ما إن انتخب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية حتى سلطت الأضواء على سيدة "القصر الجمهوري" الجديدة نعمت عون التي من المتوقع أن تقوم بدور نشط في المجالين الاجتماعي والإنساني أثناء أدائها مهامها كسيدة أولى تعمل خلف الستارة إلى جانب رفيق دربها. وإذ تعلق الآمال على رئاسة الجمهورية في هذه المرحلة الدقيقة في تاريخ لبنان، وعلى كل ما يمكن أن يتحقق لمصلحة لبنان على الصعد كافة، هناك تساؤلات حول ما إذا كانت السيدة الأولى الحالية قد تعيد الألق إلى اللقب، خصوصاً أنها تملك خبرة طويلة في مجال البروتوكول والعلاقات العامة، ومن المتوقع أن تكون مصدراً قوياً لدعم للقضايا الاجتماعية والإنسانية. في هذه المناسبة نسترجع سيدات "القصر" اللاتي برزن في تاريخ لبنان، ومنهن من تركن بصمة واضحة، ونسلط الضوء على المهام التي تضطلع بها السيدة الأولى في ولاية الرئيس، علماً أن لقب السيدة الأولى الذي يعطى لزوجة حاكم البلاد في فترة حكمه، أطلق للمرة الأولى في العالم عام 1849 عندما أعطى الرئيس الأميركي زكاري تايلور لقب "السيدة الأولى" على دوللي ماديسون في جنازتها.
سيدات "القصر" في أداء متفاوت
من سيدات "القصر" اللاتي توالين في تاريخ لبنان الطويل من تركن بالفعل بصمة في الحياة العامة، فيما بقيت أخريات في الظل ومارسن المهام الموكلة إليهن بخجل بعيداً من الأضواء، ومن دون الغوص في الحياة العامة. لذلك، بدت أدوارهن متفاوتة، بدءاً من سيدة "القصر" الأولى في تاريخ لبنان بعد الاستقلال لور شيحا، وهي زوجة الرئيس بشارة الخوري وشقيقة واضع الدستور بعد إعلان دولة "لبنان الكبير" ميشال شيحا. وكانت لها مشاركة بعديد من الفعاليات الاجتماعية والثقافية التي أسهمت بنهضة لبنان آنذاك.
أما زلفا شمعون زوجة الرئيس كميل شمعون، فحظيت بألقاب عدة لجمالها وأناقتها اللافتة وشخصيتها القوية، منها "أيقونة الأناقة" و"درة القصر"، كما اشتهرت بحبها للفن والإبداع، وأسهمت بتأسيس "مهرجانات بعلبك الدولية" التي أطلقت في عهد الرئيس شمعون، وتركت أثراً كبيراً في الفن والتراث اللبناني، كما كانت مسؤولة عن الفولكلور اللبناني، إضافة إلى أنها رعت المسرح والفولكلور، تميزت بشغفها بالعمل الاجتماعي، وأسست "مدرسة المكفوفين" و"الجمعية اللبنانية لإغاثة الضرير"، واستمرت بجمع المال بعد انتهاء ولاية شمعون إلى أن مرضت. كان لها دور بارز بمساهمتها بعديد من الأعمال الخيرية، فاستحقت اختيارها من بين أهم نساء العرب، وانطبعت في تاريخ لبنان شخصية نادرة.
روزيت بواتيو أو روز شهاب، زوجة الرئيس فؤاد شهاب الذي انتخب رئيساً بعد أحداث عام 1958، فكانت مشاركتها في الحقل العام أكثر هدوءاً. هي ابنة ضابط فرنسي، وقد دعمت زوجها في مسيرته العسكرية والسياسية، وأسهمت بعديد من القضايا الاجتماعية والثقافية بهدوء بعيداً من الأضواء، خصوصاً أنها لم تهتم بالمظاهر يوماً، ولم تبهرها السلطة، فعاشت مع زوجها حياة بسيطة أثناء قيامها بأعمال الإحسان.
