مهلة الـ60 يوماً انتهت: دول على الخط لمنع انهيار الهدنة
شارك هذا الخبر
Sunday, January 26, 2025
... بقاءُ إسرائيل في مناطق من جنوب لبنان مع بقاء وَقْفِ النار. معادلةٌ دقيقة لـ «تعايُشٍ» شائك يُراد تحقيقه على حافة الهاوية، وارتسمت ملامحه مع انتهاءِ مهلة الـ60 يوماً، التي حدَّدها اتفاق وقف النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر، لتنفيذِ تل أبيب تعهدها بانسحاب جيشها الكامل من القرى التي تحتلّها جنوب الليطاني، وانتشار الجيش اللبناني في هذه المنطقة، بعد أن يكون «حزب الله» خرج منها وتم تفكيك أي بنية عسكرية أو قتالية له فيها.
وبعدما قرّرت إسرائيل في خطوةٍ أحادية الجانب خرْقَ هذا الجزء الرئيسي من اتفاق وقف النار متذرّعةً بأن «الدولة اللبنانية لم تنفّذ الاتفاق كاملاً لجهة انتشار الجيش اللبناني في الجنوب وانسحاب(حزب الله)إلى شمال الليطاني»، ومؤكّدة «أن عملية الانسحاب التدريجي ستستمر بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة»، فإن ما يشبه الاستنفارَ الديبلوماسي، لبنانياً ودولياً، سادَ في محاولةٍ لإيجاد «غلافٍ» واقٍ من انهيارِ الهدنة عبر واحدٍ من مساريْن:
- إما تمديدٌ متأخّرٌ للاتفاقِ برعاية الدول التي تشرف على تنفيذه من خلال لجنة يترأها جنرال أميركي وتضم ضباطاً من فرنسا واليونيفيل (إلى الجيش اللبناني وإسرائيل).
- وإما ضماناتٌ بألا يَطول بقاءُ الاحتلال، بعدما جعلتْه تل أبيب أمراً واقعاً، وألّا يَشمل إلا نقاطاً محدَّدة خلال فترة قصيرة تملأها مساعٍ دبلوماسية توفّر ما يشبه «الغطاءَ» للبنان الرسمي و«حزب الله» لتمديد «صلاحية» خيار وقف الحرب التي بدأت على خلفية «طوفان الأقصى» ومن السوريالية رؤية عودتها بعد وقف النار في غزة.
ويسود اقتناعٌ بأن مثل هذا الأمر سيتيح للحزب الإبقاءَ على وضعيةِ الانكفاءِ عن القتالِ، وبأنه رغم إعلان نائبه إبراهيم الموسوي، أمس، «أن الأحد هو اليوم الذي يجب أن ينسحب فيه العدو من أرضنا، وإذا لم يفعل سيرى العجب»، فهو ليس في وارد المسارعة إلى ردٍّ بالنار يمكن أن يعاودَ إشعالَ حربٍ خرج منها وبيئته مثخناً بالجراح، بل سيلعب ورقةَ ترْكِ العهد الجديد بقيادة الرئيس جوزف عون، وما رافق انتخابه من رافعة عربية – غربية، يخوض «معركةَ» استعادة الأرض بالدبلوماسيةِ وامتحانِ هذا النوع من «الحماية» بامتدادها الدولي، وإن رَفَع خصومه في وجهه شعار أن الحرب التي تَفرّد في فتْحها هي التي جلبتْ الخرابَ للبنان وأن قوّته المفترَضة لم تحمِ الجنوب ولا شعبه على عكس ما فعل القرار 1701 على مدى 17 عاماً، وأنه إذا لم يصح شعار «قوة لبنان في ضعفه» سابقاً فإن الصحيح صار أن «ضعف لبنان بات في قوته المفترضة».
وفي هذا الإطار، وُضع كلام لوزير حزب الله مصطفى بيرم قال فيه «ساعات وتنتهي مهلة الـ 60 يوماً... إذا لم يحصل الانسحاب الكامل فإننا أمام مشهد لسردية تزيد من مشروعية المقاومة للاحتلال بأبلغ من أي بيان مهما كان نوعه... ولا يعني ذلك التصرف بعيداً عن الحكمة والمصلحة»، قبل أن يبلور النائب علي فياض أن مَن سيكون في الواجهة بهذه المرحلة هو الحكومةُ اللبنانية أولاً بإعلانه «أن عدم إكمال الإسرائيلي لانسحابه من أرضنا ضمن المهلة المقررة يشكِّل معطى شديد الخطورة، ويهدد مسار الالتزامات والاتفاقات التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية ويضعها في مهب الريح، ويفرض على الحكومة اللبنانية إعادة تقويم الموقف، لاستكشاف السبل الأكثر فاعلية في حماية السيادة اللبنانية، وفرض الانسحاب الإسرائيلي وطمأنة اللبنانيين وبالأخص المجتمع الجنوبي الذي يعيش حالة غضب وغليان شديدين».
تغطية البيت الأبيض
ولم يكن عابراً غداة «تغطية» البيت الأبيض خطوة إسرائيل بتأخيرِ انسحابها بإعلانه «هناك حاجة ملحة إلى تمديد وقف النار لفترة قصيرة وموقتة»، مشيراً إلى التزام الرئيس دونالد ترامب بضمان عودة المواطنين الإسرائيليين إلى ديارهم وكذلك دعم الحكومة اللبنانية، في موازاة تأكيد الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي بريان هيوز «نشعر بارتياح لبدء قوات الدفاع الإسرائيلية الانسحاب من المناطق الوسطى، ونواصل العمل بشكل وثيق مع شركائنا الإقليميين لإتمام التمديد»، أن يدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على خط احتواء «اليوم التالي» لـ26 يناير.
