية *استغلت إسرائيل والولايات المتحدة أن إيران اليوم بلا أذرع أو بأذرع ضعيفة ومشلولة، إذ منذ عقدين وهناك حيّرة في مراكز القرار الأميركي – الغربي في كيفية التعامل مع إيران وضرب "الأخطبوط": هل بقطع الرأس فتنهار الأذرع أم بقطع الأذرع فيسهل قطع الرأس؟ وكانت 7 أوكتوبر 2023 فرصة لحسم الخيارات بقطع الأذرع مع تحييد الرأس مؤقتاً ثم الإنقضاض على الرأس لاحقاً، وهذا ما يحصل اليوم، ضُرِبت حماس وحزب الله وأسقِطت سوريا بعملية استخبارية مُتقنة وضُرِب اليمن وقُيّد وحُيّد العراق وبقيت إيران وحيدة تقارع نصف العالم.. *إن جرّ إيران لجولات تفاوض كان يهدف لتقطيع الوقت وإيهام الإيرانيين بأن المسار التفاضي هو المرجح على خيار الحرب، ولمنح إسرائيل الوقت لاستكمال الإستعدادات واللمسات الأخيرة للضربة "القاتلة"، بعد لجم حزب الله عسكرياً وتقييده بمعادلة سياسية داخلية، وتغيير استراتيجي في سوريا، واتفاق مع اليمن لحماية القواعد والمصالح الأميركية في البحر الأحمر والخليج من الجبهة اليمنية.
ما حصل اليوم كشف التالي: *مشاركة الولايات المتحدة بضرب إيران، فغير الممكن أن تذهب إسرائيل بمفردها الى حرب مع دولة كبرى كإيران من دون الدعم والتغطية والتسليح الأميركي. *انكشاف أمني واستخباراتي وتكنولوجي كبير داخل إيران. *استغلال إسرائيل والولايات المتحدة الاختلال بموازين القوى بعد 7 تشرين حتى الآن للاستفراد بإيران. السؤال ما هي خيارات إيران بعدما ضاقت جداً؟ هل الإستمرار بسياسة الإحتواء واستيعاب الصدمة واستكمال المفاوضات مع تقديم تنازلتت تريدها أميركا وإسرائيل؟ أم الإنتقال الى استراتيجية المواجهة والمجابهة الى حدود الحرب المفتوحة؟ ما هي قدرة إيران على الدفاع عن نفسها وخوض الحرب مع إسرائيل وداعميها؟ وما هي حدود الرد؟ علماً أن المسؤولين الإيرانيين ومنهم من الذين قضوا اليوم، هددوا بأن الرد لن يكون بالمثل بل مضاعفاً؟ هل يشمل مرافق حيوية ومنشآت نووية في إسرائيل؟ وما التداعيات على الكيان الاسرائيلي؟ وبحال توسعت دائرة الضربات المتبادلة بين إسرائيل وطهران هل ستدخل الولايات المتحدة مباشرة الحرب؟ أم ستلجم نتانياهو ويكون هو والبرنامج النووي الإيراني ضحية الصفقة الأميركية - الإيرانية الكبرى التي تحدث عنها ترامب اليوم (على إيران الإختيار إما الصفقة وإما الزوال) وبالتالي يتغير وجه الشرق الأوسط بما لا يشتهي نتانياهو؟ ما تأثير الضربة على جولة المفاوضات الأحد؟ الواضح أن إيران لم تشارك بها وبالتالي إنهيار المفاوضات حتى الآن. السؤال الأهم هل فتح الحرب على إيران بهذه الوتيرة المتسارعة والتصاعدية والصادمة مرتبط فقط بالملف النووي الإيراني أم بدور إيران في المنطقة وعلى الصعيد العالمي ويهدف الى إسقاط النظام في إيران بدل تغيير سلوكه؟ وهل سيبقى النظام متماسكاً وصامداً أم دنت اللحظة المناسبة للعبث الخارجي بالنسيج القومي والمذهبي والعرقي في إيران ويعود تحريك الشارع تزامناً مع جولات ضربات عسكرية متعددة؟ مما لا شك أن الضربة الاسرائيلية لإيران حصلت بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة قراراً وتخطيطاً وربما تنفيذاً.. والسؤال هل ستُحمّل إيران المسؤولية لإسرائيل وحدها أم للولايات المتحدة ايضاً؟ وهل سترد على إسرائيل وحدها أم على المصالح والقواعد الأميركي في الخليج والشرق الأوسط؟ وهل سيتدخل حلفاء إيران في العراق واليمن ولبنان؟ ما تأثير "الكنز المعلوماتي" السرّي الذي بات بحوزة طهران عن إسرائيل على مسار الحرب المفترضة إذا توسعت؟ إيران تملك مساحة جغرافية كبيرة جداً وقدرات عسكرية كبرى وقدرة هائلة على المناورة وسيطرة على الممرات المائية والشرايين الحيوية في الخليج والمنطقة، والحرب لن تكون سهلة معها ويمكنها إلحاق خسائر كبيرة بإسرائيل وتهديد مصالح الغرب بالخليج إذا استخدمت قدراتها بشكلٍ فعال، لكن في المقابل البيئة الاستراتيجية المحيطة ليست لمصلحة إيران، كما أن المحور الأميركي – الغربي قادر على إدخال إيران بحرب طويلة الأمد واستنزافها عسكرياً لما يملك من قدرات عسكرية واستخبارية وتكنولوجية، وينتظر ليرى ما لدى إيران من قدرات ليبني على الشيئ مقتضاه. إيران أمام تحدٍ تاريخي في إظهار قدرة الردع لديها كرأسٍ لمحور المقاومة الذي تآكلت قدرة الردع لديه تدريجياً منذ الحرب الأخيرة خلال العام والنصف العام الماضي، حيث استغلت إسرائيل تردد إيران ومحور المقاومة في الرد على ضربات كبرى واغتيالات القادة لتجنب الحرب الكبرى والإكتفاء باستراتيجية الدفاع والصمود والإستنزاف الطويل مع الإسرائيلي والأميركي والرهان على متغيرات داخلية في إسرائيل وأميركا وعلى أحداث دولية - إقليمية، لكن الإسرائيلي بالمقابل استغل ذلك مع الأميركي لتوجيه ضربات استراتيجية لمحور المقاومة شلّت الكثير من معادلات الردع وأدت لتغيير موازين القوى لصالحها.
أسابيع حاسمة تكشف مسار الأحداث ومصير المنطقة... الكاتب والباحث السياسي محمّد حميّة