مصير القانون تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية في ضوء قرار المجلس الدستوري- بقلم عبده جميل غصوب
شارك هذا الخبر
Tuesday, January 21, 2025
نتطرق في معرض هذا التعليق الى ثلاث نقاط كان لها تأثير مباشر على القانون رقم 328/2024:
أ ـ توضيح بعض المصطلحات القانونية وتحفظ المجلس الدستوري التفسيري. ب ـ المفعول الرجعي للقانون المطعون فيه. ج ـ الغاء المادة الخامسة من القانون.
اولا: توضيح بعض المصطلحات القانونية وتحفظ المجلس الدستوري التفسيري:
ذكرنا في دراستنا السابقة التي تناولنا فيها قانون تعليق المهل رقم 328/2024 ، ان القانون المذكور تضمن " تشويها " لبعض المصطلحات القانونية، فقد استعمل مصطلح " المهل القضائية" في مكانين مختلفين وبمعنيين مختلفين.
فقد فرّق المشترع بين " المهل القانونية والعقدية "، المنصوص عنها في الفقرة الاوى من المادة الاولى من القانون، و" المهل القضائية " المنصوص عنها في الفقرة الثانية من المادة ذاتها، وحدد تاريخ تعليق مختلف لكل مهلة.
ولكنه عاد واستعمل مصطلح " المهل القضائية " ذاته في المادة الثانية المخصصة للاستثناءات من التعليق، الا انه كان واضحا هذه المرة عندما اتبع بمصطلح " المهل القضائية" تعريفا لها، فذكر انها المهل " التي يترك القانون للقاضي ان يقدّرها ".
الحقيقة ان المجلس الدستوري حسنا فعل عندما أوضح هذه المصطلحات واعطى لها التفسير الصحيح. وهو برأينا التفسير الذي اراده المشترع في القانون رقم 328/2024، قبل الطعن به امام المجلس الدستوري.
فالمهل القانونية والعقدية لم تثر اي التباس في التفسير.
ولكن الالتباس كان يكمن في " المهل القضائية "؛ فالمهل القضائية المقصودة في الفقرة الثانية من المادة الاولى هي " مهل الاجراءات القضائية "، " Les délais de procédure "؛ كما ذهب اليه المجلس الستوري بصورة صحيحة. بينما " المهل القضائية " المنصوص عنها في المادة الثانية ضمن الاستثناءات من التعليق، فقد احسن المشترع التعريف عنها بأنها المهل " التي يترك القانون للقاضي ان يقدّرها ".
هكذا كنا قبل الطعن امام ثلاثة انواع من المهل:
ـ " المهل القانونية والعقدية ". ـ " مهل الاجراءات امام المحاكم في النزاعات القضائية". ـ و" المهل القضائية التي يترك القانون للقاضي ان يقدرها ".
واصبحنا بعد الطعن وصدور قرار المجلس الدستوري، امام نوعين فقط من المهل:
" المهل القانونية والعقدية " التي يندرج تحتها " مهل الاجراءات القضائية " التي شملها المجلس الدستوري " بتعليق المهل القانونية " ، مستندا الى صلاحيته في " تحصين القانون بالتحفظ التفسيري".
فيكون قانون تعليق المهل رقم 328/2024 بعد صدور قرار المجلس الدستوري رقم 2/2025، تاريخ 16/1/2025، قد ابطل تعليق " سريان جميع المهل القضائية امام جميع المحاكم بين تاريخ 31 آذار 2022 وتاريخ 30 حزيران 2024 "، ليحل محله ـ بفعل تحصين القانون بالتحفظ التفسيري ـ تعليق المهل بين تاريخ 8 تشرين الاول 2023 و تاريخ 31 آذار 2025، مبقيا " المهل القضائية التي يترك القانون للقاضي ان يقدّرها "، على حالها ضمن الاستثناءات المنصوص عنها في المادة الثانية من القانون.
وقد علل ذلك المجلس الدستوري بأنه يعود له " تحصين القانون المطعون فيه بالتحفظ التفسيري الذي يزيل اي تناقض او تباين او التباس لتدارك عدم وضوح النص والتمكين من فقهه بما ينسجم مع المبادىء الدستورية "، فأدرج " المهل القضائية " المبطلة ضمن المهل القانونية والعقدية المنصوص عنها في المادة الاولى، بحيث لا يبقى من مجال للقول بوجود التناقض، وانتهى المجلس الى رد السبب المبني على التناقض.