ودخلت بعدها إلى "القصر" نينا طراد، وهي زوجة الرئيس شارل حلو، وهي ثاني محامية امرأة تسجل في نقابة المحامين في لبنان، وكانت ناشطة في الحقل الاجتماعي. تدرجت على يد عمها المحامي بترو طراد الذي كان رئيس الدولة اللبنانية قبل الاستقلال. وكانت رائدة في الدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان، ولم تهمها السلطة يوماً أو كونها سيدة أولى. فحرصت على العمل والعطاء بصمت وهدوء.
أما زوجة الرئيس سليمان فرنجية (جد رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية) خامس رئيس للجمهورية اللبنانية، فهي إيريس فرنجية، مصرية الجنسية، تميزت بحضورها القوي وأناقتها اللافتة، إلى جانب دعمها لزوجها في مسيرته السياسية، قامت بأعمال خيرية عديدة، وعرفت بشغفها لعزف البيانو. وبعد اغتيال ابنها طوني وعائلته عام 1978، أمضت سنوات من الحزن والحداد، وتابعت الاهتمام بعائلتها وبأمور بناتها الثلاث إلى أن توفيت عام 1995.
في عهد الرئيس الياس سركيس لم يكن هناك سيدة أولى، بما أنه لم يكن متزوجاً. وعندما انتخب الرئيس بشير الجميل عام 1982، كانت زوجته صولانج الجميل تتحضر لتولي مهام السيدة الأولى ودخول "القصر"، لكنه اغتيل ولم تمض إلا 22 يوماً كسيدة أولى، إلا أنها واصلت النشاط السياسي، وأسست مؤسسة تحمل اسم زوجها، وكانت ناشطة في مراحل عديدة لاحقة.
في عام 1982 دخلت جويس تيان زوجة الرئيس أمين الجميل إلى "القصر" لدى انتخاب زوجها خلفاً لشقيقه بشير. كانت محط الأنظار بأناقتها وحيويتها وانفتاحها في الإدارة السياسية، وأيضاً في نشاطاتها الاجتماعية، وحظيت بمتابعة إعلامية واسعة. كما عرفت بدعمها الكبير للأعمال الإنسانية والاجتماعية. ويعرف أنه لها تأثير قوي في حزب الكتائب الذي يترأسه حالياً ابنها النائب سامي الجميل، وقد لعبت دوراً فاعلاً في المجال السياسي والحزبي في مراحل عديدة.
تحديات وصعاب
كذلك لم تتمكن نايلة معوض من دخول "القصر" كسيدة أولى بما أن زوجها رينيه معوض اغتيل بعد 17 يوماً فقط من انتخابه عام 1989. مارست مهنة الصحافة، وأسست "مؤسسة رينيه معوض" عام 1990. وكانت ناشطة في الحياة السياسية، فأصبحت نائب في البرلمان وأعيد انتخابها في دورات عدة، إلى أن امتنعت عن الترشح عام 2009 بسبب ترشيح ابنها ميشال. أيضاً تم تعيينها وزيرة للشؤون الاجتماعية بين عامي 2005 و2008 في عهد الرئيس إميل لحود. عرفت بدفاعها عن حقوق المرأة والطفل، واستطاعت أن ترسخ دور المرأة اللبنانية في مراكز صنع القرار عبر دورها النشط السياسي والاجتماعي.
وأتت بعدها منى الهراوي زوجة الرئيس الياس الهراوي لتحظى بتقدير كبير أثناء توليها مهام السيدة الأولى، نظراً إلى حضورها اللافت، وأناقتها، والدور الفاعل الذي لعبته على المستويين الاجتماعي والإنساني. كانت لها تجربة مهمة في مجال دعم المرأة، والتربية والتعليم، والرعاية الصحية، والمحافظة على التراث. وأسست "مركز الرعاية الدائمة" لمرضى التلاسيميا والسكري من الأطفال، و"المؤسسة الوطنية للتراث".
أما أندريه لحود فهي سيدة "القصر" الأولى ذات الأصول الأرمنية. مارست زوجة الرئيس إميل لحود دورها بصمت بعيداً من الأضواء، كنها قامت بأعمال خيرية، ولعبت دوراً في دعم قضايا المرأة والطفل، وتركت بصمة في ذلك، كما أسست "جمعية رعاية شؤون الطفولة".
