الأسواق الناشئة في مرمى التهديدات بحرب تجارية بين أميركا والصين

  • شارك هذا الخبر
Friday, January 31, 2025

تواصل الأسواق الأميركية التفوق، إذ حققت الأسهم مكاسب تفوق نظيراتها العالمية بنسبة 20 في المئة خلال العام الماضي، ومع ذلك يبقى العجز في الميزان التجاري الأميركي، وهو مؤشر محوري بالنسبة إلى الرئيس المنتخب دونالد ترمب، نقطة ضعف بارزة. في حين يتوقع أن يؤدي هذا الوضع إلى فرض تعريفات جمركية جديدة تركز على الصين، لكن اللافت أن التداعيات الأكبر قد لا تظهر داخل الصين نفسها، بل ستتجلى بصورة أوسع في بقية الأسواق الناشئة لخمسة أسباب رئيسة، تشمل اضطرابات اقتصادية محتملة وتأثيرات في حركة التجارة والاستثمار.

وقال رئيس استراتيجيات الأسواق الناشئة متعددة الأصول في "يو بي أس" مانيك نارين في مقال لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إن التأثيرات التضخمية للصادرات الصينية تقود الأسواق الناشئة.

وتشهد الصين حالياً أقوى موجة انخفاض تضخمي لصادراتها منذ 30 عاماً، إذ تراجعت أسعار الصادرات بنسبة 18 في المئة من ذروتها بعد جائحة كورونا، مقارنة بانخفاض عالمي بنسبة 5 في المئة وفقاً لتحليل لبيانات "سي بي بي وورلد تريد مونيتور". هذا التراجع الفعلي في قيمة اليوان الحقيقي يعزز الهيمنة الصينية على الصادرات بمستويات لم تشهدها الأسواق منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية.

وارتفعت أحجام الصادرات الصينية بنسبة 38 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، مقارنة بزيادة لا تتجاوز 3 في المئة عالمياً، إذ وجه الجزء الأكبر من هذا التدفق إلى الأسواق الناشئة، الأمر يتجاوز مجرد إعادة توجيه المنتجات الصينية الموجهة سابقاً إلى الولايات المتحدة، وهو ما يعكس استمرار تقدم الصين في سلسلة القيمة الصناعية وتصدير فائض الطاقة الإنتاجية.

وفي حين أن فرض دونالد ترمب لتعريفات جمركية جديدة سيعزز هذا الاتجاه، مما يؤثر في الإنتاج والاستثمارات الرأسمالية في الأسواق الناشئة، إلا أن هذه الرسوم قد تكون تضخمية للاقتصاد الأميركي، وتؤدي إلى نتائج عكسية في تلك الاقتصادات الناشئة، مما يعزز الانكماش الاقتصادي فيها.

تأثيرات واسعة على الأسواق الناشئة

قد تسرع التعريفات الجمركية الجديدة من التباطؤ في واردات الصين، والذي كان متوقعاً بالفعل، وحتى الآن، ظل استيراد السلع الأساسية منفصلاً عن التباطؤ الاقتصادي الصيني بسبب الاستثمارات القوية في البنية التحتية والتصنيع، إلا أن فرض تعريفات جديدة سيزيد من الضغوط المالية ويضعف الربحية، مما يعقد من قدرة الاقتصاد الصيني على الصمود.

في حين أن المنافسين الصناعيين للصين كانوا الأكثر تضرراً حتى الآن، فإن المرحلة المقبلة من التباطؤ قد تؤثر سلباً في مصدري السلع الأساسية أيضاً، إذ لن يتمكن التحفيز المالي من تعويض هذه التأثيرات. واليوم يتحول التركيز نحو الاستهلاك، مما يفيد شركات الإنترنت والمستهلكين الذين يهيمنون على الأسهم الصينية، لكنه لا ينعكس بصورة إيجابية على الأسواق الناشئة الأخرى.

وقال نارين إنه مع تباطؤ النمو في أجزاء كبيرة من الاقتصادات النامية تجد الأسواق نفسها في موقف ضعيف للتعامل مع احتمال نشوب "الحرب التجارية الثانية".

ووفقاً لنارين يتطلب هذا الوضع دعماً أقوى من خلال سياسات نقدية ميسرة، لكن استمرار ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية يحد من قدرة الأسواق الناشئة على اتخاذ هذه الخطوة من دون التأثير سلباً على العملات وفوارق الائتمان في بعض الحالات.

الأسهم الصينية لم تتعافَ من الحرب التجارية الأولى

وتشكل القطاعات الحساسة للتعريفات الجمركية مثل السيارات والصلب والبنية التحتية للنقل والمعدات الكهربائية نسبة أعلى من الأسهم في الأسواق الناشئة، خصوصاً خارج الصين، مقارنة بالاقتصادات المتقدمة. في حين تبدو هذه الهشاشة جلية في تقييمات الأسهم الصينية التي لم تتعافَ من تداعيات "الحرب التجارية الأولى"، بينما ارتفعت تقييمات الأسواق الناشئة الأخرى بنسبة 30 في المئة على رغم استقرار العائد على حقوق الملكية من دون تغيير.

تواجه الأسواق الناشئة خارج الصين مفاوضات تجارية أكثر تعقيداً مع إدارة ترمب مقارنة بالسابق، فقد تغيرت تركيبة العجز التجاري الأميركي بصورة كبيرة، إذ أصبحت الصين تمثل فقط 27 في المئة من العجز، بينما تشكل الأسواق الناشئة الأخرى 55 في المئة. وشهدت دول مثل المكسيك وفيتنام وتايوان وكوريا وتايلاند زيادات سريعة في العجز التجاري، مما يزيد من حال عدم اليقين.

وقال رئيس استراتيجيات الأسواق الناشئة متعددة الأصول في "يو بي أس" إنه على رغم أن بعض المستثمرين يرون أن التقييمات تعكس بالفعل هذه الأخطار بعد الأداء الضعيف أخيراً، فإننا نعتقد أن هذه الأخطار لم يجرِ استيعابها بالكامل بعد.

فرص وأخطار الأسواق الناشئة بين التفاؤل والقلق

ويقف مؤشر "يو بي أس لأخطار الأسواق الناشئة" في منتصف الطريق بين الحياد والمخاطرة المفرطة، وهو مستوى قوي بصورة غير معتادة مقارنة بحال النمو العالمي. ويتوقع المحللون نمو الأرباح في الأسواق الناشئة بنسبة 14 في المئة خلال 2025-2026، مقارنة بنسبة 4 في المئة فقط خلال النزاع التجاري في 2018-2019.

وعلى رغم هذه التوقعات المتفائلة، فإن كلفة التحوط ضد تراجع اليوان حتى بمقدار نصف التراجع الذي حدث في 2018-2019 لا تزال ضمن الربع الأدنى من نطاق 10 سنوات. وتقلصت فروق الائتمان في الأسواق الناشئة عبر جميع تصنيفات الائتمان إلى ما دون النسبة المئوية الـ18 من التوزيع بعد الأزمة المالية.

في حين تبقى أعلى عوامل الجذب في هذه الأسواق معدلات الفائدة الحقيقية المرتفعة والانخفاض المستمر في التضخم، مما يوفر فرصاً في أدوات الدخل الثابت، لا سيما في الديون المحلية المحمية من تقلبات العملات، ومع ذلك تبدو الأصول الحساسة للنمو مثل الأسهم والعملات معرضة للأخطار بصورة أكبر.


اندبندنت عربية