من الوجهة القانونية البحتة، فقد تجاوز المجلس الدستوري صلاحيته واحل مهلة محل أخرى، اذ انه جعل " مهل الاجراءات القضائية امام المحاكم " تعلق بين تاريخ 8 تشرين الاول 2023 وتاريخ 31 آذار 205، بدلا من تعليقها بين تاريخ 31 آذار 2022 وتاريخ 30 حزيران 2024، مخالفا بذلك ارادة المشترع الذي شاء اختيار مهلتي تعليق مختلفتين، عبر توحيد المهلتين. وان صلاحيته لجهة تحصين القانون المطعون فيه بالتحفظ التفسيري، لا تبرر له اطلاقا احلال نفسه محل المشترع؛ بل ان صلاحيته المذكورة تبيح له فقط توضيح المصطلحات الثلاثة كما ذكرنا اعلاه وليس احلال مهلة محل أخرى. واننا سنعود الى هذه النقطة الدقيقة عندما نتناول في البند الثاني من هذه الدراسة مسألة المفعول الرجعي للقانون المطعون فيه.
ولكن المهم ـ ومهما كان سبب التعليل ـ اننا اصبحنا امام مهلة تعليق واحدة بين تاريخ 8 تشرين الاول 2023 وتاريخ 31 آذار 2025 لجميع المهل القانونية ،العقدية، ومهل الاجراءات القضائية في النزاعات امام المحاكم التي ادرجها المجلس الدستوري تحت " المهل القانونية والعقدية ". وهذا ما كان يقتضي على المشترع فعله عندما وضع القانون.
ثانيا: المفعول الرجعي للقانون المطعون فيه رقم 328/2024 ( تعليق المهل القانونية والعقدية):
أكد المجلس الدستوري ان المفول الرجعي للنصوص القانونية لا يرتقي الى مصاف " المبادىء الدستورية الا في ما خص القوانين الجزائية والضريبية في بعض الحالات ".
اما في المواد الاخرى، فان " مبدأ عدم رجعية النصوص " يدخل ضمن المبادىء القانونية العامة". " Principes généraux de Droit ".
وتابع المجلس الدستوري ان تعليق " المهل القضائية " بين تاريخ 31 آذار 2022 وتاريخ 30 حزيران 2024، لم يبرر بأية ظروف، ولا توجد على كل حال ظروف استثنائية او مصلحة عامة تبرره، بدليل ان الاسباب الموجبة للقانون المطعون فيه، اقتصرت على الاشارة الى الاحداث الاستثنائية التي شهدها لبنان من الثامن من تشرين الاول 2023 والتي حالت بفعل القوة القاهرة المتاتية عنها دون ممارسة الدولة والمواطنين لحقوقهم في خلال المهل القانونية والعقدية والقضائية. وانه مهما كانت الاسباب وطبيعتها التي أملت على المشترع اقرار القانون المطعون فيه، سواء الواردة في الاسباب الموجبة له او تلك التي كانت محل نقاش النواب في الجلسة التي أقر فيها هذا القانون، فانها لا تبرر تعليق المهل على النحو الوارد فيه وللمدة غير المعقولة التي شملها، ما يحمل على القول بوجود عدم تناسب واضح بين هذا التعليق ومقتضياته من جهة، وصون حقوق المواطنين وحمايتها من جهة أخرى، ويجعل هذا القانون مخالفا للدستور وللمبادىء الدستورية لهذه الجهة، ما يستوجب ابطال الفقرة الثانية من المادة الاولى من القانون المطعون فيه.
ماذا يعني ذلك؟
هذا يعني بان المجلس الدستوري ـ وفي معرض ابطاله للفقرة الثانية من القانون المطعون فيه ـ اضاف سببا جديدا الى صلاحيته في " تحصين القانون المطعون فيه بالتحفظ التفسيري الذي يزيل اي تناقض او تباين او التباس لتدارك عدم وضوح النص والتمكين من فقهه بما ينسجم مع المبادىء الدستورية" ، وهو السبب المبني على حصر تبرير رجعية القوانين بالحالة الوحيدة التي يكون "الدافع الوحيد الحقيقي لها المصلحة العامة". واعتبر المجلس الدستوري ان الاسباب التي املت على المشترع اقرار القانون المطعون فيه، لا تبرر تعليق المهل المنصوص عنها في الفقرة الثانية من المادة الاولى، ( المهل المسماة قضائية ) على النحو الوارد فيه القانون وللمدة غير المعقولة التي شملها ( بين تاريخ 31 آذار 2022 وتاريخ 30 حزيران 2024 )، ما يحمل على القول بوجود عدم تناسب واضح بين هذا التعليق ومقتضياته من جهة، وصون حقوق المواطنين وحمايتها من جهة أخرى، ويجعل هذا القانون ـ حسبما ذهب اليه المجلس الدستوري ـ مخالفا للدستور وللمبادىء الدستورية لهذه الجهة، لينتهي الى ابطال الفقرة الثانية المذكورة.