وأتت بعدها وفاء سليمان زوجة الرئيس ميشال سليمان التي كرست حياتها للتربية والتعليم، وعملت في وزارة التربية بعدما مارست دورها في مجال التعليم في المدارس العامة. وكونها حائزة إجازة في التربية والتعليم وإجازة في الفلسفة، كان لها اهتمام كبير بالتعليم خلال ولاية زوجها العماد ميشال سليمان. وكانت من المؤيدين لإعطاء المرأة المتزوجة من أجنبي حق منح الجنسية لأولادها، ولإشراك المرأة في مراكز صناع القرار. وفي سبيل الحد من معاناة المرأة على الصعيدين الاجتماعي والإنساني، أسست مركز صحة قلب المرأة "يدنا" الذي يعد من أول المراكز التي تقدم هذا النوع من الخدمات الصحية للمرأة في هذا المجال.
ودعمت ناديا الشامي زوجها الرئيس ميشال عون في مسيرته العسكرية والسياسية، على رغم التحديات والصعاب، ولهما ثلاث بنات هن كلودين وشانتال وميراي. عاشت حياة بسيطة بعيداً من الأضواء التي لم تجذبها. لذلك غابت غالباً عن المناسبات الاجتماعية والسياسية، وعن مواقع التواصل الاجتماعي، كونها لا تحب الظهور. وأثناء قيامها بمهامها كسيدة أولى نادراً ما كانت تقوم بأي تصريح إعلامي، وفضلت البقاء في الظل.
أَلَق غاب طويلاً
والأنظار حالياً نحو السيدة الأولى نعمت عون التي يبدو واضحاً أنها تتميز بالحيوية والاندفاع، خصوصاً أنها تأتي من خلفية علاقات عامة وبروتوكول. وتميزت من اللحظة الأولى بحسن التصرف وبطريقة تعاطي محببة مع الإعلاميين. وأكثر بعد، هي لم تكن تتعاطى الشأن الاجتماعي لدى تسلم زوجها العماد جوزاف عون الحكم، بل لها خبرة طويلة في هذا المجال، وكانت تنظم أنشطة وحفلات منذ أن كان قائد جيش، لكن بعيداً من الأضواء، وبعيداً من التغطية الإعلامية. يضاف إلى ذلك أنها أكثر شباباً، وهي بسن الـ59 سنة ما قد يجعلها أكثر نشاطاً واندفاعاً في التعاطي بالشأن العام، وفي ممارسة دورها كسيدة أولى خارج الإطار التقليدي.
ويشير خبير البروتوكول والقيادة المجتمعية بسام عبدالمسيح إلى أنه بعد السيدة الأولى منى الهراوي لم تدخل سيدة على "القصر" لتملأ هذا المركز بالشكل الذي فعلت، وكانت بالفعل نجمة في هذا الموقع. وقد تكون أكثر زوجات الرؤساء تأثيراً، نظراً إلى الدور المهم الذي لعبته في المجالات الاجتماعية والإنسانية والصحية. وكانت سهرت في تلك الحقبة على عملية إعادة ترميم القصر وتزيينه بكل التفاصيل، وأسست مركز التلاسيميا للأطفال، إضافة إلى أعمال عديدة قامت بها، ودور لافت كان لها، إلى جانب أناقتها وإطلالتها الراقية مما جعلها محفورة في الذاكرة. في المقابل، لا ينكر عبدالمسيح أن ثمة سيدات لا يفضلن الظهور ويخترن الابتعاد عن الأضواء، فيوكلن مهامهن إلى أشخاص آخرين، "لكن تسلط الأضواء على السيدة نعمت عون حالياً لعلها تتمكن من أن تعيد الألق إلى دور السيدة الأولى".
