الى بائعي البرّ والبحر... ليال الاختيار ليست عميلة - بقلم تقلا صليبا

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, January 22, 2025

فيما يخوض العالم بأجمعه معركة الحريّات، ويُبذل الدمّ في سبيل ايصال الصحافة إلى مستوى يليق بهذه المهنة، وإبعاد الصحافيين عن الصراعات السياسية التي تُعيق أدائهم لواجباتهم الوظيفية، نرى في لبنان، واقعًا معاكسًا يسيء إلى المهنة، ويضع العاملين بها في خطر دائم، لاسيما أولئك الذين لا يعبّرون عن رأي السلطة، أو الممسكين بهذه السلطة.

وفي هذا الإطار، نرى الإعلامية ليال الاختيار، التي تعرّضت منذ فترة لحملة بسبب استضافتها، في مقابلة على المحطة العربية التي تعمل معها، للمتحدّث باسم الجيش الاسرائيلي، أفيخاي أدرعي، اذ اتُهِمَت الاختيار بالعمالة بسبب هذه المقابلة، وتمّ تقديم شكاوى بحقّها، وعلت الأصوات التي تهاجمها، وكأنها ضُبِطت متلبّسة في جريمة تعامل مع العدو، فيما الحقيقة، ان الإعلاميّة اللبنانية، أجرت المقابلة، بالاستناد على السياسة الداخلية التي تعتمدها المحطة، وبناءًا على قوانين الدولة المتواجدة فيها خلال فترة عملها، بطريقة مهنية بحت، وفي الوقت نفسه، كانت مقابلة علنية، كل كلمة قيلت خلالها مصوّرة وموثّقة بالصوت والصورة.

بعد التعرّض لها والتحريض ضدّها، وبعد رفع الشكاوى بحقّها، من قبل مدّعي السيادة والنضال، تمّ استدعاء الاختيار فور وصولها إلى الأراضي اللبنانية، وتوجّهت من مطار رفيق الحريري الدولي، إلى مبنى المحكمة العسكرية، لاستجوابها من قبل قاضي التحقيق العسكري الأول، فادي صوان، والمفارقة، أن اليوم نفسه الذي سيقت فيه إعلامية تؤدّي مهامها الوظيفية إلى التحقيق، كان خلاله، رئيس حكومة سابق متّهم بالتقصير في جريمة أودت بحياة أكثر من مئتي شخص في مرفأ بيروت، يزور القصر الجمهوري ورئيسه الجديد، دون أن يتمّ توقيفه أو مطالبته بالخضوع للقضاء، كما كان نوّاب ووزراء، بل رؤساء جمهوريات، "كانوا يعلمون"، يدخلون ويخرجون أمام رجال قوى الأمن، الجيش، القُضاة،... دون أن يجرؤ على المساس بهم أحد.

للتذكير أيها السادة، ليال الاختيار لم تستقبل الضابط الاسرائيلي، اموس هوكشتاين، ولم توقّع لا على اتفاقات التنازل عن بحر لبنان، باسم ترسيم الحدود، ولا على اتفاق التنازل عن أرض لبنان، باسم حريّة الحركة للعدو الاسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية، ليال الاختيار، لم تنتظر الأوامر من أفيخاي أدرعي لتخلي مبنى أو تعود إلى قرية، ليال الاختيار، لم تصوّر فيديو تردّ فيه بالمباشر على أدرعي، لتقول له “hello my enemy”، او ربما يكون عدم انتمائها لبيئة معيّنة، سبب كافٍ لعدم السماح لها بالقيام بأي من هذه الأمور.

من ناحية أخرى، نسأل رئيس جمهوريتنا أولًا، ورئيس حكومتنا المكلّف ثانيًا، وهو الذي كان على رأس أعلى محكمة في العالم، ونسأل المؤتمنين على الدستور والقوانين ثالثًا، ونسأل الرأي العام رابعًأ، أليس الإعلامي خاضعا لقوانين خاصة، أي انه تابع لمحكمة المطبوعات؟ أو أن القانون يسير بحسب مزاج البعض ومزاجية البعض الاخر؟

عدّة أشهر مرّت، كانت الاختيار خلالها شبه مجبرة على البقاء خارج البلاد، حفاظًا على حرّيتها من جهة، وعلى سلامتها من جهة أخرى، اذ ان كلّ التحريض الذي نسمعه ونقرؤه على وسائل التواصل الاجتماعي، هو الذي يحتاج لتحقيق، وهو الذي يستدعي تحرّك القضاء، فالاعلامية التي تقوم بدورها وواجبها المهني، محترِمةً الوسيلة الإعلامية التي تعمل معها، مانحة العالم صورة الرُقي اللبناني، والثقافة والدقّة في العمل، والأخلاق التي يُشهد لها فيها، والسيرة الحسنة التي لم يمسّها أحد طوال فترة عملها، منذ كانت في المحطّات المحلية وصولًا إلى عملها في العالم العربي، مكانها ليس في المحاكم وغرف التحقيق، ولو امتلأت هذه الغرف بمن يجب التحقيق معهم، لم تكن ليال الاختيار، ولا غيرها من أولاد البلد، مجبرة على الهجرة والعمل في محطات خارج البلاد، قد تتعارض سياساتهم الخاصة أحيانًا مع السياسة الداخلية والقوانين اللبنانية.