برأينا ان المجلس الدستوري " افرط " في التوسع بصلاحياته الى حد " الاستنسابية " فجعل من ذاته قضاء استنسابيا. وهذا يخرج كليا عن اختصاصه.
بل اكثر من ذلك، نرى انه تجاوز حتى الاستنسابية ليحل ذاته محل المشترع.
فالمشترع هو الذي يمثل ارادة الشعب، ودور المجلس الدستوري يقتصر على رقابته عليه، اذا تجاوز الدستور او اي قاعدة أخرى ذات قيمة دستورية، لان المشترع ليس ملزما فقط باحترام الدستور، بل ايضا هو ملزم باحترام " الكتلة الدستورية " Bloc constitutionnel بالكامل.
ولكن ليس على المجلس الدستوري التحقق مما اذا كانت " الرجعية " دافعها الحقيقي المصلحة العامة ام لا؛ وحده المشترع يقرر ذلك. وانه اذا اخطأ المشترع في اختيار مهلة غيرمعقولة، بل غير منطقية، كما سبق ووصفناها في تعليقنا السابق، فهذا ليس بحد ذاته سببا لابطال القانون.
ان عدم التناسب بين التعليق الحاصل ومقتضياته من جهة وصون حقوق المواطنين وحمايتها من جهة أخرى، يجعل القانون سيئا، ولكن لا يجعله مخالفا للدستور وللمبادىء الدستورية.
وحده المشترع يقرر اين تكمن المصلحة الوطنية وكيفية حمايتها، وعلى المشترع ان يكون اكثر دقة في التشريع؛ " فالفوضى التشريعية " التي نعيشها " أورثتنا " قوانين سيئة، ومنها الفقرة الثانية من المادة الاولى من القانون المطعون فيه.
ولكن المجلس الدستوري ليس سلطة رقابة على المجلس النيابي الا حصرا عند مخالفة التشريع للدستور او للقواعد ذات القيمة الدستورية، والا تحول الى قضاء استنسابي والى " وصي " على المجلس النيابي الذي يمثل وحده ارادة الشعب. وهذا ما لا يصح اطلاقا ؛ فاصلاح القوانين يكون في اعتماد نهج تشريعي اكثر دقة من قبل المجلس النيابي وليس في تحويل المجلس الدستوري الى سلطة رقابة عليه خارج اطار مخالفته الدستور او القواعد ذات القيمة الدستورية، بل الى " وصاية" تشريعية على " مصدر السلطات ".
ان ما يزيدنا قناعة في انتقاد التعليل الذي اتبعه المجلس الدستوري هو ما ذهب اليه المجلس ذاته عندما احسن في وصف " عدم رجعية القوانين " بانه " مبدأ عام " لا قيمة دستورية له.
فالمبادىء العامة تسمو على النصوص التشريعية في هرمية " Kelsen " ، ولكن لا يعود للمجلس الدستوري مراقبة مدى انطباق النصوص التشريعية على المبادىء العامة، بل ان صلاحيته تبقى محصورة بانطباق القوانين على الدستور والقواعد ذات القيمة الدستورية.
فاذا كنا نوافق المجلس الدستوري على وجوب تعديل ( او الغاء ) الفقرة الثانية من المادة الاولى لانتفاء ما يبررها ، الا اننا لا نوافقه لا على التعليل الذي اتبعه في بلوغ النتيجة التي أفضت الى الغاء الفقرة المذكورة. ربما الحاجة العملية لقانون تعليق المهل في فترة غير طويلة، حملت المجلس الدستوري على التوسع في صلاحياته الى حد " الافراط ". فسوء الفقرة الثانية، كان صادما. ولكن هذا الوضع لا يبرر اطلاقا موقف المجلس الدستوري، الذي قد يؤدي الى ارساء ممارسة لا تقل سوءا عن سوء النص وهو تحويل ذاته الى " رقيب " على اعمال المجلس النيابي، بل الى ممارسة " وصايته " عليه. وهذا غير مقبول قانونا.
فالمجلس الدستوري لم يكن موفقا في تعليله لابطال الفقرة الثانية من المادة الاولى؛ لا عندما استند الى صلاحيته في تحصين القانون بالتحفظ التفسيري، ولا عندما فرض رقابته على " الرجعية " عبر مراقبة " الدافع الحقيقي " اليها وهو " المصلحة العامة ". وهذا ما شكل تدخلا مرفوضا للسلطة القضائية في اعمال السلطة التشريعية وخرقا لمبدأ فصل السلطات. وهذا يشكل بذاته خرقا واضحا للدستور.
