من سوريا سينطلق التقسيم؟ - بقلم طوني عيسى

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, May 6, 2025

منذ سنوات، يمرّ الشرق الأوسط في مرحلة من التشظي السياسي والأمني. لكن التطورات المتسارعة في الأشهر الأخيرة، خصوصاً في سوريا، أطلقت مخاوف حقيقية من دخول المنطقة في اتجاهات تقسيمية قد تنتهي بإعادة رسم الخرائط الإقليمية بكاملها.

انطلاقاً مما بدأ يظهر في سوريا منذ أن سقط نظام بشار الأسد، يتداول الخبراء 3 سيناريوهات مستقبلية تبرز في بعضها هواجس التقسيم أو إعادة «تشكيل الجغرافيا السياسية»، للمرّة الأولى بهذا المقدار من الجدّية. والسيناريوهات هي الآتية:

1- إعادة ترتيب الوضع السوري من خلال تسويات كبرى، برعاية إقليمية ودولية، بحيث تُعاد هيكلة سوريا بدستور جديد مع حكم ذاتي للأكراد وضمانات واضحة للمجموعات الأخرى. فتبقى الحدود كما هي، لكن طبيعة مؤسسات الحكم تتغيّر.

2- «التقسيم الناعم والواقعي». ووفق هذا السيناريو، تترسخ مناطق النفوذ، سواء الحالية منها أو تلك التي يجري التحضير لها (الحكومة المركزية، الأكراد، الدروز، العلويون، ومناطق السيطرة التركية...) مع بقاء الشكل الرسمي للدولة موحّداً. ووفقاً لهذا السيناريو، تكون سوريا مقسّمة واقعياً ولكنها موحّدة رسمياً، ما يذكّر بوضع العراق بعد 2003 مع إقليم كردستان. وتدوم هذه الحال الملتبسة إلى أن تفرض المتغيّرات الإقليمية خيارات أخرى.

3- الدخول في مرحلة تفكيك حقيقية. ووفق هذا السيناريو تنفجر المواجهات بتداخلات إقليمية مباشرة، إسرائيلية - تركية - إيرانية، ما يدفع سوريا إلى انهيار كامل، يُنتج كيانات جديدة شبه مستقلة.

حتى الأمس القريب، كانت توقعات الخبراء تتأرجح بين خيار التسوية الكبرى التي تحفظ لسوريا حكمها المركزي، وخيار مناطق النفوذ التي لا تُمسّ فيها حدود الدولة. لكن التطورات الأخيرة المتسارعة في الملف الدرزي، والتي تتورط فيها إسرائيل مباشرة، بدأت تطرح جدّياً سيناريو التقسيم الرسمي في سوريا.

ولا يخفى موقف إسرائيل التاريخي الداعم للتقسيم. فهي في خرائط مشاريعها المستورة، تطرح نفسها دولة عظمى توسعية، تحوطها دويلات صغيرة وضعيفة قائمة على أسس مذهبية وطائفية وعرقية، يخاف بعضها بعضاً، وتتلقّى منها الحماية لتبقى على قيد الحياة. وهذه الكيانات منزوعة السلاح ولا تتلقّى دعماً من أي طرف إقليمي، وتحديداً تركيا أو إيران.

وسيُتاح للإسرائيليين تنفيذ مخططهم في حال واحدة: إذا وافقهم الأميركيون. وفي الواقع، للطرفين مصالح مشتركة في بعض انواع التقسيم في سوريا والعراق ودول شرق أوسطية أخرى. فهذا الخيار يقضي على حلم إيران الممتد عبر العراق وسوريا إلى لبنان. كما أنّ وجود الكيانات المحلية غير المركزية أو شبه المستقلة (مثل إقليم كردستان في العراق، أو الإدارة الذاتية الكردية في سوريا) يمنع تعملق الحكومات المركزية التي يمكن أن تكون «مصدر إزعاج» لإسرائيل والولايات المتحدة في المستقبل.

ولكن، حتى اليوم، هناك تباين أميركي- إسرائيلي إزاء خيار الوصول إلى التقسيم الرسمي. فالولايات المتحدة تدعم وحدة سوريا والعراق، ولو شكلاً، خوفاً من فراغ يؤدي إلى فوضى تستغلها إيران وتركيا. وأما إسرائيل، فلا تخفي ترحيبها بتفكّك الدولتين لإضعافهما وبروز دويلات طائفية أو إثنية.

ويختلف الطرفان خصوصاً على حدود الدور الكردي. فواشنطن تتردّد في دعم الدولة الكردية المكتملة المواصفات تجنّباً لغضب تركيا، فيما إسرائيل تدعمها.

وإذ تتعاطى إسرائيل مع ملفات سوريا ولبنان من منطلق كونهما بؤرتين يجب تأمينهما على حدودها، تنظر الولايات المتحدة إلى البلدين من منظور الاستقرار الاستراتيجي للأمن وإمدادات الطاقة.

والأفكار التقسيمية المتداولة لسوريا والعراق معروفة عموماً. وهي تتوزع كالآتي:

1- كردستان، وتشمل العراق وسوريا، وتمتد إلى تركيا وإيران. فمنذ الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق عام 2017، يعمل الأكراد على تحقيق استقلالهم.

2- دولة سنّية في العراق تشمل محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى. لكن الفكرة تلقى معارضة الحكومة وإيران.

3- دولة شيعية في جنوب العراق.

4- دولة سنّية في سوريا. والبعض يتحدث عن دولتين، إحداهما تقع تحت تأثير تركيا.

5- دولة علوية في الساحل السوري. وثمة من يعتقد أنّ الفكرة تحظى بدعم روسيا ضمناً، لتبقى لها نقطة تموضع استراتيجي على المتوسط.

6- دولة درزية في محافظة السويداء. وملامحها تتبلور بدعم إسرائيلي مباشر.

مسار هذه السيناريوهات يبقى حتى اليوم غامضاً. لكن بعض المحللين يعتقد أنّ التحولات التي ستُقبل عليها المنطقة ستبلورها الحروب الإسرائيلية في دول الشرق الأوسط، من غزة والضفة الغربية إلى لبنان وسوريا واليمن، وربما ساحات أخرى متعددة، إضافة إلى الملف الإيراني الذي ما زال قيد الإنضاج.

وفي أي حال، يبدو حتمياً أنّ الشرق الأوسط لن يبقى كما كان، واحتمالات التقسيم فيه لم تعد ضعيفة. وعندما يبدأ التفسخ في سوريا والعراق، فمن الحتمي التفكير في الانعكاسات المؤكّدة على لبنان وكل الكيانات التي رسمها الثنائي سايكس وبيكو ذات يوم، قبل أكثر من 100 عام.