هل باع المسيحيون قرارهم في الطائف؟ بين التنازل والضرورة أين يكمن الخلل؟ - بقلم مارغوريتا زريق

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, February 5, 2025

منذ توقيع اتفاق الطائف عام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، لا يزال الجدل قائمًا حول ما إذا كان المسيحيون في لبنان قد فقدوا صلاحياتهم أو "باعوا" قرارهم السياسي نتيجة لهذا الاتفاق. هل أحدث اتفاق الطائف خللًا في التوازن السياسي، أم أنه جاء كضرورة لإنهاء الحرب وإرساء مرحلة جديدة من الحكم، وهل باع المسيحيون قرارهم في الطائف؟

قبل الطائف، كان رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيات واسعة، منها تعيين رئيس الوزراء والوزراء، وحل البرلمان، وترؤس مجلس الوزراء، إلا أن الطائف أعاد هيكلة هذه الصلاحيات بحيث أصبح رئيس الحكومة هو المسؤول التنفيذي الأول، بينما بقي رئيس الجمهورية رمزًا للوحدة الوطنية.

يعتبر البعض أن الطائف لم يكن مجرد تنازل، بل كان محاولة لتحقيق شراكة أوسع بين الطوائف اللبنانية بعد سنوات من التوتر، من ناحية أخرى، يرى معارضو الاتفاق أنه كان بمثابة تقليص لدور المسيحيين في الحياة السياسية، خاصة بعد أن تم إضعاف موقع رئيس الجمهورية.

لكن، هل كان بإمكان المسيحيين رفض الطائف؟ وهل كان تنازلهم عن الصلاحيات قرارًا اضطراريًا، أم أن قياداتهم قدّمت مصالحها الخاصة على حساب الشعب المسيحي؟

في أواخر الحرب الأهلية، فقدت القوى المسيحية الغطاء الأميركي والفرنسي بسبب تغيّر أولويات الغرب في المنطقة، وكانت سوريا قد عززت نفوذها داخل لبنان بدعم عربي ودولي، حيث دخلت القوى المسيحية في صراعات ومنها حرب الإلغاء مما أضعف موقفها في أي مفاوضات سياسية.

الطائف: بين الضرورة والتنازل

وُقّع اتفاق الطائف برعاية عربية ودولية لإنهاء الصراع الدموي الذي استمر 15 عامًا، وكان من بين أبرز بنوده إعادة توزيع الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث: الجمهورية (المسيحية المارونية)، الحكومة (السنية)، ومجلس النواب (الشيعي). فقد انتقل جزء كبير من صلاحيات رئيس الجمهورية التنفيذية إلى مجلس الوزراء مجتمعًا، مما أثار نقاشًا مستمرًا حول تأثير ذلك على دور المسيحيين في الحكم، اما بنوده فكانت مثيرة للجدل حول مدى مرونتها وإمكانية استغلالها لمصلحة سوريا، التي كانت القوة المهيمنة في لبنان آنذاك، كما استفاد منها من هيمن على لبنان في السنوات الأخيرة وابرزها:

. توزيع الصلاحيات ورسم التوازنات
. بند حلّ الميليشيات واستثناء حزب الله
. الوجود العسكري السوري وتبريره بالطائف
. قانون الانتخاب كأداة نفوذ وتثبيت وجود والذي تم تعديله بما يخدم القوى المسيطرة
. الوصاية على المؤسسات الأمنية والقضائية

عندما طُرح اتفاق الطائف، كانت القيادات المسيحية في موقف ضعيف، وكان عليها الاختيار بين رفض الطائف والاستمرار في المواجهة العسكرية، وهو ما كان يعني مواجهة الجيش السوري المدعوم دوليًا، مع خسائر ضخمة قد تهدد الوجود المسيحي برمته، او الموافقة على الطائف لتأمين وقف الحرب، رغم ما يحمله من تقليص لصلاحيات رئيس الجمهورية مقابل إعطاء مجلس الوزراء مجتمعًا سلطة القرار التنفيذي.

وافق معظم النواب المسيحيين على الطائف لأنه كان الخيار الوحيد لإنهاء الحرب، لكن المفارقة أن القيادات المسيحية التي أُجبرت على القبول لم تكن هي من نفّذت الاتفاق فعليًا، بل فرضته القوى الإقليمية، خاصة سوريا، التي استفادت منه لترسيخ هيمنتها على لبنان.

هل باع المسيحيون مصلحتهم؟

منذ الطائف، دخلت المسيحية السياسية في حالة تراجع مستمر، لكن السؤال الأهم: هل كان ذلك بسبب الطائف نفسه، أم بسبب سوء إدارة القيادات المسيحية بعده؟

• غياب الوحدة المسيحية: بدل أن يعمل المسيحيون على استعادة دورهم عبر تحالفات قوية، انشغلوا بالصراعات الداخلية، مما أدى إلى ضعف موقفهم السياسي.
• التحالفات الخاطئة: ارتبطت بعض القوى المسيحية بتحالفات لا مصلحة لللبنانيين عموما ولا المسيحيين خصوصا فيها، سواء عبر التحالف مع سوريا في مرحلة معينة، أو مع ايران، او مع قوى أخرى لاحقًا.
• اللامبالاة الشعبية والهجرة: يتحمل اللبنانيون جزءا كبيرا من المسؤولية اذ وفي كل فرصة انتخابية اعادوا الطبقة الحاكمة والاحزاب الحاكمة ذاتها ولم يأتوا بالنخب لتغيير المعادلة، وافساح المجال لمتصيدي المصالح للاستئثار بالمشهد السياسي عبر عزوف قسم كبير من المسيحيين عن المشاركة السياسية، بالاضافة إلى موجات الهجرة التي أضعفت تمثيلهم ومطالبتهم بتفعيل المؤسسات لكن دون ان يكونوا فيها.

اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود على الطائف، لم نشهد على دعوات جذرية لإعادة النظر في النظام السياسي اللبناني، في حين ان البعض يطالب بتعديلات تضمن إعادة توزيع السلطات بشكل أكثر توازنًا، بينما يرى آخرون أن المشكلة ليست في الطائف ذاته، بل في الممارسات السياسية التي أدت إلى الفساد والشلل المؤسساتي.

بعد أن أثبت الواقع ضعف الدور المسيحي في لبنان، هل استوعب المسيحيون الدرس؟ هل سنسمع أصواتًا تطالب باستعادة الحقوق وتصحيح الخلل؟ وهل سنشهد تغييرًا في العقلية والنهج السياسي، بحيث يولد لنا وطن قائم على نخبة من المبدعين اللبنانيين، بدلًا من التبعية والانقسامات؟