من الطائرة "الدوارة" إلى "أباتشي"... رحلة تطور المروحيات

  • شارك هذا الخبر
Monday, June 9, 2025

تعد المروحيات الحديثة من أروع الإنجازات الهندسية، ومنذ منتصف القرن الـ19، قطعت المروحيات شوطاً طويلاً من ناحية التصميم والوظائف والشعبية، محققة إنجازات بارزة جعلتها جزءاً لا يتجزأ من الاستخدامات المدنية والعسكرية.

ونظراً إلى أهميتها الكبيرة اليوم لا بد لنا من الإضاءة على تاريخ هذا الاختراع الهندسي المبهر وكيف تطور عبر الزمن ومتى استُخدم للمرة الأولى خلال الحروب، والغوص في بعض التفاصيل التقنية والأسئلة التي قد تتبادر إلى أذهانكم.

الأصول المبكرة للطيران العمودي

على رغم أن الطائرات المروحية تعتبر اختراعاً حديثاً، فإن فكرتها تعود إلى الصين في القرن الـ12، حين صممت أداة تعرف باسم "الطائرة الدوارة"، وكانت هذه اللعبة تتكون من رأس دوار من الخيزران مثبت على شفراته ريش، يسمح له الدوران بالبقاء في الجو لفترات قصيرة، وبينما كانت هذه الأداة مجرد لعبة مسلية للأطفال، إلا أنها مهدت الطريق فعلياً لمخترعين لاحقين ذوي طموحات أكبر.

عام 1483، رسم الفنان والمخترع الإيطالي ليوناردو دافنشي تصميماً لجهاز يشبه المروحية، أطلق عليه اسم "البرغي الهوائي"، وبدأ حينها مفهوم الطيران العمودي يتبلور في أذهان المخترعين حول العالم.

وبعد أكثر من 300 عام، ابتكر الفرنسيان لاونوي وبينفينو طائرة مروحية صغيرة تشبه إلى حد كبير تصميم دافنشي، وصُنعت هذه اللعبة من فلين وبعض الأسلاك ومروحتين مصنوعتين من ريش الطيور، وعند تدويرها كانت تحوم في الهواء لفترة طويلة، مما أتاح لكثر تجربة الطيران العمودي للمرة الأولى.

ظهور المروحيات

أما أول مروحية آلية في العالم، فبناها المخترع الفرنسي هنري جيفار عام 1841 وسُميت آلته حينها "مروحية جيفار"، وكانت تتكون من محرك بخاري يدير مروحة كبيرة، ولم تكُن هذه المروحية قادرة على رفع نفسها إلا بضعة أمتار عن الأرض، ولم تدخل حيز الإنتاج قط، لكنها أثبتت إمكان صنع مروحية آلية للمرة الأولى في التاريخ.

وكان المهندس البريطاني السير جورج كايلي، المعروف غالباً باسم "أبو الطيران"، يعمل أيضاً على تصميم مروحيته الخاصة في الوقت نفسه تقريباً، فابتكر عام 1843 نموذجاً لمروحية استخدمت نظاماً معقداً من البكرات والأوزان لتدوير الدوارات، لكن تصميم كايلي كان معقداً للغاية ولم يعمل كما هو مخطط له.

وبعد 20 عاماً، تحديداً في 1863، بنى المخترع الفرنسي إتيان أوهميتشن أول مروحية آلية ناجحة وحلق بها، وكانت طائرته التي أطلق عليها اسم "أوهميتشن رقم 2"، شبيهة بـ"مروحية جيفار" من ناحية استخدامها محركاً بخارياً لتشغيل دوارين كبيرين، لكن على عكس "مروحية جيفار"، كانت طائرة "أوهميتشن رقم 2" قادرة على الوصول إلى ارتفاع ثلاثة أمتار والبقاء في الجو لمدة تصل إلى دقيقة واحدة في كل مرة، مما جعلها أول طائرة مروحية عملية تعمل بالطاقة في التاريخ.

سباق التحليق في الأجواء

ولم تظهر أولى الطائرات المروحية التي تحلق بالبشر إلا في أوائل القرن الـ20، فعام 1907 أصبح الطيار والمخترع الفرنسي بول كورنو أول من حقق طيراناً عمودياً عندما حلق بطائرته المروحية التي صممها بنفسه لمسافة ستة أمتار، وعلى رغم أن مروحيته لم تستطِع البقاء في الهواء إلا لفترات وجيزة، فإنها اعتبرت إنجازاً كبيراً في مجال الطيران.

