تداعيات إنهاء مهام اليونيفيل على تطبيق قرارات مجلس الأمن- بقلم أنطونيوس أبو كسم

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, June 4, 2025

إنّ محاولة إنهاء مهام قوّة الأمم المتّحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، تشير إلى نوايا تقويض دور الأمم المتّحدة في حفظ السلام، وترك مسألة السّلم والأمن رهينة القوّة الحربيّة وليس على أسس سيادة الدّول وسيادة القانون الدولي. إنّ إنهاء مهام اليونيفيل قد يشكّل الضربة القاتلة لقرار مجلس الأمن 1701، وبالتالي، سحب كافّة الضمانات الأمنيّة، وتشريع الحدود اللبنانية لكافّة أنواع الانتهاكات لسيادته الداخليّة والخارجيّة.

هل من الممكن حلّ اليونيفيل؟
إنّ إنهاء مهام اليونيفيل يتطلّب استصدار قرار عن مجلس الأمن على غرار قراره رقم 2690 (2023) بشأن إنهاء مهام قوات حفظ السلام في مالي (MINUSMA). فقد تمّ إنشاء اليونيفيل من قبل هذا المجلس في العام 1978 بموجب القرارين 425 و426. وبالتالي، فإنّ أيّ قرار بحلّ هذا الفرع الثانوي للأمم المتّحدة، يتطلّب موافقة تسعة دول أعضاء من مجلس الأمن من ضمنهم الأعضاء الخمسة الدائمي العضويّة (الولايات المتحدة الأميركية، الاتحاد الروسي، فرنسا، المملكة المتحدة، الصين). إنّ معارضة أيّ عضو دائم العضويّة لمشروع القرار يؤدّي حتماً إلى سقوطه.
بالمقابل، إنّ التجديد لولاية اليونيفيل يتطلّب أيضاً استصدار قرار عن مجلس الأمن، وبالتالي إنّ معارضة أحد الدول الأعضاء الدائمي العضويّة لتجديد الولاية، سيؤدّي إلى سقوط مشروع القرار. إنّ تداعيات عدم التجديد لليونيفيل ستكون بمثابة إنهاء ضمني لها، حيث لا يمكنها أن تمارس أيّ مهام، وعدم التجديد يؤدّي حتماً إلى حلّها ووقف تمويلها.

التداعيات على القرار 1701
إنّ القرار 1701 قائم على الدور الوقائي والرقابي لليونيفيل، إضافة إلى الدور المساند للجيش اللبناني. إنّ إلغاء دور اليونيفيل، سيفقد الدّور الرقابي لها لناحية توثيق الانتهاكات الاسرائيليّة وسينهي مفهوم الخطّ الأزرق، وسيؤدّي إلى وضع الجيش اللبناني بموقع المواجهة من دون غطاء الشرعيّة الدوليّة وحمايتها. إنّ سحب اليونيفيل من جنوب لبنان سيؤدّي إلى إعلان جنوب لبنان المدمّر منطقة مستباحة للحريق، وإعلانها منطقة مواجهة مفتوحة، تسهيلاً لأيّ مشروع اجتياح اسرائيليّ بغية تحقيق مخطّط المنطقة العازلة، بعد نجاح التموضع في الجولان السّوري ليصبح ضمًّا لأراضٍ سوريّة خدمة للذرائع الأمنيّة. إنّ اليونيفيل تشكّل الضمانة الدولية لتنفيذ القرار 1701.

علاوةً على ذلك، إنّ دور اليونيفيل يشكّل العامود الفقريّ "لاتفاقية وقف الأعمال العدائية" (إعلان وقف الأعمال العدائية والالتزامات ذات الصلة بشأن تعزيز الترتيبات الأمنية وتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 المبرمة في 27/11/2024). فوفقاً للفقرة التاسعة من الاتفاقيّة، إنّ اليونيفيل هي المناط بها إعادة صياغة الآلية (Mechanism) وتعزيزها لتصبح خماسية (برئاسة الولايات المتحدة إضافةً إلى فرنسا) بالتنسيق مع "إسرائيل" ولبنان، وهي التي تستضيفها من أجل مراقبة الالتزامات الناشئة عن هذه الاتفاقية والتحقّق منها والمساعدة في ضمان تنفيذها. ووفقاً للبند "ج" من هذه الفقرة، يستمرّ عمل اليونيفيل بموجب ولايتها من خلال دورها التنظيمي والجهود التي تقوم بها من أجل تعزيز فعالية الآلية. كما وبموجب الفقرة العاشرة من الاتفاقية، على "إسرائيل" ولبنان إبلاغ اليونيفيل بأيّة انتهاكات مزعومة للاتفاقيّة.

