الراي الكويتية وها هي بيروت التي اطمأنّتْ لمَطارِها وحلّتْ فيها الطمأنينةُ تُلاقي العيدَ اليوم بـ «عيديةٍ» للعائدين إلى الربوع اللبنانية ومواسم صيفها الجميل... تحضيراتٌ وخططٌ واستعداداتٌ لجعْل الموسم السياحي واعداً.
العاملون في القطاع السياحي يترقّبون الموسمَ بكثيرٍ من الأملِ والحذَر في آن؛ فمع انتظارِ عودة السياح العرب إلى الحضن اللبناني، ومعاودة عدد من الفنادق الكبرى فتْح أبوابها، ومضاعفة الخطوط الجوية رحلاتها نحو بيروت، واستقرار سعر صرف الليرة ضمن هوامش مقبولة، تبدو المؤشرات الأولية واعدةً رغم عراقيل كثيرة تسعى الحكومة اللبنانية ووزارة السياحة والقطاع الخاص إلى تخطيها كي يكون صيف 2025 قصة نجاح مدويّة ولا يقع مجدداً في فخ الوعود غير المنجزة.
كل شيء يبدو مختلفاً في لبنان هذه السنة وإن كان يَصعب على الخارج تصديق ذلك. الحكومةُ اللبنانيةُ ومعها كل القطاعات السياحية والخدماتية مُصِرَّةٌ على إظهار الوجه الحقيقي للبنان واستعادة ألق مرحلته الذهبية.
وزارة السياحة تواكب التحضيرات بجدية وفاعلية والقطاعات السياحية على اختلافها أَعَدَّتْ العُدَّةَ، والأهمُّ أن تركيزَ الحكومة بكل أجهزتها منصبٌّ على تأمين أمن وسلامة الوافدين من مختلف الأقطار العربية دون العالم ليتمتّعوا بتجربةٍ سياحيةٍ آمنةٍ وممتعة، بدءاً من مطار رفيق الحريري الدولي والطريق منه وإليه والذي تَغَيَّرَ المشهدُ عليه واكتسى رداءً لبنانياً بحت بأمنه وصوره وإعلاناته، وصولاً الى أبعد نقطة سياحية في «بلاد الأرز».
وزارة السياحة مُنْهَمِكَةٌ، ترصد كلَّ الاستعدادت عن كَثَبٍ وتستجيب لكل المَخاوف المَطروحة. وفي لقاءٍ مع «الراي»، تقول المديرة العامة للشؤون السياحية في الوزارة جمانة كبريت «إن الوزارة عازمة على وَضْعِ الخطط والبرامج ومواكبةِ الإجراءات خصوصاً تلك المتعلّقة بمطار رفيق الحريري، وهي تعمل بالتعاون مع كل الوزارات والإدارات المعنية تنفيذاً لخطة الحكومة. فالمطارُ يشكّل أولويةً لأنه الواجهة التي ستستقبل الوافدين من الدول الشقيقة والصديقة ولابد من تعزيز أمنه في الداخل والخارج».
وتضيف: «من الإجراءات التي أصرّتْ الوزارةُ عليها ضَبْطُ أَمْرِ سياراتِ التاكسي في المطار وعدم التعاون إلا مع شركاتٍ مرخَّصة ومعروفة لتكون للوافد الى لبنان مرجعية محددة في تنقّلاته من المطار وإليه».
وتدرك كبريت أن الموسمَ لا يمكن أن يتحقّق إلا من خلال تعاون وثيق بين القطاعين الخاص والعام، من الوزارات المعنية، إلى النقابات السياحية والمؤسسات الفندقية والمطعمية والمؤسسات البحرية، إلى شركاتِ السياحة والسفر ولجان المهرجانات المحلية وذات الطابع الدولي، لأنها كلها مُجْتَمِعَةً تقوم بدورٍ محوري في التخطيط والتنفيذ.