في العام نفسه، قام شقيقان فرنسيان هما جاك ولويس بريجيه، ببناء طائرة مروحية أخرى ناجحة لنقل البشر وحلقا بها، واستخدمت طائرتهما التي أُطلق عليها اسم "الجايروبلين رقم 1"، دوارين كبيرين يعملان بمحرك بقوة 24 حصاناً، وكانت قادرة على حمل شخص واحد لمسافات قصيرة والوصول إلى ارتفاعات تصل إلى 4.5 متر.

وبعد أقل من عقد، تحديداً عام 1916، أصبح المخترعان إستفان بيتروتشي وثيودور فون كارمان أول من حلق بطائرة مروحية لفترة طويلة، واستخدمت طائرتهما المسماة "بيتروتشي-كارمان جيروبلاني" دوارين كبيرين يعملان بمحرك بقوة 50 حصاناً، وكانت قادرة على البقاء في الجو لمدة 15 دقيقة وبلوغ ارتفاعات تصل إلى 915 متراً.

وحلق المهندس الألماني هاينريش فوكه عام 1936 بنجاح بمروحيته المسماة "فوك-أخجيليس فا 61" التي استخدمت دوارين مثبتين أحدهما فوق الآخر على صارية واحدة، وألغى هذا التكوين عزم الدوران الذي تنتجه عادة المروحية أحادية الدوار، مما جعلها أكثر استقراراً أثناء الطيران، وكانت هذه المروحية مزودة بمقصورة مغلقة، مما جعلها أول مروحية ركاب حقيقية.

متى استخدمت المروحيات للمرة الأولى في الحرب؟

في حين كانت لا تزال في مراحلها الأولى من التطوير، بدأت المروحيات تستخدم عسكرياً خلال الحرب العالمية الثانية، وتعتبر "سيكورسكي إكس آر 4" أول مروحية تنتج بكميات كبيرة وتشارك في الحرب، واستخدمت بصورة أساس من قبل القوات الجوية الأميركية ضمن مهمات البحث والإنقاذ، إضافة إلى أدوار محدودة في النقل والمراقبة.

وشاركت هذه المروحية خلال الحرب العالمية الثانية في إنقاذ الطيارين الذين سقطت طائرتهم في بورما عام 1944 في ما عُرف باسم عملية "السلالم الطائرة" لانتشال الطيارين الجرحى والعالقين من التضاريس الوعرة ونقلهم إلى بر الأمان.

ومع أن المروحيات ظهرت إلى الواجهة خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أن دورها كان محدوداً نسبياً مقارنة بالطائرات الأخرى كالطائرات ثابتة الجناحين، ولم تكتسب المروحيات دوراً أكثر أهمية في العمليات العسكرية إلا خلال النزاعات اللاحقة، خصوصاً الحرب الكورية وحرب فيتنام.

ما الارتفاع الذي يمكن أن تحلق به المروحية؟

يعتمد أقصى ارتفاع يمكن أن تصل إليه المروحية على عوامل مختلفة، من بينها تصميمها وقوة محركها ووزنها والظروف البيئية. ويرجع ذلك إلى أنه كلما صعدت المروحية إلى ارتفاعات أعلى، أصبح الهواء أقل كثافة، مما يؤدي إلى انخفاض أداء المحرك وكفاءة الدوار، لذا كلما ارتفع مستوى المروحية، قلت قدرتها على الرفع.

عموماً، تستطيع المروحيات التحليق على ارتفاعات تراوح ما بين 3000 و7600 متر فوق مستوى سطح البحر، وتقوم طبيعة العملية بدور حاسم في تحديد ارتفاع المروحية، فقد تحتاج المروحية المشاركة في المراقبة أو الدعم الجوي القريب إلى الطيران على ارتفاعات أقل للحفاظ على التواصل البصري، فيما تتطلب مهمة نقل طويلة المدى الطيران على ارتفاعات أعلى لتغطية مسافات أكبر بكفاءة أعلى.

وجميع المروحيات لها حدود أداء خاصة بها، ولا سيما مع زيادة الارتفاع ويجب على الطيارين مراعاة قدرات أداء مروحياتهم المحددة، مثل معدل الصعود وسقف التحليق والحمولة عند تحديد ارتفاع التشغيل المثالي، ويمكن أن تؤثر الظروف الجوية، كسرعة الرياح ودرجة الحرارة والضغط الجوي، في عمليات المروحيات واختيار الارتفاع، وقد تتطلب الرياح القوية أو الظروف الجوية السيئة الطيران على ارتفاعات منخفضة لتحسين الاستقرار والرؤية والتحكم.

هل تستطيع المروحيات الطيران رأساً على عقب؟

المروحيات ليست مصممة للطيران رأساً على عقب بالطريقة نفسها للطائرات ثابتة الأجنحة، وبينما توجد أنواع متخصصة من المروحيات مثل المروحيات الاستعراضية المستخدمة في عروض المروحيات الجوية التي يمكنها القيام برحلات معكوسة محدودة أو مناورات متقدمة أخرى، فإن هذه المروحيات لا تمثل قدرات المروحيات القياسية المستخدمة في الطيران العام أو الأغراض التشغيلية.

