السؤال البديهي هو: في أيّ وجهة سيستثمر “الحزب” الاستفتاء الشعبي الذي ينظّمه غداً في تشييع السيّدين حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين؟ هل يوظّفه في الداخل أم في ترميم قدرة إيران على معاكسة التحوّلات والضغوط الإقليمية لتعويض ما خسرته؟
تراهن طهران و”الحزب” على استعادة دورهما عبر تحويل موقع مواراة السيّد في الثرى إلى مزار يعلن نفوذها في لبنان والعراق واليمن… والهدف الرئيس الإبقاء على سلاح “الحزب”.
سيعقب تشييع نصرالله وصفيّ الدين تركيز الأنظار على مناقشات المجلس النيابي للبيان الوزاري للحكومة. لا يتضمّن نصّه عبارة “حقّ الشعب بمقاومة الاحتلال” كما في البيانات الوزارية السابقة، التي استند إليها “الحزب” للاحتفاظ بسلاحه.
غابت “المقاومة” ولم تغِب حجّة “الحزب”
استخدم البيان الوزاري صياغات دقيقة في ما يخصّ الاحتلال الإسرائيلي، إذ نصّ على الآتي: “التزام الحكومة، وفقاً لوثيقة الوفاق الوطني في الطائف، باتّخاذ الإجراءات اللازمة كافة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على أراضيها، بقواها الذاتيّة، ونشر الجيش اللبناني في مناطق الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً. وتؤكّد حقّ لبنان في الدفاع عن النفس في حال حصول أيّ اعتداء، وذلك وفق ميثاق الأمم المتحدة. وتدعو إلى تنفيذ ما ورد في خطاب القسم لرئيس الجمهورية عن حقّ الدولة في احتكار حمل السلاح”. كما شدّد على “أنّنا نريد دولة تملك قرار الحرب والسلم، جيشها صاحب عقيدة قتالية دفاعية يحمي الشعب ويخوض أيّ حرب وفقاً لأحكام الدستور”. نعيم قاسم والميثاق الأمميّ
تمّت الصياغة بموافقة الوزراء الأربعة الذين سمّاهم “الحزب” ورئيس البرلمان نبيه بري. إلّا أنّ أوساطاً سياسية لا تستبعد أن يستنجد “الحزب” بعبارات تحتمل التأويل لتسويغ شعاره الذي لم يتوقّف الأمين العامّ الشيخ نعيم قاسم عن ترداده: “المقاومة لم تنهزم وستبقى”. تدقيق الأوساط السياسية نفسها في إرجاع “حقّ لبنان في الدفاع عن النفس…” إلى ميثاق الأمم المتحدة طرح سؤالاً عن إمكان الاستناد إليه من قبل “الحزب”. فلطالما ردّدت قيادته على مرّ السنين أنّ المواثيق الدولية تتيح للشعوب حقّ المقاومة. الفقرة الوحيدة التي تتناول ما يستند إليه “الحزب” من الميثاق هي ما جاء في المادّة الـ51 من الفصل الثامن منه، التي تؤكّد أن “ليس في هذا الميثاق ما يُضعف أو ينتقص الحقّ الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوّة مسلّحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتّخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليَّين”.
آخر مناسبات التسلّح بالميثاق الأممي كانت في 16 شباط الجاري، عشيّة إقرار الحكومة البيان الوزاري بقول الشيخ قاسم: “لا أحد يستطيع منع حقّ الشعب اللبناني أن يواجه العدوّ الإسرائيلي، وهو مُكرّس بالدستور والبيانات الوزاريّة والطائف، وحتى بالأمم المتحدة”.
عون: اللّبنانيّون لا يريدون الحرب
جاء الردّ غير المباشر واضحاً في موقف رئيس الجمهورية العماد جوزف عون في 18 شباط، غداة إقرار الحكومة البيان، بقوله إنّ “الدولة باتت مسؤولة عن ضبط الأمن والحدود بعدما استعادت قرارها، وهو قرار اللبنانيين وليس غيرهم”. ودعا إلى “مقاربة الوضع برويّة ومن دون تشنّج ولا تخوين للآخر. اللبنانيون لا يريدون الحرب ولا العيش بين المتاريس، ولذلك اعتمدنا الخيار الدبلوماسي. لقد دفع اللبنانيون الثمن غالياً ويحقّ لهم العيش بأمان”. تأويلات البيان الوزاريّ وترقّب التّشييع
في المقابل يقول دبلوماسي لبناني مخضرم أدّى قسطاً من خدمته في الأمم المتحدة إنّ ميثاقها الذي صيغ عام 1945 هدف إلى منع الحروب إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، هو بمنزلة عقدٍ بين الدول للحؤول دون النزاعات، ولا يعني المجموعات المسلّحة. فالموادّ التي تسبق المادّة 51 تتناول تنظيم وتقنين حلّ النزاعات بالتفاوض وعبر أجهزة الأمم المتحدة المختلفة.
هذا علاوة على أنّ المادّة نفسها تنهي حقّ الدفاع عن النفس عند وضع مجلس الأمن يده على النزاع واتّخاذه “التدابير اللازمة”. وفي حالة الصراع اللبناني مع إسرائيل لاحتلالها أراضيه، تولّى المجلس هذه المهمّة باتّخاذه سلسلة قرارات منذ 1978، وأهمّها القرار 1701 وغيره من القرارات.
مع أنّ الدبلوماسي نفسه كان يفضّل تجنّب ذكر ميثاق الأمم المتحدة في البيان الوزاري، حتى لا يخضع الأمر للتأويلات والتكهّنات، فإنّه يتّفق مع زميل آخر له على أنّ نصّه هو إعلان نوايا. والأهمّ من البيان هو ما يتّفق عليه الفرقاء اللبنانيون. ويدعو الدبلوماسي إلى انتظار ما سيحمله التشييع غداً من مواقف، ثمّ انعكاساتها على الكلمات التي ستتخلّلها جلسات البرلمان بعد 48 ساعة. ومراسم دفن نصرالله وصفيّ الدين هي مناسبة إيرانية بقدر ما هي لبنانية تتعلّق بدور “الحزب” المستقبليّ. اختبار تفكيك البنية العسكريّة
بينما يبدو تفكيك البنية العسكرية لـ”الحزب” جنوب الليطاني مسألة لا ردّ لها، فإنّ التسريبات عن أنّ واشنطن طلبت تسلّم الجيش اللبناني المنطقة خلال شهر تفترض تجاوب “الحزب”، وهو سبق أن سلّم بذلك. أمّا في شمال الليطاني، فإنّ حجّة “الحزب” هي أنّ إبقاء السلاح عامل ضغط لضمان الانسحاب الإسرائيلي الكامل وترسيم الحدود البرّية.
سبق للشيخ نعيم قاسم أن علّق على استمرار احتلال إسرائيل التلال الخمس على الحدود بقوله: “نحن المقاومة نتصرّف بحسب تقديرنا في الوقت المناسب… وأدعوكم إلى ألّا تختبروا صبرنا”. مقابل الرهان على أنّ “الحزب” لن يغامر بالردّ على احتلال التلال الخمس، وسينصرف إلى لملمة خسائر الضربات، لا يستثني خصومه إمكان استجابته لطلب إيران تحريك الجبهة في حال احتاجت إلى ذلك في صراعها مع إدارة الرئيس دونالد ترامب.