مناورة لتوسيع نطاق عملياتها؟
طبعاً، بإمكان مجلس الأمن توسيع صلاحيات اليونيفيل ونطاق عملياتها بموجب قرار التجديد لولايتها. حتّى تاريخه، لقد تمّ تعديل مهام اليونيفيل في العام 1982 وفي العام 2000، كما جرى تعزيزها سنة 2006. لكن تجدر الملاحظة، إلى أنّ توسيع صلاحيات اليونيفيل يجب أن يحترم صلاحيات الجيش الوطني، كي لا تمارس جزءاً من صلاحياته السّياديّة. كما وأنّ توسيع صلاحيات اليونيفيل، يعني تعديل القرار 1701.

ففي الحالة الراهنة، إنّ الجيش اللبناني بالرغم من إمكانياته الضئيلة عديداً وعتاداً، هو منتشر في كافّة المناطق اللبنانيّة من ضمنها منطقة جنوب الليطاني، ويقوم بمهامه باحترافيّة عالية كضامنٍ للسلم الأهلي والأمن السيّادي إضافة إلى مهمّته الإضافيّة بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 واتفاقية وقف الأعمال العدائية المتفرّعة عنه. فالجيش اللبناني هو الطّرف شبه الوحيد الذي يقوم بالتنفيذ الفعلي للقرار 1701، خلافاً لأطراف النزاع بدءاً من العدوّ الإسرائيلي وصولاً إلى التنظيمات العسكرية اللبنانية وغير اللبنانيّة. الملاحظة الثانية، إنّ القرار1701في فقرته التنفيذية الثانية عشرة قد نصّ على أنّه بناءً لطلب الحكومة اللبنانية، يؤيّد نشر قوة دولية لمساعدتها على ممارسة سلطتها "في جميع أنحاء أراضي لبنان"، ويأذن لليونيفيل باتخاذ جميع ما يلزم من إجراءات (...). وعليه، لا ينحصر نطاق عمل اليونيفيل في جنوب لبنان، بل بإمكانها ممارسة مهامها في جميع الأراضي اللبنانية لمساعدة الدولة اللبنانية على بسط سلطتها.

وفي هذا الصّدد، ولحسن تطبيق القرار 1701، للحكومة اللبنانية، تنفيذاً للفقرة التنفيذية الرابعة عشرة منه والتي تطالب الحكومة اللبنانية بتأمين الحدود وغيرها من نقاط الدخول لمنع دخول الأسلحة أو ما يتصل بها من عتاد إلى لبنان دون موافقتها، الطلب من اليونيفيل مساعدتها، خصوصاً وأنّ مجلس الأمن قد طالب اليونيفيل بهذا الأمر بموجب الفقرة 14 المنّوه عنها أعلاه.

هذه المبادئ بخصوص انتشار اليونيفيل على كافّة الحدود والمناطق اللبنانية بناء لطلب الحكومة اللبنانية، قد عاد وأكّد عليها مجلس الأمن بموجب قراريه 2650 (الفقرتين 23 و25) و2695 (الفقرتين 22 و24) بشأن تمديد ولاية اليونيفيل لعامي 2022 و2023 والصادرين تحت الفصل السابع. كما وأنّ هذين القرارين قد كرّسا مبدأ " كفالة الاحترام التام لحرية اليونيفيل في التنقل" (بموجب الاتفاق المتعلّق بمركزها والمبرم بين لبنان والأمم المتحدة ووفقًا لولايتها ولقواعد الاشتباك الخاصة بها)، حيث لا تحتاج الى ترخيص أو إذن مسبق للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، بما في ذلك عن طريق السماح بمرور الدوريات المعلن عنها وغير المعلن عنها.

