بعد أشهر قضاها تحت الأرض.. تفاصيل جديدة عن مقاتل الحزب "الناجي"

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, February 19, 2025

وسط هول الدمار وصدمة البلدات، التي استحالت عدما، بحكم قصف الجيش الاسرائيلي، والتفجيرات التي قام بها، صرخة واحدة تردد صداها في قرى الجنوب اللبناني، وربما على نطاق أبعد: "محمد عايش!".

محمد ضاهر هو شاب من كفركلا، مقاتل في حزب الله - في أوائل العشرينيات من العمر. المشاهد التي انتشرت له تبيّنه بلحية كثيفة وبشعر طويل، يرتدي بنطالا من جينز. يكاد وهو محمول على الأكتاف احتفاء بنجاته، لا يصدّق أن الأيام والأسابيع والأشهر التي قضاها تحت الأرض انقضت، وأنه بقي حيا رغم كل التفجيرات الإسرائيلية وتمكن مرة أخرى من رؤية الشمس بعد فترة طويلة تحت أرض مليئة بالأنقاض والدمار.

كان محمد في عداد مقاتلي حزب الله القتلى المفقودين- شأنه شأن المئات وربما الآلاف من مقاتلي الحزب، الذين بقوا وحدهم في القرى الحدودية، في مهمة قتالية ضد إسرائيل.

قُتل عدد كبير منهم بالغارات والاستهدافات الإسرائيلية. ثم دخل الجيش الإسرائيلي وسيطر على بلدات لأشهر، كان خلالها ينفذ تفجيرات كبيرة للمباني والمنازل، بحجة أن فيها أنفاق من ضمن البنى العسكرية لحزب الله. كفركلا- حيث عُثر على محمد، من البلدات المهدّمة بالكامل، والذي لم تُبق فيها إسرائيل أي مبنىً صالح للسكن.

لم يُحص بعد عدد مقاتلي حزب الله، الذين سقطوا في أشهر الحرب الأخيرة، وفي ما بعد- في التفجيرات التي وقعت في فترة وقف إطلاق النار. فالحزب لم يُقدم بعد حصيلة نهائية لعدد قتلاه، كما أن البحث لا يزال جاريا عن رفاة، أو آثار لمقاتلين قُتلوا وقد تحلّلت جثثهم في أرض المعركة، التي تحولت فيما بعد إلى أرض محتلة ومنكوبة.

محمد يُعدّ من بين هؤلاء. لكن يوم الثلاثاء وفي أول صباح يعود فيه الأهالي إلى بلدتهم كفركلا، على الشريط الحدودي، إثر انسحاب الجيش الإسرائيلي منها، ظهر محمد من جديد، من تحت أنقاض منزل جده، بصحة جيدة.

وانتشرت معلومات عن العثور عليه، وعلى شاب آخر من البقاع كان برفقته. لكن أي معلومات عن زميله لم تخرج وتركّز الاهتمام على محمد، الذي عُثر عليه في الساعات الأولى من اليوم، عندما كان الجيش لا يزال يمنع الأهالي من الدخول إلى البلدة، بسياراتهم لحين مسح البلدة، للتأكد من عدم وجود متفجرات، فدخل بعض الأهالي سيرا على الأقدام، من ضمنهم أهل محمد.

لم نتمكن من التواصل مباشرة مع محمد وأي من أهله. لكننا تحدثنا إلى شخص يعرفهم عن قرب- وهو من أهالي كفركلا.

وبحسب ما أخبرنا فإن محمد بقي تحت الأرض، لنحو خمسة أشهر، وليس ثلاثة، كما تردد في بعض وسائل الإعلام.

وبحسب ما رُوي لنا فإن منزل أهل محمد مبنى في الخمسينيات من القرن الماضي. في ذاك الوقت كان الناس يبنون ملاجئ تحت الأرض باتت لاحقا تُستعمل مخزن طعام ومؤؤنة للعائلات تكفيهم لفترات طويلة. وبحسب ما قيل لنا فإن المنزل الملاصق لمنزل محمد، هو أيضا مبنى بنفس الطريقة وفي أسفله مخزن مؤونة. فعندما وقع المنزل نتيجة القصف أو التفجير، بقي محمد في ذلك الملجأ – القبو.

لا يمكن فعليا التأكد من الرواية ولا من روايات كثيرة ترددت بشأن محمد. ولكن قصته الأشبه بالخيال، تركت أثرا عميقا عند كثر، تناقلوا معلومات، لا يُعرف مدى صحتها.

طمنوني عن السيّد

بحسب إحدى الروايات المُنتشرة، فإن محمد وبعد إنقاذه من تحت المنزل، سأل عن الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي اغتالته إسرائيل في 27 سبتمبر أيلول الماضي.

وقد زُعم أنه قال: "طمنوني عن السيد".

وهو دليل، بحسب متناقلي الرواية، على انقطاعه الكامل أثناء كل الفترة، التي كان فيها عالقا تحت الأرض عن أي شيء يحدث فوقها.

ساعات طويلة بعد انتشار الخبر، كان شبان من القرى الحدودية، لا يزالون يتحدثون بذهول عن قصة "محمد".

عندما سألتهم ماذا عُرف عن قصته، قال لي أحدهم بثقة: "أكيد أن هناك أكثر بكثير من محمد وأنهم وُجدوا أحياء. ولكن هناك تكتّم على الموضوع".

ثم أسهب آخر في شرح أن ما أنقذ محمد أنه بالفعل كان منقطعا عن كل شيء، ولذلك لم يتمكن الإسرائيليون من العثور عليه. لكنه توقف لحظة ليستغرب مجددا: "حتى الكلاب البوليسية لم تتمكن من شم أثره".

حملنا الكلام للحديث عن وجع الأمهات، اللواتي لم يجدن أي أثر أو رفات لأولادهن، وللحديث عن الحرب وعن مواصلة إسرائيل، لاحتلال نقاط في لبنان وعن تفوّقها التكنولوجي الهائل.

عندها قال لي أحدهم: "نحن لن نتمكن يوما من مجاراة إسرائيل تكنولوجيا. لذلك في المستقبل سيكون النموذج على طريقة محمد. نحارب التكنولوجيا بأن نتخلى عنها بالكامل. نخرج هكذا دون أي دليل على أثرنا وندافع عن الأرض".


BBC