صدمة "ديب سيك"... هل يستمر زلزال أسواق التكنولوجيا والمال؟
شارك هذا الخبر
Sunday, February 2, 2025
فاجأت الصين العالم واقتربت كما روج البعض من قلب موازين الذكاء الاصطناعي العالمية عبر روبوتها للدردشة "ديب سيك DeepSeek"، الذي أحدث ضجة كبرى وأثار قلقاً أميركياً وصدمة في الأسواق المالية كونه يهدد عرش روبوت الدردشة الأميركي "تشات جي بي تي". وكان لافتاً إصدار البحرية الأميركية تعليمات لأفرادها بعدم استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي التابعة لشركة "ديب سيك" الصينية تحت أي ظرف، متحدثةً عن مخاوف أمنية وأخلاقية محتملة تتعلق بمصدر النموذج واستخدامه. وتزامن هذا الأمر مع تساؤلاتٍ اقتصاية حول مدى تأثير الإعلان الصيني على الأسواق وإن كانت منتجات الذكاء الاصطناعي الصينية تهدد بالفعل التفوق الأميركي في هذا المجال.
صدمة عالمية صعدت شركة "ديب سيك" الصينية، وهي شركة ناشئة مقرها هانغتشو وتأسست في عام 2023، خلال الأيام القليلة الماضية إلى قمة مخطط متجر التطبيقات "أبل" المجانية بعد إصدار نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر جديد تقول إنه ينافس تقنيات شركة "أوبن إي أي" الأميركية.
وتسبب هذا الأمر بانخفاض أسهم شركات التكنولوجيا، بما في ذلك أسهم شركة "نيفيديا" الرائدة في تصنيع شرائح الذكاء الاصطناعي، وهذا ما يعزوه الخبراء إلى التهديد الكبير الذي يشكله روبوت الدردشة "ديب سيك" لهيمنة التكنولوجيا الأميركية وامتلاك ثورة الذكاء الاصطناعي. كما أن صعود هذا الروبوت إلى قمة مخططات التنزيل في متجر "أبل" أذهل المطلعين والمحللين في الصناعة وسط الحديث عن قدرته على مضاهاة منافسيه في الولايات المتحدة.
ما هو "ديب سيك"؟ تقول شركة "ديب سيك" الناشئة إن نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، "ديب سيك في 3" و"ديب سيك أر 1" شبيهة بالنماذج الأكثر تقدماً من شركتي "أوبن إي أي" و"ميتا" الأميركيتين.
وما يثير الإعجاب بحق هو الكلفة التي أنفقتها الشركة الصينية، إذ تبلغ تكلفة تدريب نموذج "ديب سيك في 3" أقل من 6 ملايين دولار. في المقابل، أنفقت "أوبن إي أي" أكثر من 100 مليون دولار لتدريب أحدث إصدار من روبوتها "تشات جي بي تي".
من هذا المنطلق، يقول الخبراء إن التكنولوجيا الصينية الجديدة مثيرة للإعجاب، لا سيما وأن "ديب سيك" تقول إنها استخدمت شرائح أقل تقدماً لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
ورغم القيود التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن والتي حدّت من تصدير بعض شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى بكين، تمكنت "ديب سيك" من إطلاق نموذج أرخص من طراز" OpenAI o1" بنحو 20 إلى 50 مرة، اعتماداً على المهمة.
خسائر فادحة هذا التطور الصيني انعكس كارثياً على الأسواق المالية، إذ أنهت شركة تصنيع الرقائق "نيفيديا" مطلع الأسبوع الفائت بانخفاض وصل إلى 17 في المئة، ما أدى إلى محو ما يقارب من 600 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة، وهي خسارة قياسية في يومٍ واحد.
كما انخفض سهم شركة "أوراكل"، التي دخلت في شراكة مع "سوفتبانك" و "أوبن إي أي" في مشروع "ستارغيت" الذي أعلن عنه الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الماضي، بنحو 14 في المئة.
وتكبد المستثمرون في التكنولوجيا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي أكبر الخسائر، حيث تبخر 95 مليار دولار من الثروة، فيما تحملت سوق الأسهم الأميركية العبء الأكبر من الضرر وانخفضت بنسبة 31 في المئة، وكشفت وكالة "بلومبرغ" الأميركية أن أغنى 500 شخص في العالم خسروا قرابة 108 مليار دولار يوم الإثنين الماضي على خلفية دخول "ديب سيك" سوق الذكاء الاصطناعي من بابه العريض ومنافسة كبرى الشركات الأميركية.
وحسب الخبراء في بورصة وول ستريت، ينبغي للأسواق في الأمد القريب أن تستعد لفترة من التقلبات مع إعادة تقييم المستثمرين لقيمة الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي. وقد تشهد شركات التكنولوجيا العملاقة مثل "نيفيديا" و"برودكوم" و"أس إم إل"، التي تعد من أبرز مقدمي تقنيات أشباه الموصلات، انخفاضاً مستمراً في قيمتها. لكنهم يجزمون أن هذا التصحيح لن يستمر طويلاً، وقد يخلق في الأمد المتوسط بيئة أكثر ملاءمة للابتكار، من خلال تحفيز نماذج الذكاء الاصطناعي الأقل تكلفة والأكثر استهدافاً.