لكن يَبقى السؤالُ الذي يَطرحه اللبنانيون: هل يمكن لوزارةِ السياحة ضَبْطَ كل هذه القطاعات وإلزامِها بتوجّهات معيّنة؟ سؤالٌ تجيب عنه الوزارة بالقول «إن توحيد الجهود والرؤية هو الطريق الوحيد للنهوض بالسياحة اللبنانية وإن التعاون بين وزارة السياحة والقطاع الخاص ليس خياراً بل ضرورة وهو مفتاح لاستمرار نجاح القطاع السياحي بمختلف تشعباته».
وفي دلالة على ما ينتظر لبنان في موسم صيف 2025 تقول كبريت «إن وزارة السياحة تلقت مئات الطلبات لإقامة المهرجانات الفنية والثقافية والقروية من مختلف المناطق والقرى اللبنانية، وهذا دليل على أن لبنان بكافة مناطقه سيشتعل فرحاً وحماسة وإن كان جنوب لبنان مازال متأخراً عن استعادة حياته الطبيعية».
وتضيف: «كان إصرارنا كبيراً كوزارة سياحة على رعاية كل هذه المهرجانات لنكون الى جانب كل القطاعات وكل المناطق لننقل صورة لبنان الحقيقية ونقول إننا بلد الفرح والضيافة والتنوع والإبداع».
وقد بدأت تظهر اسماء لفنانين عالميين كبار سيشاركون في هذه المهرجانات ويشكلون عامل جذب قوياً بالنسبة للسياح.
وكان لبنان منذ صيف 2023 قد بدأ يستعيد زخمه السياحي وإن كانت الضربة العسكرية التي تلقاها في أواخر صيف 2024 هزّت كل قطاعاته في شكل عنيف وغير مسبوق. وبالأرقام يتبيّن أن عدد المؤسسات المطعمية النظامية ارتفع من 722 مؤسسة في 2023 إلى 810 عام 2024، موزَّعة على 11 منطقة سياحية أساسية في بيروت، مثل بدارو، الجميزة، الحمرا، مار مخايل، وغيرها.
ويُلاحظ تزايد في افتتاح مطاعم جديدة، خصوصاً في مناطق مثل جبيل والبترون، مع استثمارات تقارب 200000 دولار لكل مشروع وقد شهد قطاع المطاعم والسهر نمواً بنسبة 15.3 في المئة في 2024 مقارنة بعام 2023.
والاعدادُ اليوم، وإن لم تَصدر في شكل رسمي بعد، إلا أنها مهيأة للارتفاع، ويكاد أن يطغى عليها في شكل خاص معاودة افتتاح فنادق عريقة مثل «السان جورج» الذي يحمل أجمل الذكريات ويعبّر عن مرحلة ذهبية من تاريخ «سويسرا الشرق»، إضافة إلى توسّع انتشار بيوت الضيافة في شكل غير مسبوق بعد النجاح الذي لاقاه هذا المفهوم، حيث يقدّر عدد بيوت الضيافة المسجّلة رسمياً في وزارة السياحة بنحو 150 بيتاً، مع توقعاتٍ بزيادة هذا الرقم نظراً لارتفاع الطلب على التراخيص القانونية.
وهذا التزايد أن دلّ على شيء فعلى انتشار السياحة في كل المناطق اللبنانية لتشمل حتى النائية بعدما أعيد اكتشافُ ما تكتنزه من مَعالم طبيعية رائعة، مثل منطقتي الضنية وراس بعلبك وغيرهما، خصوصاً ان الجمعيات المحلية كلها عملتْ على دعم مناطقها والتسويق لها عبر فيديوات وصورٍ ترويجية على كل مواقع التواصل الاجتماعي.
وهذا ما ساهم في وصول السياحة الى مناطق كانت مازالت تُعتبر غير مطروقة سابقاً، كما كان لانتشار بيوت الضياف دور في تعزيز قدرة المناطق على استقبال فئات جديدة من السياح.
ويَشهد لبنان هذا الصيف وبحسب كل القطاعات موسماً غير مسبوق من الأفراح والأعراس حيث ستتوافد أعداد كبيرة من المغتربين اللبنانيين ومن الأجانب لإحياء حفلات زفافها الضخمة في المناطق اللبنانية حيث تبيّن أن «بلاد الأرز» تقدم أرقى الخدمات في هذا المجال، من الأزياء الى الزينة والطعام وأجمل الأمكنة في الهواء الطلق.