والسبب الرئيس لعدم قدرة المروحيات على الطيران رأساً على عقب هو تصميم نظام الدوار الخاص بها وطريقة عمله، إذ تولد شفرات الدوار في المروحية قوة رفع عن طريق خلق فرق ضغط بين السطحين العلوي والسفلي لشفرات الدوار أثناء دورانها، ويوجه هذا الرفع بصورة أساس عمودياً لدعم وزن المروحية وإبقائها في الجو.

هل المروحيات أكثر أماناً من الطائرات الأخرى؟

قد تكون مقارنة سلامة التحليق بالمروحيات والطائرات الأخرى صعبة، فلكل نوع من الطائرات خصائصه واعتباراته الفريدة. وبدلاً من إصدار حكم عام بأن إحداهما أكثر أماناً من الأخرى، دعونا نلقي نظرة على بعض النقاط الرئيسة التي يجب مراعاتها عند مناقشة سلامة المروحيات مقابل غيرها من الطائرات.

عند مقارنة معدلات تحطم المروحيات بالطائرات المختلفة، سنجد أن المروحيات تميل إلى تسجيل معدلات حوادث أعلى، ويعود ذلك جزئياً لاختلاف خصائص الطيران والبيئات التشغيلية للمروحيات التي غالباً ما تتضمن الطيران على ارتفاع منخفض والهبوط خارج المطار وزيادة وتيرة الإقلاع والهبوط، ومع ذلك من المهم ملاحظة أن معدلات الحوادث يمكن أن تختلف اختلافاً كبيراً بحسب طراز المروحية ونوع التشغيل وعوامل أخرى.

وغالباً ما تتطلب المروحيات تدريباً وخبرة ومهارات قيادة أكثر صرامة مقارنة بغيرها من الطائرات، ويحتاج طيارو المروحيات إلى إتقان إدارة خصائص الطيران الفريدة، مثل التحليق والدوران التلقائي، وإدارة أنظمة الطيران منخفضة السرعة لضمان طيران آمن.

ويجب أن نشير إلى أن المروحيات تستخدم عادة في مهمات مثل البحث والإنقاذ والإخلاء الطبي وأعمال البناء الجوي. ولسوء الحظ، غالباً ما تعرّض هذه العمليات المروحيات لبيئات صعبة، بما في ذلك سوء الأحوال الجوية والتضاريس المعقدة وخيارات الهبوط المحدودة، مما قد يشكل أخطاراً إضافية على السلامة.

أسرع مروحية في العالم

أصبحت مروحية "يوروكوبتر إكس³" الأوروبية في يونيو (حزيران) عام 2023 أسرع مروحية في العالم، وسجلت رقماً قياسياً بسرعة قصوى بلغت 472 كيلومتراً في الساعة في رحلة مستوية.

و"يوروكوبتر إكس³" هي مروحية عالية السرعة تجمع بين تقنيات الطائرات العمودية والطائرات ذات الأجنحة الثابتة، وتحقق هذه السرعة المذهلة باستخدام محركين توربينيين لتشغيل كل من الدوار الرئيس ومروحتين مثبتتين على أجنحة قصيرة ثابتة.

أكبر مروحية في العالم

تعتبر مروحية "ميل مي-26" وهي مروحية شحن روسية ثقيلة، أكبر مروحية في العالم وتعرف أيضاً باسم "هالو"، واحتفظت هذه المروحية بلقب أكبر مروحية في العالم لعقود، وتستخدم بصورة أساس لنقل البضائع الثقيلة، بما فيها المعدات العسكرية والمساعدات الإنسانية والحمولات الضخمة.

ويبلغ طول هذه المروحية نحو 40 متراً وارتفاعها قرابة ثمانية أمتار، وهي مزودة بمحركين توربينيين قويين، وتتميز بنظام دوار رئيس ثماني الشفرات.

أقوى مروحية عسكرية في العالم

تعد مروحية "أباتشي" العمود الفقري للجيش الأميركي، وهي المروحية الهجومية الأكثر خبرة وثباتاً في العالم، وشاركت في جميع صراعات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي المهمة منذ دخولها الخدمة.

وتراكمت لدى خط مروحيات "أباتشي" في الخدمة بالجيش الأميركي أكثر من 5 ملايين ساعة طيران، وأكثر من 1.3 مليون ساعة في القتال، وهي ثالث أكثر طائرة مروحية هجومية استخداماً في العالم، ويبلغ عددها 1225 وحدة في الخدمة.


اندبندنت عربية