على خلفية التقارير التي نشرتها "المدن" نهاية الأسبوع الماضي، والتي كشفت من خلالها عن ممارسات وزير الاتصالات جوني قرم، بخصوص اعفاء موظفين من مهامهم بطرق كيدية، وأخرى تنطوي على قضايا من شأنها هدر المال العام، تحرك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وديوان المحاسبة لوقف التمادي الحاصل في الإدارة، وذلك من خلال تعميم أصدره ميقاتي، يوم أمس، ومذكرة لديوان المحاسبة، أدت إلى فرملة التجاوزات التي قام بها وزير الاتصالات ومدير عام الوزارة باسل الأيوبي، والتي من شأنها هدر المال العام.
مخالفات وإساءة استعمال السلطة وكانت "المدن" كشفت في تقريرها عن قرار وزير الاتصالات المتعلق بإعفاء رئيسة مصلحة الشؤون المالية دلال المعوش من مهامها، بعدما رفضت الرضوخ وتنفيذ التعليمات والسماح لشركات مقدمي الانترنت بتقسيط الاشتراكات المتوجبة عليها خلافاً للقانون. كما تقاعس المدير العام عن توجيه إنذارات للشركات بسبب التأخر بدفع الاشتراكات، والزامها بدفع غرامات عن التأخير، التي من شأنها جني الأرباح على حساب المال العام وضرب مبدأ الشفافية والمنافسة بين الشركات. وقد أصرت الموظفة على الطلب من المدير العام أخذ رأي ديوان المحاسبة حول مدى قانونية السماح للشركات بالتقسيط، بغية ضمان وحفظ حق الدولة، لكنه تجاهل الأمر وأصر على التنفيذ.
وأتت مذكرة الديوان الموجهة إلى وزير الاتصالات لتضع حداً لتجاوزاته وسوء استخدامه السلطة في آخر أيامه في الوزارة. وطرح "الديوان" أسئلة دقيقة ومحرجة على الوزير طالباً الحصول على إجابات بشأنها، ما يعني تعطيل قدرة الوزير والمدير العام على المضي في الاستخفاف بالحقوق المالية للدولة وإثراء الشركات على حساب المال العام.
لكن بخلاف مذكرة الديوان التي انطلقت من مبدأ حفظ حق الدولة في تحصيل أموالها، أتى تعميم رئيس الوزراء من منطلق آخر، له أبعاد طائفية. فقد طلب ميقاتي حظر إجراء أي تعيينات أو ترفيعات أو مناقلات أو تكليفات أو اتخاذ أي قرار من شأنه التعديل في الوضعية الوظيفية، كون أي تعديلات للوضعية الوظيفية ليست ضرورة ملحة وإنما قد تخفي مخالفات أو إساءة لاستعمال السلطة. صحيح أن ميقاتي تحرك بعد الفضائح التي عرضتها "المدن" في وزارة الاتصالات لناحية الإعفاء الكيدي لموظفين، ومنع استغلال الوزراء السلطة في الربع الساعة الأخير من الولاية، إلا أن التغييرات التي أقدم عليها القرم في شركة تاتش كانت السبب وراء قرار ميقاتي.
تعديل منصب سنّي وفق معلومات "المدن" فقد أقدم الوزير قرم على تعديل وضعية الوظائف في هرم الإدارة في شركة تاتش، نهاية الأسبوع الفائت، بالتزامن مع الإعفاءات التي قام بها في الوزارة. ما أدى إلى استيقاظ "المارد السنّي". وفق هيكلية شركة تاتش، فإن الترتيب الوظيفي للمدير العام سالم عيتاني (سني-تيار مستقبل) قبل أن يصبح المدير العام هي مدير تقني. وعندما تنتهي ولايته كمدير عام يعود إلى المنصب السابق التابع مباشرة للمدير العام. لكن القرم عدل وظيفة المدير التقني، وبات تحت أمرة مدير العمليات علي ياسين (من حصة باسل بري في حركة أمل). يشغل ياسين اليوم منصباً أدنى من المدير العام سالم عيتاني ويوازي منصب المدير التقني. لكن أي تغيير لاحق للمدير العام يعيد عيتاني إلى منصبه السابق، لكن يصبح بمنصب تحت ياسين. فيخسر السنّة منصباً في أعلى الهرم ويصبح منصبهم أدنى من منصب الشيعة. صحيح أن هيكلية تاتش كلها غير متوازنة، كما تقول مصادر مطلعة لـ"المدن" وبحاجة لإعادة هيكلة لتصبح كأي شركة تعمل بالاتصالات، إلا أن قرار القرم بتعديل الوضعية الوظيفية في الربع الساعة الأخير من ولايته أتى للانتقام من عيتاني.
ووفق المعلومات، فإن هذا الإجراء استنفر النواب السنّة وشخصيات ومراجع دينية واعترضوا لدى الميقاتي. فأتى التعميم لهذا السبب، وإن اعتبر جيداً بحد ذاته لأنه منع الوزراء من ممارسة أي كيدية في الربع الساعة الأخير من ولايتهم.
أسئلة ديوان المحاسبة في المذكرة التي أرسلها ديوان المحاسبة إلى الوزير قرم، نسب "الديوان" كشف التجاوزات في وزارة الاتصالات إلى إحدى الصحف، التي لم تتناول الخبر بالمرة، بينما كانت "المدن" أول من كشف الفضائح. علماً أن أحد المراجع القضائية كان أشاد بما كشفته "المدن" طالباً تصحيح عنوان المقال "إزاحة" رئيسة "الشؤون المالية" في"الاتصالات": القرم بخدمة اخطبوط الانترنت". واستبدال جملة "اخطبوط الانترنت" بعبارة "مافيات الانترنت" لتصبح أكثر دقة.
ونتيجة ما كشفته "المدن" حول استسهاله في التعامل مع المال العام، طلب ديوان المحاسبة من الوزير القرم الإجابة على أسئلة عدّة من بينها: "الافادة ما إذا كان هناك فعلاً، من اشتراكات متأخرة الدفع وفق ما تم تداوله في الإخبارات. وفي حال وجود اشتراكات متأخرة، فهلا أفدتنا عن اسباب التأخر في تحصيل هذه الاشتراكات، واسماء الشركات المتأخرة – وقيمة المبالغ المتراكمة على كل منها – ولماذا لم تبادر الادارة الى تحصيل قيمة هذه المبالغ وقد مضى عليها ما يقارب السنة وفق ما ورد في الخبر؟ وهل تم منح الشركات والمؤسسات المتأخرة حق التقسيط؟ وإذا كنتم قد اعتمدتم التقسيط فهل تم منحه لشركات دون غيرها؟ وفي حال الايجاب، هلا تفضلتم بتبيان السند القانوني الذي أتاح منح التقسيط، والمهل القصوى للتقسيط في حال جوازه قانوناً. وما هي الاجراءات المتخذة من الإدارة لضمان عدم ضياع تلك الواردات، والضمانات المطلوبة مقابل التقسيط؟ وإذا كانت النصوص القانونية تبيح التقسيط، ما هي الفائدة القانونية التي فرضتها ادارتكم على هذه الشركات مقابل منحها حق التقسيط؟ وإذا كنتم قد اعتمدتم مسار التقسيط، فهل كان هذا المسار معمولاً به لدى الوزارة قبل توليكم سدة المسؤولية في وزارة الاتصالات؟"