على صعيد الفنادق، تشير الأرقامُ المتداوَلةُ إلى أن التوقّعات لصيف 2025 تتحدث عن أن نسبة الإشغال قد تبلغ 80 في المئة، وخصوصاً مع تأكيد هبوط رحلات إضافية يمكن أن تصل إلى 95 طائرة يومياً خلال الصيف.
وفي حديث لـ «الراي» مع نقيب الفنادق بيار أشقر بدا أكثر واقعية في مقاربته للأرقام المتداوَلة، وقال: «كل الناس متفائلون بموسمٍ سياحي واعِدٍ، لكن يجب علينا ألّا نحلم أكثر من اللزوم. فنحن مازلنا حتى اليوم نعاني مشاكل عدة أبرزها صورة لبنان في الخارج. فالصورة التي يَنقلها الإعلامُ الخارجي هي صورة قَصْفٍ إسرائيلي لبعض مناطق الجنوب وللبقاعين الشمالي والغربي، وصورة الطائرات المسيَّرة التي تحلّق فوق العاصمة وضاحيتها الجنوبية. نحن كلبنانيين تعوّدنا على هذا الوضع ونعرف مداه، لكن الأجنبي والعربي يحاذر هذه الأخطار. ولابد من أن ينتهي هذا الوضع العسكري الشاذ ليستيعد لبنان كامل إمكاناته». ويضيف: «صحيح أن الاتصالات التي قام بها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام والوزراء أعادتْنا الى الحضن العربي فسمحتْ بعض الدول العربية مثل الإمارات والكويت بعودة رعاياها الى لبنان، لكن القصف من جهة وبعض التحليلات الصحافية التي تَظهر على الشاشات وفي الصحف ومهاجمة بعض الصحافيين للدول العربية في شكل يناقض خطاب رئيس الجمهورية، عوامل يمكن أن تلعب ضدنا».
رغم ذلك يؤكد الأشقر أن الموسم المقبل أفضل من الأعوام الماضية ولا سيما أن دول الخليج العربي تشجّع رعاياها على المجيء الى لبنان، «وثمة جهود عربية مؤكَّدة في هذا الاتجاه. فعلى سبيل المثال قامت الخطوط الجوية الكويتية بزيادة رحلاتها الى لبنان كما قامت بالتنسيق مع وكالات السياحة والسفر في لبنان لتأمين برامج سياحية للزوار. لكن هذا لا ينفي وجود محاذير مازالت قائمة من دول غربية، كما أن المملكة العربية السعودية لم ترفع منْع السفر عن رعاياها الى لبنان حتى الآن. ولكن تدريجاً، لابد أن يتحسن الوضع مع الجهود التي تقوم بها الحكومة وستنتفي كل التنبيهات».
ويشير إلى أنه «حتى اليوم مازالت الحجوزات الفندقية مقبولة لأن المدارس لا سيما في المنطقة العربية لم تقفل بعد، ولابد أن نشعر بالفارق مع بداية العطل المدرسية، فالأشقاء العرب يعرفون أنهم قادرون على المجيء الى لبنان في أي وقت حتى من دون حجوزات مسبقة في مختلف المناطق اللبنانية».
على هامش الوضع السياحي ككل، نسأل النقيب الأشقر، الذي هو أيضاً رئيس بلدية برمانا المنتخَب مجدداً، عن هذه المدينة الصيفية التي يَرسم لها الأشقاء العرب في ذاكرتهم أجمل الصور، فيقول «إن السياح العرب والغربيين سيتفاجأون بالنقلة النوعية التي شهدتْها المدينة بحيث بات فيها أكثر من 100 مطعم، وقد تصل الى حدود المئتين إذا أضفْنا كل المحلات الصغيرة التي تقدم الطعام»، ويضيف: «تقدم برمانا مطبخاً متنوعاً من كل بلدان العالم، وجلسات راقية مع أجمل الديكورات والإطلالات الطبيعية. والى جانب هذا التنوع الكبير فإن برمانا لا تَبعد عن العاصمة أكثر من 20 دقيقة عبر طريق المتن السريع لتؤمن للسائح تجربة راقية مضيافة ممتعة».