يروي رئيس البرلمان نبيه برّي لـ”أساس” قصّة حقيبة المال قائلاً:
“كنت على علم بما اتّفق عليه في مداولات اتّفاق الطائف عن تخصيص الحقيبة للطائفة الشيعية. بعد انتخابي رئيساً للمجلس في تشرين الأوّل 1992 أوفدت الأمين العامّ عاطف جانبيه إلى الرئيس حسين الحسيني للحصول على محاضر اتّفاق الطائف، لوفرة ما كان يقال فيه وعنه حيال الصلاحيّات وتفسير بنود الدستور والتباساتها، بغية الاطّلاع على ما ورد في المناقشات وروحيّة المشترع، وهو ما نعاني منه منذ سنوات إلى اليوم. لم يستجب الحسيني لطلبي بحجّة أنّ النواب المجتمعين هناك تجرّأوا في الكلام ممّا ما لا يمكن كشفه أمام الرأي العامّ”.
يضيف: “فيما بعد، في لقاء لي مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل سألت عن احتفاظ المملكة بنسخة عن المحاضر، خصوصاً أنّ المداولات ثمّ الموافقة على الاتّفاق تمّت على أراضيها. لم يجِب. عندئذ صرفت النظر عنها. عندما باشر رفيق الحريري استشارات تأليف أولى حكوماته اتّفقت معه على أنّ الحقيبة للشيعة بعدما رأسها شيعي في الحكومات الثلاث التي سبقت. سمّيت له رضا وحيد، فوافق. ذهب إلى الياس الهراوي لإصدار المراسيم على أن أُدعى بعد إنجازها إلى الاطّلاع عليها وإبداء ملاحظة إذا كان ثمّة موجب لها دونما أن يكون الرئيسان ملزمين برأيي، ثمّ أغادر من دون الإدلاء بأيّ تصريح”.
يقول الرئيس برّي أيضاً: “قبل ذهابي إلى المقرّ الرئاسي سمعت من وسائل الإعلام مراسيم الحكومة وفيها رفيق الحريري وزير للمال عوض رضا وحيد، وفؤاد السنيورة وزير دولة للشؤون المالية خلافاً لما اتّفقنا عليه. في المقرّ الرئاسي سألني عن امتعاضي وطمأنني إلى أنّ وجوده هو فيها أفضل ممّا لو حلّ آخر سواه وأكثر اطمئناناً لي. قلت له اتّفقنا قبلاً على مسألتين: أنت تريد الصلاحيات الاشتراعية للحكومة وأنا أريد وزارة المال. لم تلتزم. الآن لا هذه ولا تلك. قال إنّه لا علم له بإقرار الحقيبة في مداولات الطائف للطائفة الشيعية، فرددت: أنت لا تعرف! الياس الهراوي ألا يعرف وكان هناك؟”.
الياس الهراوي نسي!
يروي: “لاحقاً قال الياس الهراوي إنّه نسي. وافقت على التقاط الصورة التذكارية وتوجّهت للفور إلى المصيلح. ذهب رفيق الحريري إلى دمشق التي دعتني إليها. قابلت حكمت الشهابي أوّلاً متحدّثاً أمامي بمقدّمة طويلة عن أنّني عربي وغير طائفي، قبل أن أجيب أنّني غير طائفي مع مَن هو غير طائفي. اجتمعت بعبدالحليم خدّام قبل أن ينتقل إلى غرفة مجاورة ليجري مكالمة عاد بعدها يقول لي: سيادة الرئيس في انتظارك”.
يقول: “ذهبت إلى حافظ الأسد الذي سألني: أليس من حلّ للمشكلة؟ فأجبت أنّ المجلس النيابي المنتخب حديثاً مطعون في شرعية تمثيله ولا يمكنه مع بدء ولايته التنازل عن صلاحية التشريع المعطاة له للحكومة، كما لو أنّه يستغني عن دوره، ويؤكّد التهم المسوقة إليه. اطّلع الرئيس السوري على المشكلة قبل أن يقول لي أخيراً: لا تعطِه. في طريق العودة كنت ورفيق الحريري في سيّارة واحدة بناء على طلبه لتبديد أيّ انطباع لدى اللبنانيين أنّنا على خلاف. طوال المسافة بين دمشق وبيروت راح يحدّثني عن طلبه الصلاحيّات الاشتراعية وإصراره عليه، فلم ألِنْ ولم يحصل عليها”.
يضيف برّي: “حصولي على حقيبة المال ليس تكريساً للمثالثة ولا للمرابعة. بُتَّت في الطائف ولم تناقش فحسب، ولذا أتمسّك بها”.
يُسأل أخيراً: “هل هو في وارد إعطاء حكومة نوّاف سلام صلاحيات اشتراعية لم يسبق أن أعطاها لأيّ من حكومات ما بعد اتّفاق الطائف، وهو على رأس السلطة الاشتراعية على مرّ العقود الأخيرة، دونما أن يكظم عدم ترحيبه بها، وأنّ ضامناً حقيبة المال لديه؟”، فيردّ: “الكلمة للهيئة العامّة للمجلس. تعطي أو لا تعطي”.