على هامش التشبيح السياسي الذي شهده قصر بعبدا أمس، يمر لبنان في مرحلة دقيقة تحتاج إلى حكومة قادرة على العمل بفعالية لإعادة الإعمار وإنقاذ الاقتصاد المنهار، لكن الثنائي السياسي الذي يسمي نفسه تجاوزاً الثنائي الوطني، يستمر في تعطيل تشكيل الحكومة عبر الإصرار على توزير شخصية شيعية خامسة، ما يكشف عن نوايا تتجاوز مجرد التمثيل الوزاري العادل إلى فرض هيمنة سياسية مطلقة على القرارات الحكومية.
إن تمسك هذا الثنائي بالحصول على وزير شيعي إضافي، ليس مجرد مطلب تقني، بل هو رسالة واضحة مفادها أن الحكومة لن تعمل إلا وفق شروطه. هذا الإصرار يعني عملياً فرض الفيتو على القرارات الوزارية، مما يحول الحكومة إلى رهينة بيد جهة واحدة، تتحكم في مسارها وتعطل أي قرار لا يخدم مصالحها السياسية.
وفي الوقت الذي يعاني فيه اللبنانيون من أزمات معيشية خانقة، فإن التعطيل الممنهج للحكومة يمنع تنفيذ الإصلاحات الضرورية ويؤخر مشاريع إعادة الإعمار، كما يعرقل أي تقدم نحو اتفاق وقف إطلاق النار الذي يُعد مطلباً دولياً وإقليمياً ملحاً. فبدلاً من السعي إلى حلول تُنهي المعاناة، يُمعن هذا الثنائي في الغرق في مأساة الهزيمة، لتحقيق مكاسب سياسية خاصة، تعوض ما خسره بفعل الرهانات الخاطئة.
يهدف الثنائي إلى تكريس احتكار القرار السياسي للطائفة الشيعية، وتحويله إلى سلاح في المعادلات الداخلية والخارجية. من خلال فرض مرشحيه وحجب التمثيل عن أي طرف شيعي آخر، يسعى إلى الإبقاء على نفوذه المطلق داخل الطائفة، بما يحوّل أي خلاف سياسي إلى معركة محسومة مسبقاً لصالحه.
لكن هذه السياسة لا تعكس الإرادة الحقيقية لجميع أبناء الطائفة الشيعية، الذين يطمحون إلى تنوع سياسي يسمح بتمثيل أوسع لمختلف الآراء والاتجاهات. ومن هنا، فإن أي محاولة لاحتكار القرار الشيعي وتحويله إلى أداة في يد جهة واحدة، هي انقضاض واضح على الديمقراطية وتعددية الطائفة.
في ظل هذه الممارسات، بات واضحاً أن هناك توجيهاً دولياً بعدم منح هذا الثنائي حق التعطيل، نظراً لتداعياته الكارثية على استقرار لبنان. فالتوجه الدولي بات يدعم حكومة قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة، دون خضوع لابتزاز سياسي يعرقل أي خطوة نحو التعافي.
إن ما يفعله هذا الثنائي ليس سوى هروب إلى الأمام، وإمعان في التشبيح السياسي، بهدف فرض واقع سياسي جديد يكون فيه صاحب الكلمة الفصل في كل مفاصل الدولة. غير أن لبنان لا يمكن أن يستمر تحت هيمنة منطق التعطيل والعرقلة، بل يحتاج إلى رؤية وطنية تنقذه من الانهيار، بعيداً عن الحسابات الفئوية الضيقة.