فلا شيء يمنع إذن الدولة اللبنانية من الطلب لليونيفيل الانتشار على الحدود الشرقية مع سورية، حرصاً على تطبيق القرار 1701، ومنع تمدّد الحرب إلى الحدود اللبنانية. إنّ الدور المناط باليونيفيل بموجب الفقرة 14 من القرار 1701، حريّ بوجوب التمديد لولايتها ولتعزيز عديد قواتها. نشير إلى أنّ التمديد لليونيفيل في 28 آب 2024 بموجب القرار 2749 قد تقرّر بإجماع كافّة أعضاء مجلس الأمن.

أمّا بشأن فرضيّة توسيع نطاق عمل اليونيفيل، كقوات حفظ سلام، يقتضي المنطق القانوني تواجدها ليس فقط في جنوب لبنان، بل أيضاً في منطقة جنوب الخطّ الأزرق أي في شمال فلسطين المحتلّة -"إسرائيل"، التي يجب أيضاً أن تكون منطقة منزوعة السلاح وتحت إشراف الأمم المتحدة. فلا يجوز أن تكون قوات حفظ السلام في ضفّة منطقة نزاع من دون تواجدها على الضفّة الأخرى، وذلك احتراماً للمبدأ الذي أرسته اتفاقية وقف الأعمال العدائية أنّه: "تسعى هذه الالتزامات إلى تمكين المدنيين على جانبي الخط الأزرق من العودة بأمان إلى أراضيهم ومنازلهم".

إنّ تصوير اليونيفيل كشرطيّ لحدود إسرائيل، أدّى إلى تكثيف الضغط على قواتها، وكأنّها قوّة قتالية يجب أن تتصدّى للتنظيمات العسكرية في جنوب لبنان. إنّ الحياديّة النسبيّة لليونيفيل، أدّى إلى تعرّضها للأسف للاعتداءات العسكرية الإسرائيلية، ممّا يؤشّر إلى انزعاج العدوّ الإسرائيلي من وجودها، ومن هنا مشروع "طردها" من جنوب لبنان عبر عدم التجديد لولايتها، وإلّا تعديل إطار ولايتها وقواعد الاشتباك الخاصّة بها لتصبح خارج إطار قواعد السيادة اللبنانيّة.

إنّ مطالبة الولايات المتّحدة بعدم التجديد لولاية اليونيفيل وبالتالي حلّها، ما هو إلّا انسحابها كطرف ضامن لاتفاقية وقف الأعمال العدائية، حيث تعتزم بموجبها مع فرنسا قيادة الجهود الدولية لدعم بناء القدرات والتنمية الاقتصادية في مختلف أنحاء لبنان لتعزيز الاستقرار والازدهار في هذه المنطقة. الجدير ذكره، أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي المموّل الأساسي لليونيفيل، حيث تعدّت مساهمتها الـ 131 مليون دولار ما بين عامي 2022 و2024 (ST/ADM/SER.B/1056). إنّ تقديرات التكاليف للإنفاق على اليونيفيل خلال فترة الاثني عشر شهراً الممتدة من 1 تموز 2025 إلى 30 حزيران 2026 والتي حدّدت بمبلغ 553،841،800 دولار أميركي (حسب توصية اللجنة للجمعية العامة A/79/724/Add.7) يصعب تأمينها بغياب مساهمة الولايات المتحدة.

يقتضي التنويه، أنّ من بين الدول العشرة (اندونيسيا، الهند، غانا، إيطاليا، نيبال، ماليزيا، إسبانيا، فرنسا، الصين، إيرلندا) التي يشارك جنودها الـ "10564" في اليونيفيل، عضوين دائمي العضوية في مجلس الأمن، حيث يبقى عليهما الرهان للتوصّل إلى تسوية تؤمّن استمرار اليونيفيل من أجل تطبيق القرار 1701 والمنبثقة عنه.

ويبقى السؤال، لماذا إثارة مسألة انسحاب قوات الطوارئ الدوليّة من لبنان يوم اجتهدت الحكومة اللبنانية وقرّرت سحب سلاح المنظمّات الفلسطينيّة من لكافّة الأراضي اللبنانيّة؟


المدن