“الحزب” يتلبنن… من موقع القوّة أم الضّعف؟- بقلم جوزفين ديب

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, February 25, 2025

كان جزء كبير من الطائفة الشيعية يوم الأحد على موعد مع لحظة الحقيقة. الحقيقة التي تأكّد فيها جمهور السيّد حسن نصرالله أنّ قائدهم لم يعد موجوداً بينهم. وإن كانت تلك اللحظة من أكثر المحطّات العاطفية في الوجدان الجماعي للشيعة، إلّا أنّها كانت اللحظة التي أعلنت الخاتمة، خاتمة المرحلة التي امتدّت من عام 2005، يوم خرج السوري من لبنان، وصولاً إلى لحظة اغتيال الأمين العامّ لـ”الحزب” في الحرب الإسرائيلية على لبنان.





شيّع جمهور “الحزب” قائده وخليفته الذي كان وحده قادراً على قيادتهم من بعده. وشيّعت الشيعية السياسية مرحلة حكمها وانطلقت في مسار جديد. وفي كلام الأمين العامّ الجديد الشيخ نعيم قاسم ما يكفي للإعلان الرسمي أنّ “الحزب” الذي كان أكبر الأحزاب العسكرية والأمنيّة في لبنان والمنطقة، والذي شارك في حروب خارج الأراضي اللبنانية، افتتح مسار “اللبننة”. لكن أراد قاسم الإيحاء بأنّه يذهب إلى اللبننة من موقع القوّة لا الضعف.

شيّع جمهور “الحزب” قائده وخليفته الذي كان وحده قادراً على قيادتهم من بعده. وشيّعت الشيعية السياسية مرحلة حكمها وانطلقت في مسار جديد
تمثيل رسميّ خجول

في حين حضر أهل الطائفة يوم الوداع الأخير، كانت الوفود الرسمية المدعوّة تحسب ألف حساب لحضورها. فغاب الحلفاء قبل الخصوم. حضر الرئيس نبيه برّي، وفي حضوره تربّع على زعامة الطائفة. أمّا حلفاء “الحزب”، الذين طالما استفادوا من نفوذه في حساباتهم الداخلية، فغابوا. غاب رئيس التيار الوطني الحر وغابت الشخصيات السنّية الحليفة لـ”الحزب” بعدما التحقت بغالبيّتها مع المسار الجديد للمنطقة. حضر رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية الذي طالما عرف بصراحته ووضوحه التامّ، وهو ما طالما دفع ثمنه في حسابات السياسة. الكراسي التي خصّصت للتمثيل الرسمي بقي نصفها فارغاً. حضر الحلفاء الإقليميون وغابت سوريا بعد سقوط الأسد.

وحدها بيئة “الحزب” بقيت وفيّة لقائدها، ورافقت نعشه حتّى المرقد الأخير. لم يكن وداعه فقط سبب مرارة أهله، بل جاء وداعه تحت سطوة طائرات الـ F35 نفسها التي اغتالته.

بقبضات المقاومة سجّل جمهور نصرالله تمسّكهم باستمرار “العهد”، لكنّ الرسالة الدولية كانت أقوى. بمرارة يقول مصدر مقرّب من “الحزب” إنّ الرسالة الدولية جاءت لتؤكّد أنّ لبنان أصبح تحت رعاية دولية. فتشييع السيّد جرى تحت عيون الدول الراعية للبنان الجديد. ومع انتهاء أحد التشييع، وعودة الجميع إلى منازلهم، بدأت مرحلة جديدة ستبدو عناوينها في المقبل من الأيّام.

في حين حضر أهل الطائفة يوم الوداع الأخير، كانت الوفود الرسمية المدعوّة تحسب ألف حساب لحضورها. فغاب الحلفاء قبل الخصوم
بين عون وإيران

قبل مشاركته في التشييع، زار الوفد الإيراني قصر بعبدا حيث التقى رئيس الجمهورية جوزف عون. في اللقاء سمع الوفد الإيراني كلاماً واضحاً. ليس موقف عون سوى تعبير صريح وواضح عن خيارات لبنان الجديدة. لا صوت يعلو فوق صوت الدولة. ولا قوّة تحدّد خيار الحرب والسلم سوى الحكومة، ولا ربط لساحة لبنان بأيّ ساعة إقليمية. هذه الثوابت وصلت إلى الوفد الإيراني الذي فهم رسالة لبنان الرسمي جيّداً، وفهم لماذا “تعب لبنان من حروب الآخرين على أرضه”. ولكن، في الوقت عينه، كان كلام عون عن وحدة اللبنانيين واضحاً، لجهة عدم التخلّي عن أيّ فريق. وفي تأكيده أنّ وحدة اللبنانيين أفضل مَن واجه أيّ عدوان ضمانةٌ أنّ “الحزب” بعمقه اللبناني معنيّ بالمواجهة تحت سقف الدولة.

قال مصدر سياسي لـ”أساس” إنّ تأكيد عون أنّ لبنان قدّم الكثير للقضيّة الفلسطينية، وأنّه يلتزم إعلان الرياض عن حلّ الدولتين، قد ثبّت تموضع لبنان المختلف على الخريطة الإقليمية. وهو ما برز أيضاً ولو بشكل مختلف في كلام نعيم قاسم خلال التشييع.

مصدر سياسي لـ”أساس”: تأكيد عون أنّ لبنان قدّم الكثير للقضيّة الفلسطينية، وأنّه يلتزم إعلان الرياض عن حلّ الدولتين، قد ثبّت تموضع لبنان المختلف على الخريطة الإقليمية
ثوابت “الحزب” الأربعة

قالت مصادر مقرّبة من “الحزب” لـ”أساس” إنّ “الحزب” أراد أن يثبّت مجموعة منطلقات للمرحلة المقبلة:

أوّلاً: استعداده للانضواء تحت سقف الدولة وانفصاله عن الحسابات الإقليمية، لكن من موقع القويّ لا الضعيف.
ثانياً: إنّ خسارة “الحزب” في الحرب لا تعني خسارته كلّ مكتسباته الداخلية ونفوذه بما هو شريك أساسيّ في الدولة.
ثالثاً: إنّ تثبيت الشرعية الشعبيّة لـ”الحزب” في التشييع يمنع على أيّ أحد أن يتخطّاه في معادلات داخلية إقصائيّة.
رابعاً: استعداده لمناقشة السلاح ضمن استراتيجية دفاعية، لا على طاولة تنفيذ القرارات الدولية التي تسعى إلى نزعه.
إقرأ أيضاً: “أمّة نصرالله” في تشييعه: “فرصة” للدبلوماسيّة!

بدت هذه الرسائل واضحة في كلام الشيخ نعيم قاسم، ومن خلفه مجلس شورى “الحزب”. وفي المعلومات أنّ “الحزب” والحركة، وعلى الرغم من تحالفهما الدائم كما أكّد قاسم، إلا أنّهما افتتحا معركة الاستعداد للانتخابات البلدية والاختيارية، وبينهما تباينات كبرى ستظهر تباعاً.