الم يكن من الافضل ابطال القانون برمته لسبب شكلي ( ليس لدينا المعطيات الكافية للتثبت من وجوده )، فيكون المجلس النيابي مضطرا الى اصدار قانون جديد يتلافى فيه الاخطاء التي شابت القانون المطعون فيه ؟
ثالثا: الغاء المادة الخامسة من القانون:
استند المجلس الدستوري الى صلاحيته بوضع يده على القانون المطعون فيه برمته بمجرد تسجيل مراجعة الطعن في القلم لافساح المجال امامه لتعديل المادة الخامسة من القانون المطعون فيه التي تنص " ان كل حكم مبرم لم يراع فيه تعليق المهل الملحوظة في هذا القانون، يكون قابلا لاعادة المحاكمة من تاريخ نفاذ هذا القانون".
لقد علل المجلس الدستوري موقفه بان نص المادة الخامسة ينطوي على مفعول رجعي يؤدي الى الزام المحاكم بقبول طلبات اعادة المحاكمة بشأن الاحكام المبرمة التي صدرت بتاريخ سابق لتاريخ نفاذ القانون المطعون فيه، ما يشكل تدخلا في اعمال المحاكم وبالتالي خرقا لمبدأ فصل السلطات، الذي ينبثق عنه مبدأ استقلال القضاء المكرّس بالمادة 20 من الدستور، الذي لا يجيز للمشترع اجراء رقابته على احكام القضاء ،او ان يوجه اليه الاوامر او التعليمات او ان يحل محله في الحكم في النزاعات التي تدخل في اختصاصه. واضاف المجلس الدستوري ان مبدأ فصل السلطات ومبدأ استقلالية القضاء ذات القيمة الدستورية يمنعان ان تتدخل السلطة التشريعية في عمل القضاء، سواء برفع يده عن قضية عالقة امامه اوالزامه باعادة النظر في قضية سبق ونظرها، او اقرار صلاحياته حيالها، او الغاء احكام قضائية مبرمة، ويجعل القاضي بالتالي بمنأى عن تدخلات السلطة التشريعية او السلطة التنفيذية، لينتهي الى اعتبار المادة الخامسة من القانون المطعون فيه، بالاستناد الى ما تقدم، مخالفة لمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية ومبدأ استقلالية القضاء ذي القيمة الدستورية وتاليا مستوجبة الابطال.
لا بد بادىء ذي بدء وقبل التعليق على هذه النقطة، من البوح ان " اسوأ " ما في القانون رقم 328/2024 المطعون فيه، هو تقريره في المادة الخامسة منه " اعادة المحاكمة " ما يستوجب الغاء هذه المادة. ولكن كيف ؟
لا بد من الاشارة الى ان " درجة السوء العالية " هذه المتمثلة في تقرير " اعادة المحاكمة " لا تتم معالجتها كما ذهب اليه المجلس الدستوري .
بادىء ذي بدء يجب " تكييف " Qualification المادة الخامسة قانونيا، قبل ولوج الحلول.
فالمادة الخامسة المطعون فيها تنطبق عليها المادة الخامسة من قانون اصول المحاكمات المدنية التي تنص على ما يلي:
" تسري قوانين اصول المحاكمات الجديدة فورا على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى او تمّ من الاجراءات قبل تاريخ العمل بها. وتستثنى من ذلك: 1 ـ ........... 2 ـ ..........
3 ـ القوانين المنظمة لطرق الطعن بالنسبة لما صدر من الاحكام او القرارات التحكيمية قبل تاريخ العمل بها متى كانت هذه القوانين ملغية او منشئة لطريق من تلك الطرق ".
فمن خلال التكييف القانوني للمادة الخامسة المذكورة ، يمكننا القول انها مشمولة بالبند 3 من المادة الخامسة من قانون اصول المحاكمات المدنية، لانها ادخلت شرطا جديدا الى شروط اعادة المحاكمة، فتكون " منشئة " لطريق طعن جديدة، اذ ان طريق الطعن يجب ان تفسّر وفقا للغاية منها، فيكون ادخال شرط جديد الى شروط اعادة المحاكمة بمثابة " انشاء " طريق طعن جديد.
فاذا كان المبدأ ان قوانين اصول المحاكمات الجديدة تطبق بصورة فورية immediate على ما لم يكن فصل فيه من الدعاوى او تمّ من الاجراءات قبل تاريخ العمل بها، اي انها لا تطبق على الدعاوى المفصولة او الاجراءات المحققة، الا ان القوانين المنظمة لطرق الطعن، التي انشئت بسبب طعن جديد، تستثنى من هذا الحكم، اي انها تطبق حتى على الدعاوى المفصولة والاجراءات المحققة التي تمت.