عون وماكرون
وقد أعلن القصر الجمهوري أن عون تلقى، أمس، اتصالاً من الرئيس ماكرون «عرض خلاله التطورات في الجنوب، والجهود المبذولة لضبط التصعيد وإيجاد الحلول المناسبة التي تضمن تنفيذ اتفاق وقف النار، والإجراءات الواجب اعتمادها لنزع فتيل التفجير».
وإذ أوضح ماكرون أنه «يُجْري اتصالاتٍ من أجل الإبقاء على وقف النار واستكمال تنفيذ الاتفاق»، أكد له نظيره اللبناني «ضرورة إلزام إسرائيل تطبيق مندرجات الاتفاق حفاظاً على الاستقرار في الجنوب، ووقف انتهاكاتها المتتالية، لا سيما تدمير القرى المحاذية للحدود الجنوبية، وجرف الأراضي، الأمر الذي سيعوق عودة الأهالي إلى مناطقهم».
مواقع إستراتيجية
ومهّدت إسرائيل لتمديد بقائها بإعلان جيشها أن «التعليمات التي نشرت سابقاً سارية ولا يسمح لسكان قرى في جنوب لبنان بالعودة حتى إشعار آخر»، مؤكداً «قواتنا لاتزال في مواقع في جنوب لبنان وفق اتفاق وقف النار حتى نشر الجيش اللبناني»، وذلك بعدما كان الناطق باسمه أفيخاي ادرعي حذّر سكان جنوب لبنان، قائلاً: «يُحظر عليكم الانتقال جنوباً إلى خطّ القرى المحدّدة (في خريطة مرفقة) ومحيطها، حتّى إشعار آخر»، داعياً إلى «عدم العودة إلى 63 قرية،وقسم منها سبق أن أُعلن انسحابه منها».
وفي الوقت الذي كانت تقارير تتحدّث عن أن الساعات الفاصلة عن فجر اليوم ربما تحمل انسحاباتٍ إسرائيليةً تخفف من وطأة الخرق الفاضح لاتفاق وقف النار، فإن معلومات متقاطعة رجّحت أن بقاء القوات الإسرائيلي يَستهدف في شكل رئيسي الاحتفاظ بمواقع إستراتيجية، في القطاعين الأوسط والشرقي خصوصاً، وتحديداً في 5 تلال استراتيجية، وهو ما يُخشى أن يتم ربط الانسحاب النهائي منه بمعالجة مسألة سلاح «حزب الله» شمال الليطاني، وهي النقطة التي تحدّث عنها اتفاق وقف النار ورفض الحزب الإقرار بها وحاول لبنان الرسمي عبر حكومة تصريف الأعمال رهْنها بحوار داخلي حول الإستراتيجية الدفاعية.
«مهما كان الثمن»
في المقابل، وعلى وقع خشية سادت من صِداماتٍ مع تهديد العديد من أبناء القرى الحدودية «المحظور» دخولها من إسرائيل بأن يتوجهوا إليها فور انتهاء مهلة الـ60 يوماً «مهما كان الثمن»، سعى الجيش اللبناني إلى احتواء الموقف في بيانٍ دعا فيه الأهالي «إلى التريث في التوجه نحو المناطق الحدودية الجنوبية، نظراً لوجود الألغام والأجسام المشبوهة من مخلفات العدو الإسرائيلي»، مشدداً على «أهمية تحلّي المواطنين بالمسؤولية والالتزام بتوجيهات قيادة الجيش، وإرشادات الوحدات العسكرية المنتشرة، حفاظاً على سلامتهم».
وأكد البيان «أن الجيش يواصل تطبيق خطة عمليات تعزيز الانتشار في منطقة جنوب الليطاني بتكليف من مجلس الوزراء، منذ اليوم الأول لدخول اتفاق وقف النار حيز التنفيذ، وفق مراحل متتالية ومحددة، بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على تطبيق الاتفاق (Mechanism) وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان – اليونيفيل».
وأضاف «حدث تأخير في عدد من المراحل نتيجة المماطلة في الانسحاب من جانب العدو الإسرائيلي، ما يعقّد مهمة انتشار الجيش، مع الإشارة إلى أنّه يحافظ على الجهوزيّة لاستكمال انتشاره فور انسحاب العدو الإسرائيلي».
دمار شامل
وفي موازاة تقارير مرعبة عن مَشاهد دمار شامل في قرى جنوبية مثل طيرحرفا التي «مُحيت» بالكامل ولا مقومات لحياةٍ فيها، فإنّ تحدي إيجاد إطار ناظم لِما بعد تأخير إسرائيل انسحابها يُخشى أن تصيب تشظياته الزخم السياسي الذي انطلق مع انتخاب الرئيس جوزف عون ثم تكليف القاضي نواف سلام تشكيل حكومةٍ مازالت عالقةً عند عقدة رئيسية يشكّلها إصرار ثنائي «حزب الله» والرئيس نبيه بري على الإبقاء على حقيبة المال في يدهما بخلفياتٍ ميثاقية رُبطت باتفاق الطائف ومداولاته السرية، وهو ما ترفضه كل القوى السياسية الأخرى مع الرئيس المكلف الذي لا يمانع أن تبقى الحقيبة مع المكوّن الشيعي من دون تكريسها كحقٍّ دائمٍ له وعلى أن يُسمّي هو مَن سيتولاها.