التفوق الصيني.. حقيقة واقعة؟ بعد كل ما ذكرناه آنفاً لا بد من التأكيد أن نموذج "ديب سيك" يمثل إنجازاً فريداً، لكن ادعاءات الشركة حول التكلفة وكفاءة التطوير لم تتم مراجعتها أو التحقق من صحتها بشكلٍ مستقل. وفوق ذلك يدّعي بعض قادة التكنولوجيا في "وادي السيليكون" بأن الشركة الصينية تحايلت على ضوابط التصدير الأميركية من خلال الحصول على وحدات معالجة رسوميات H100 ذات الأداء الأعلى.
ولا يزال نجاح "ديب سيك" يعتمد على الوصول إلى وحدات معالجة الرسوميات لبناء نماذجها. وطالما تعتمد الصين على الولايات المتحدة ودول أخرى للحصول على تكنولوجيا وحدات معالجة الرسوميات المتقدمة، فإن تقدمها في مجال الذكاء الاصطناعي سيظل مقيّداً، كما من المرجح أن تلعب ضوابط التصدير الأميركية الحالية دوراً أكثر أهمية في إعاقة المرحلة التالية من تطوير نموذج الشركة.
من ناحيةٍ ثانية، من غير المرجح أن تعتمد الشركات الأميركية على نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني حتى لو كان مفتوح المصدر وأرخص، وذلك يعود لأن خصوصية البيانات والحوكمة تظل من أهم الأولويات بالنسبة لمعظم الشركات. وعلى الرغم من أن طبيعة "ديب سيك" مفتوحة المصدر تسمح نظرياً باستخدامه محلياً دون إرسال البيانات إلى الصين، إلا أن المخاطر المتصورة المرتبطة بأصلها قد تردع العديد من الشركات عن استخدامها.
أما إذا وصلت "ديب سيك" إلى مستوى من التطور يهدد هيمنة الذكاء الاصطناعي الأميركية، فمن المحتمل أن تواجه مصيراً مشابهاً لـتطبيق "تيكتوك" أو معدات الاتصالات من "هواوي"، خصوصاً أن الولايات المتحدة تحركت تاريخياً ضد التطبيقات أو التقنيات التي تتخذ من الصين مقراً لها والتي تعتبرها تهديداً للأمن القومي.
ويمكن للولايات المتحدة حذف التطبيق من متاجر التطبيقات، أو تقييد تقنيته على منصات أخرى بموجب القانون الأميركي. ومن شأن مثل هذه الخطوات أن تعقد قدرة الشركة الصينية على اكتساب تبني واسع النطاق داخل الولايات المتحدة والأسواق الحليفة.
وأخيراً توفر البنية التحتية الشاملة لقطاع التكنولوجيا الأميركي، والتمويل، والسوق المتنوعة ميزةً كبيرة، في حين لا تزال الصين متأخرة في إنتاج وحدات معالجة الرسوميات والمنافسة المتنوعة. كما تعني طبيعة "ديب سيك" المفتوحة المصدر أن الباحثين والمطورين الأميركيين يمكنهم الاستفادة من ابتكارات الشركة لتحسين وتعزيز نماذجهم الخاصة، وتحويل ما يراه البعض تهديداً إلى فرصة للتقدم.
ضوابط تصدير الشرائح للصين يجدر التأكيد على أن "ديب سيك" استحوذت على معظم الشرائح التي استخدمتها لتدريب نموذجها الجديد عندما كان بيعها للصين لا يزال قانونياً. ورغم أن ضوابط التصدير فُرضت لأول مرة في عام 2022، إلا أنها لم تبدأ في إحداث تأثير حقيقي إلا في تشرين الأول 2023. هذا ودخلت قيود التصدير الأخيرة التي أصدرتها إدارة بايدن حيز التنفيذ منذ فترةٍ قصيرة، ما يجعل من السابق لأوانه استنتاج فشل أو نجاح تدابير مراقبة الصادرات، ناهيكَ بأنه إذا اعتقد صناع السياسات أن النموذج الصيني يشكل تهديداً مشروعاً، فيمكنهم استخدام تدابير مستهدفة إضافية، مثل تقييد تصدير الرقائق القديمة والأجهزة الأخرى.
والحال أن ضوابط التصدير الأميركية تبطئ بلا شك محاولة الصين نشر أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية في اقتصادها وجيشها. ففي نهاية المطاف، تختلف كمية قوة الحوسبة اللازمة لبناء نموذج واحد مثير للإعجاب اختلافاً كبيراً عن كمية قوة الحوسبة اللازمة كي تكون المزود المهيمن لنموذج الذكاء الاصطناعي لمليارات البشر في جميع أنحاء العالم.