فخامة الرئيس... نحن لم نعُد يتامى – بقلم تقلا صليبا

  • شارك هذا الخبر
Sunday, January 19, 2025

جميلة هذه الأيام العشرة التي مضت، كأنها واحدة من تلك الأيام التي تشهد أحداث قرون... وصل إلى بعبدا الرئيس الجديد، وكأنه ليس أيّ رئيس، جاء وكأنه الأمل في رجل، اذ بعد عزلة عربية ودولية، طويلة مدّتها، وقاسية نتائجها، انفتحت أبواب العالم على لبنان، وتوالت الزيارات، التي افتتحها الرئيس القبرصي، وتلاه الرئيس الفرنسي، كما جاء الأمين العام للأمم المتّحدة، بالإضافة إلى ممثّلي الدول والديبلوماسيين والمهنئين العرب والأجانب، كما تتالت الدعوات الواحدة تلو الأخرى للرئيس، لزيارات خارجية، باكورتها المملكة العربية السعودية.

في الشوارع، رأينا حركة غريبة، ايجابية وتفاؤل بين الناس، كبار السن الذين شكروا الله بقول جميل: "عشنا لنرى هذه الأيام"، الشباب اللبناني المهاجر، راح يتناقل صور الطائرات و"ضبّ الشنط"، القطاعات، لاسيما السياحي، رشحت عنه أصداء، وكأنه أخرج رأسه من تحت الماء في لحظة اختناق، كلّ من ذكره الرئيس في خطاب قسمه، يشعر بأنه معني بهذا البلد، يشعر بأنه - صار معنيًا – بهذا البلد.

لم تكن الفرحة بالرئيس وحده، فقد انتشرت فيديوهات السيّدة الأولى، في تصريحات لها، وقد لاقت ترحيبًا كبيرًا بين اللبنانيين، كأنها "واحدة منّا"، كما تعتبر هي نفسها، وكما اعتبرها قسم كبير من الناس، فهي مثال السيّدة اللبنانية بحقّ، الأم، الزوجة، المرأة العاملة، صاحبة الذوق اللبناني الرفيع، ذات الأذن الموسيقية الأنيقة التي انعكست ابتسامة على وجه كل من يدخل قصر بعبدا ويسمع صوت الموسيقى.

هذا كلّه قد يبدو بسيطًا، غير ان الآتي هو الأعظم، فكلّ ما ذكرناه عن الرئيس والسيّدة الأولى، ليس بشيئ أمام ما سنذكره، عما حصل يوم الجمعة الثاني من ولاية جوزيف عون، حين وصل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ومشى بين الناس في الجمّيزة، وكيف حملنا هذا المشهد إلى شهر آب من العام 2020، يوم كان لبنان جريحًا، والشعب اللبناني يتيمًا، رأى بمسؤوليه جزّارين، فجّروا العاصمة، ولو عن إهمال وسوء تقدير، وليس قصدًا، مما كسره عاطفيًا بقدر ما كسره جسديًا وماليًا ودمّر بيوته، فالسلطة في بلد معيّن، دورها لا يخلُ من بعض الآداء النفسي، حيث تُعتبر مصدر الأمن والأمان والحماية للشعب، وهذا ما افتقدناه بعد انفجار المرفأ – وربما قبله ولسنوات طويلة - حين شعرنا بالهوّة بيننا وبين المسؤولين عنا، فرمينا بأنفسنا بين يدي الرئيس الفرنسي الآتي يومها في زيارة دعمٍ للشعب، تبيّن لاحقًا أنها زيارة اتفاقات وصفقات، وشعرنا يومها كأن ماكرون، هو الأمان الذي نحتاجه، فبكينا، وضمّينا رئيس الدولة الغريبة، وشكونا له شدّة الألم، حتى أننا شعرنا بواجب الضيافة نحوه، كأن الزائر الفرنسي، هو ضيف كل بيت من بيوتنا.

أربع سنوات وخمسة أشهر، في عمر الأوطان قد لا تكون مدّة طويلة، لكن ثقل الأحداث التي تحصل خلالها، قادرة على تحويلها لمدّة "مصيريّة"، وبين زيارة ماكرون 2020، وزيارة ماكرون 2025، فوارق كبيرة وكثيرة... يا فخامة الرئيس جوزيف عون، نحن لم نعُد يتامى، ولست وحدي من تقولها، وقد سمعتها من كبار وصغار، من نساء ورجال، من أشخاصٍ قالوا ان في البلد رئيس، هو مسؤول عن استقبال الرؤساء، لم نشعر بأن ماكرون ضيف في بيوتنا، انما هو ضيف قصر بعبدا، لم نشعر أننا نريد أن نبكي أمامه ونشكي عن مسؤولينا، بل جلسنا خلف الشاشات نستمع إلى كلمتك بعد لقائك به، تُفاخر بتاريخ لبنان، فتجعلنا فخورين، ذكرت عظماء لبنان الذين ساهموا في رفع فرنسا، فلا فضل على أحد علينا أكبر من فضلنا عليه، ذكرت فيروز التي كرّمها رئيس بلدها، بدل أن يكرّمها الغرباء، شملت "كلّ اللبنانيين"، من قهرته الحرب ومن سافر ومن بقي، وبإسم هذا "الكلّ"، طلبت منه أن يشهد للبنان الحقيقي الأصيل، أن يشهد لشعب شبع موتًا، ويريد الحياة، وبإسم بيروت الحية، قلت فليحيا لبنان، ومع لبنان أحييت فينا الأمل... وقفت أمام الرئيس الفرنسي، وقفة شموخ، رأينا فيها خلف بدلتك الرسمية، هيبة من حمل على كتفيه النجوم، حاميًا "شرف، تضحية ووفاء" البدلة المُرقّطة.

فخامة الرئيس، وليس لقبًا أناديك به، بل صفةً أصفك بها، ومسؤولية ألقيها على عاتقك، نحن اليوم لم نعد يتامى، "صار عنّا رئيس"، وهو أمر مُحزن أن يفرح الشعب بهذه الكلمة فرحًا شديدًا، وهي أقلّ حقوقه، الا أننا فعلًا فرحنا، لأنك لست "مجرّد رئيس"، نحن نلقي على كتفيك هموم وطن، أثقل من النجوم التي حَمَلَتها بدلتك العسكرية، نحن نفرح بك اليوم، وبما نملك من حقّ، سوف نحاسبك غدًا... فلا تُعيدنا يتامى...