تراجع إنتاج الغاز النرويجي يهدد الغرب وروسيا المستفيد
شارك هذا الخبر
Sunday, January 19, 2025
رغم أن دول أوروبا تتحسب لفصل الشتاء بملء مخزونات الغاز في دول القارة إلى مستويات قياسية العام الماضي، فإن الاستهلاك في الفترة الأخيرة يجعل الدول المستهلكة في وضع قلق بالنسبة إلى مستقبل حاجات الطاقة، خصوصاً بعد العقوبات المتتالية على روسيا بسبب حرب أوكرانيا وحظر استيراد النفط والغاز من موسكو.
وإذا كانت معظم الدول الأوروبية استعاضت عن الغاز الروسي الذي كان يلبي 40 في المئة من الطلب الأوروبي قبل حرب أوكرانيا، باستيراد الغاز الطبيعي المسال، إلا أن الاعتماد على إنتاج دولة أوروبية مهمة مثل النرويج زاد بشدة في الأعوام الأخيرة.
وتعد النرويج أكبر دولة أوروبية منتجة للطاقة، خصوصاً الغاز الذي يأتي من حقول بحرية وتصدره لدول أوروبية ولبريطانيا.
يمثل الغاز الطبيعي النرويجي مصدراً أساسياً لبعض الدول، خصوصاً أن أسعاره أقل بكثير من أسعار الغاز الطبيعي المسال الذي بدأت الدول الأوروبية تستورده من أميركا وقطر وغيرها، على سبيل المثال، ورغم أن بريطانيا تستورد الغاز والنفط من النرويج منذ عقود، فإن الاعتماد عليها زاد في الأعوام الأخيرة.
فمع نضوب حقول بحر الشمال البريطانية وصلت إمدادات الغاز من النرويج العام الماضي إلى نحو نصف حاجات بريطانيا واستوردت لندن ما يصل إلى ربع حاجاتها النفطية من النرويج.
ذروة ومخاوف
مع أن بريطانيا، مثلها مثل معظم دول أوروبا، تستورد أيضاً الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وغيرها إلا أن الاعتماد على استيراد الطاقة من النرويج يزداد، وذلك مما يجعل أنباء إمكانية بداية التراجع في الإنتاج النرويجي تثير مخاوف خطر أزمة غاز طبيعي في أوروبا والغرب عموماً.
وأصدرت إدارة الحقول البحرية النرويجية تقريراً جديداً قبل أيام يخلص إلى أن إنتاج البلاد من النفط والغاز وصل إلى ذروته بالفعل العام الماضي، وسيبدأ في الانخفاض.
من شأن تراجع إنتاج النرويج من النفط والغاز أن يؤدي إلى أزمة طاقة في الغرب، ليس من قلة المعروض العالمي، ولكن لأن مصادر الإمداد لأوروبا قد لا تكفي لسد الحاجات مما يجعلها تعيد النظر في حظر استيراد الطاقة من موسكو، كما يشير تحليل في صحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية.
وعلى مدى العقد المقبل، سيكون على الدول الغربية المستهلكة للطاقة، خصوصاً الدول الأوروبية، وضع استراتيجيات لضمان أمن الطاقة في المستقبل.
وبحسب تقرير إدارة الحقول البحرية النرويجية فإن البلاد أنتجت العام الماضي 230 مليون متر مكعب من النفط والغاز.
وباعتبار أن تلك طاقة الإنتاج القصوى التي ستبدأ في التراجع من هذ العام والعام المقبل، فإن تلك الكمية قد تصل إلى أقل من النصف (عند 110 ملايين متر مكعب بحلول عام 2035) وفقاً لتقديرات التقرير.
ومع أن بعض المحللين والخبراء يرون أن زيادة الاستثمارات في قطاع النفط والغاز يمكن أن تقلل من مستوى التراجع، إلا أن هناك حقيقة مهمة وهي أن أفضل حقول الغاز والنفط النرويجية بدأت مرحلة النضوب.
ويتوقع تقرير الإدارة أن "يبدأ انخفاض الإنتاج في الأعوام القليلة المقبلة"، مضيفاً "لإبطاء عملية الانخفاض نحتاج إلى استكشافات قرب وجود البنى التحتية، وفي المناطق المتقدمة أكثر إضافة إلى زيادة الاستثمارات في الحقول والتنقيب والبنية التحتية"، وفي حال عدم زيادة الاستثمارات ستفكك النشاطات البترولية بسرعة".
زيادة الاستثمارات
منذ بدأ الإنتاج النرويجي الكبير، خصوصاً من الحقول البحرية، عام 1971 يأتي النفط والغاز الطبيعي من 123 حقلاً قبالة السواحل النرويجية.
وبنهاية العام قبل الماضي 2023 كان هناك 92 حقلاً فحسب منتجاً، منها 67 حقلاً في مياه بحر الشمال و23 حقلاً في مياه بحر النرويج وبحر بارينتس.