وبالعودة إلى سيدات "القصر" في تاريخ لبنان والأدوار المتفاوتة التي لعبنها، لا ينكر الدور الذي لعبته السيدة وفاء سليمان مع تأسيس مركز "يدنا" لصحة قلب المرأة. وكانت لها إنجازات عديدة في هذا المجال وغيره من القضايا. حتى إنها أعطت بريقاً لـ"الهيئة الوطنية لشؤون المرأة" من خلال دعمها القضايا التي تعنى بها.
أما زوجة الرئيس أمين الجميل فلعبت دوراً على المستوى الإنساني، وكانت حريصة على مساعدة الجرحى ورعاية أولادهم، وكانت لها أنشطة تذكر. أما السيدة أندره لحود فابتعدت عن الأضواء لتختار البقاء في الظل، ولم يكن لها دور بارز فعلاً. كذلك بالنسبة إلى السيدة ناديا عون التي فضلت عدم التعاطي بالشأن العام، ولم تكن لها أنشطة بارزة، بل حضور تقليدي في بعض المناسبات.
مهام خارج الإطار التقليدي
وحول مهام السيدة الأولى في لبنان يشير عبدالمسيح إلى أنه عندما يتسلم رئيس الجمهورية سدة الحكم، تترأس السيدة الأولى "الهيئة الوطنية لشؤون المرأة" دوماً بصورة رسمية، لكن في عهد العماد ميشال عون، اختارت زوجته أن توكل هذه المهمة إلى ابنتها كلودين عون، لاعتبارها لم ترغب بالتعاطي بالشأن العام، كما تعنى السيدة الأولى بالمهام كافة في الشأن الصحي والاجتماعي طوال فترة العهد، وتتوقف هذه المهام مع انتهاء ولاية الرئيس.
وفي إطار مهامها في رئاسة "الهيئة الوطنية لشؤون المرأة" تهتم السيدة الأولى عادة بكل ما يتعلق بقضايا المرأة وأسرتها، وتتقدم باقتراحات أو توصيات إلى الوزارات المعنية، ولها دورها الفاعل في ذلك، "قبل سبعينيات القرن الماضي، لم تكن الهيئة الوطنية لشؤون المرأة قد تأسست بعد. وكانت مهام السيدة الأولى تقتصر على مرافقة الرئيس في المناسبات والأنشطة، لكن أسهم تأسيسها في تعزيز دورها الاجتماعي والإنساني. مع الإشارة إلى أن الهيئة تأسست واكتملت عناصرها في عهد الرئيس إلياس الهراوي، وكانت زوجته أول من ترأسها ولعبت دوراً مهماً فيها".
من جهة أخرى بحسب العرف، ترافق السيدة الأولى الرئيس في الزيارات الخارجية، وفي الأنشطة الاجتماعية، والمناسبات، والحفلات. كما ترافق زوجها في استقبال رئيس دولة أخرى إذا كانت زوجته ترافقه، وتكون من مهامها مرافقتها أثناء الزيارة في الحفلات، وتملأ برنامجها اليومي من خلال زيارات إلى مواقع أثرية ومراكز صحية تحتاج إلى الدعم ربما، وذلك أثناء انشغال زوجها مع الرئيس بالشؤون السياسية والاجتماعات.
في المقابل في الشأن السياسي لا دور للسيدة الأولى، وهي لا ترافق الرئيس في المناسبات ذات الطابع السياسي، كما في الاحتفال بعيد الاستقلال أو في المناسبات الرسمية. إلا أنها قد ترافقه في المناسباًت الاجتماعية وغيرها من الأنشطة المماثلة، كتكريم شخصية ما أو في المناسبات الديني.
وحول إطلالات السيدة الأولى ومظهرها، يشير عبدالمسيح إلى أن مكتب العلاقات العامة في القصر الجمهوري، يوصي عادة بألوان معينة أو أسلوب خاص بمناسبات، من دون أن يفرضها. وللرئيس أو السيدة الأولى أخذ هذه التوصيات بالاعتبار. فوفق البروتوكول لكل مناسبة لون ملائم يمكن أن تطل به السيدة الأولى أو أسلوب معين يمكن أن تعتمده فيها، ويمكن أن تساعدها توجيهات المكتب على القيام بالاختيارات المناسبة وتجنب الأخطاء.