فأين نحن من خرق مبدأي فصل السلطات واستقلالية القضاء اللذين استند اليهما المجلس الدستوري؟
واين نحن من تدخل المشترع في عمل القضاء، طالما اننا في معرض نص تشريعي واضح يجيز للمشترع ان يحدث طريق طعن جديدة ويطبقها حتى على الدعاوى المفصولة باحكام مبرمة او على الاجراءات المحققة ؟
لقد اخطأ المجلس الدستوري في تعليله المخالف للمادة الخامسة من قانون اصول المحاكمات المدنية وذهب بصورة خاطئة الى " الاستعانة " بخرق مبدأي فصل السلطات واستقلالية القضاء وتدخل السلطة التشريعية في اعمال السلطة القضائية، توصلا الى ابطال المادة الخامسة من القانون المطعون فيه، متجاوزا ايضا هذه المرة صلاحياته الى حد " الافراط " في التفسير، ومخالفته نصوص تشريعية واضحة.
ان " الشر المطلق " المتمثل بالمادة الخامسة من القانون المطعون فيه، لا تتم معالجته بمخالفة القانون، بل باي طريقة أخرى، فنعود ونكرر عسى اان المجلس الدستوري " فتّش " عن سبب شكلي لابطال القانون ـ "غير مأسوف عليه " ـ برمته. فيكون المجلس النيابي مضطرا الى اصدار قانون جديد ، بدون الفقرة الثانية من المادة الاولى والمادة الخامسة من القانون المطعون فيه.
ولكن لا بد من الاشارة الى ان ما ابطله المجلس الدستوري يطال فقط اعادة المحاكمة في الاحكام المبرمة؛ اما الاحكام غير المبرمة، فتبقى خاضعة لطرق الطعن التي تجيز المادة الخامسة من قانون اصول المحاكمات المدنية تطبيقها فورا ـ وبالاستناد الى المادة الخامسة من القانون المطعون فيه عن طريق تفسيرها بالحجة المعاكسة raisonnement a contrario - اذ ان ابطال المادة الخامسة يطال فقط الاحكام المبرمة، بدون الاحكام الاخرى غير المبرمة، التي تبقى خاضعة للطعن عملا بالبند 2 من المادة الخامسة من قانون اصول المحاكمات المدنية التي تنص عن التطبيق الفوري للقوانين المعدلة للمهل، متى كانت المهلة قد بدأت قبل العمل بهذه القوانين.
ماذا يعني ذلك،
هذا يعني ان المادة الخامسة من قانون اصول المحاكمات المدنية نصت عن التطبيق الفوري لقوانين اصول المحاكمات المدنية الجديدة، على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى او تمّ من الاجراءات قبل تاريخ العمل بها .
ولكن البند 2 منها استثنى القوانين المعدلة للمهل متى كانت المهلة قد بدأت قبل العمل بها ؛ ما يعني ان قانون تعليق المهل رقم 328/2024 يطبق فورا على الدعاوى التي ما زالت عالقة وعلى الاجراءات التي لم تتم بعد. وبالتالي يمكن الطعن باي حكم قضائي غير مبرم لم يراع قانون تعليق المهل المذكور، عملا بقاعدة التطبيق المباشر على الدعاوى التي ما زالت قيد النظر لهذا القانون ( المادة الخامسة، بند 2 أ.م.م ).
في الخلاصة نقول ان الحاجة الماسة لتعديل " النصوص السيئة "، ومهما بلغت درجة " سوئها "، لا تبرر تعديلها بمخالفة القانون ايضا.
ونكرر بالنهاية سؤالنا، الم يكن متاحا امام المجلس الدستوري ايجاد سبب شكلي لابطال القانون برمته عن طريق الرقابة الخارجية عليه، لحمل المجلس النيابي على اصدار قانون جديد بدون الفقرة 2 من المادة الاولى والمادة الخامسة من القانون المطعون فيه ؟
رغم مآخذنا على قرار المجلس الدستوري، فلا بد من البوح بان الممارسة العملية ستكون افضل بعد التعديل، مما كانت عليه قبله . ولكن حذار من مخالفة القانون في دولة القانون، وحذار من استعمال مقولة ان النصوص وجدت لخدمة المجتمع وليس العكس، لانها لا تعني اطلاقا ان الحاجة العملية تبرر مخالفة القانون. وهذه مسألة أخرى تتطلب بحثا جديدا.