إجمالاً، تحوي الحقول النرويجية 251 مليون برميل من النفط القابل للاستخراج، وهي كمية تساوي الآن 10 أضعاف الاحتياطات لدى بلد مثل بريطانيا. وتشير التقديرات إلى أن تلك الكمية قد تنخفض إلى 100 مليون برميل فحسب بحلول عام 2050، هذا في حال أن اختارت النرويج الاستثمار بكثافة في مجال النفط والغاز، أما إذا لم تكن الاستثمارات كافية فإن الاحتياط في تلك الحقول والمناطق قد يصل إلى صفر.
ولا يقتصر قرار الاستثمار الكثيف في قطاع الطاقة على شركات الطاقة الكبرى وخططها المستقبلية فحسب، إنما يعتمد أيضاً على التوجه السياسي واختيارات الناخبين النرويجيين، ففي الانتخابات الأخيرة عام 2021 فاز حزب "الخضر" النرويجي بثلاثة مقاعد من مقاعد البرلمان البالغ عددها 169 مقعداً، وهو الحزب الذي يدعو إلى "إنهاء استخدام الوقود الأحفوري بأسرع ما يمكن".
لكن حزب "الخضر" ليس الوحيد الذي يتخذ هذا الموقف من النفط والغاز، فالحزبان الأساسيان اللذان يشكلان الائتلاف الحكومي، وهما حزبا "الديمقراطي الاجتماعي" و"الوسط" استخدما شعار الابتعاد عن الوقود الأحفوري لنيل أصوات النرويجيين، ويتبنى الائتلاف عملية "تحول تدرجي" في مجال الطاقة بعيداً من الوقود الأحفوري، بينما يدعم حزب "اليسار الاشتراكي" المعارض التوجه ذاته.
ومن غير المتوقع أن تؤدي الانتخابات المقبلة في سبتمبر (أيلول) 2024، من هذا العام إلى تغيير كبير في السياسات، من ثم في خطط الاستثمارات في قطاع الطاقة.
ويقول البروفيسور غانر اسكيلاند من كلية الاقتصاد النرويجية، إنه "لا يتوقع أن يُفرض حظر تام على استخراج النفط والغاز"، ويرى في مقابلة مع صحيفة "الـديلي تلغراف" في النهاية "رأس المال يكسب". يشير اسكيلاند إلى صندوق الثروة السيادي النرويجي الذي يحصل نسبة من استخراج النفط والغاز ويضيف أنه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 كان لدى الصندوق أصول أكثر من 1.74 تريليون دولار، ولديه حصص 1.5 في المئة تقريباً من الشركات المسجلة في بورصات العالم، وهذا ما يجعله أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم من حيث حجم الأصول لديه، التي تمثل مدخرات بـ325 ألف دولار لكل مواطن نرويجي".
قلق بريطاني
ربما القلق الأول تحذير تقرير إدارة الحقول البحرية ببدء انخفاض إنتاج النفط والغاز هو للأسر النرويجية التي تستهلك الطاقة المنتجة في بلادها من دون حاجة إلى الاستيراد، إلا أن القلق يطاول أيضاً بريطانيا ودولاً أوروبية تعتمد على استيراد الطاقة من النرويج، خصوصاً الغاز الطبيعي.
فعلى سبيل المثال، استوردت بريطانيا في العام الأخير بـ10.2 مليار جنيه استرليني (12.4 مليار دولار) من النفط من النرويج و10.5 مليار جنيه استرليني (12.8 مليار دولار) من الغاز النرويجي، ذلك مع نضوب حقول بحر الشمال البريطانية التي كانت توفر القدر الأكبر من حاجات الطاقة البريطانية.
تنطبق الحال على كثير من الدول الأوروبية التي زادت وارداتها من النرويج بعد وقف استيراد النفط والغاز من روسيا، وبحسب ما يقول رئيس تحليلات الطاقة في شركة خدمات معلومات السع المستقلة "آي سي أي أس" أندرياس شرودر فإن "غروب النرويج هو فجر جديد لروسيا"، مضيفاً أن "الدعوات لإعادة فتح خطوط الأنابيب ومحطات الضخ للغاز الروسي الرخيص ستعلو أكثر بمرور الوقت مع زيادة الأسعار وتراجع الإنتاج النرويجي، ويدعم ذلك حجج المطالبين بمزيد من التعاون مع روسيا، ويشجع السياسيين المقربين من روسيا في دول مثل سلوفاكيا والمجر".
لكن ذلك قد لا يكون قريباً جداً، إذ إن استمرار الحرب في أوكرانيا سيعني بقاء الأوضاع الحالية والعقوبات والحظر على موسكو، لكن مع احتمال تسوية الأزمة الأوكرانية، كما وعد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب، قد تعود إمدادات الطاقة الروسية إلى دول أوروبا تدريجاً بالتوازي مع انخفاض إنتاج النرويج.