هل يعالج الذكاء الاصطناعي الشعور بالوحدة؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, December 26, 2024

بينما يؤكد مؤسس شركة مؤتمتة قائمة على الذكاء الاصطناعي أن في يد الروبوت القضاء على وباء الوحدة المزمن في بريطانيا، تحث كاتبة التقرير الناس على المبادرة إلى تفاعلات عشوائية مع غرباء علّهم يشعرون أكثر بالتواصل العاطفي والمشاركة الاجتماعية.

كان ذلك بعد ظهر يوم السبت في مثل هذا الوقت من العام الماضي. كنت أنتظر على الرصيف عند محطة كلافام في لندن عندما لمحت بطرف عيني فتى وسيماً. كان في حوالى 12 أو 13 سنة من العمر، يعلو رأسه شعر نحاسي رائع فيما ترتسم على محياه نظرة قلقة. تساءلت في نفسي ما إذا كان بخير، ثم جاء والده ووقف إلى جانبه.
لاحظت أن الأب كان يقف خلف ابنه وقد أحاط عنقه بذراعيه. كان مشهداً مؤثراً. بعد دقائق قليلة، لاحظت أنهما صارا يقفان بجانبي، فشعرت أنني مجبرة على التحدث إلى الشاب. "هل شاهدت مباراة فريق "كريستال بالاس"؟"، سألته بعدما لاحظت أنه كان يرتدي وشاح كرة القدم البريطاني. هز رأسه نافياً. أجبته: "لقد خسرتم المباراة اليوم. أتفهم سبب عدم ردك بالإيجاب".

وبعد ذلك بدأ هذا الشاب يتحدث إلي بلغة "ماكتون"، والأخير برنامج لغوي يستخدم الإشارات والرموز إلى جانب الكلام للمساعدة في سماع الأشخاص الذين يعانون صعوبات في التعلم أو التواصل. شخصياً، ليست لدي أي معرفة بلغة "ماكتون"، لذا ساعدنا الأب على التواصل، وتبادلنا الكلام بشأن كرة القدم والمدرسة وخططه بعد العودة إلى المنزل (مشاهدة البرنامج التلفزيوني "ستريكتلي كوم دانسينغ" Strictly Come Dancing "تعال ارقص فقط [الرقص على أصوله]"). ثم وصل قطارنا، فأخبرت والده كم كان لطيفاً التحدث إليهما، وكيف أنني عندما رأيته يعانق ابنه شعرت بالحنين والاشتياق إلى والدي الراحل.

الفتى، الذي كان يوشك على الصعود إلى القطار، توقف للحظة واستدار ثم أحاطني بذراعيه في أكبر عناق حظيت به منذ وقت طويل، وتابع طريقه بعد ذلك من دون أن أعرف عنه شيئاً بعد هذا اللقاء العابر.
أجدني أبكي فيما أكتب هذه السطور، كما أفعل في كل مرة تستعيد فيها ذاكرتي هذه الحادثة الصغيرة، تلك اللحظة الجميلة البسيطة من التواصل، التي لمست أعماقي. لمحة صغيرة من اللطف والبهجة ما كانت لتحدث أبداً لو أنني لم أتحدث إلى ذلك الشاب.

في عالم حيث أصبحت الوحدة، على ما يبدو، مشكلة شائعة تؤثر في الأجيال كافة، وفق أحد الاستطلاعات، يصنف أربعة ملايين بريطاني أنفسهم على أنهم يكابدون الشعور بالوحدة المزمنة، في حين يقضي الشباب قرابة 1000 ساعة أقل سنوياً برفقة أصدقائهم مقارنة مع ما كانت عليه الحال قبل 20 عاماً. ولكن ما الحلول والطرق التي تساعدنا في تعزيز التفاعل الاجتماعي وبناء علاقات مع الآخرين؟

يذهب مؤسس روبوت دردشة يستخدم الذكاء الاصطناعي لتوفير الرفقة للمستخدمين إلى أن في يد التكنولوجيا أن تساعد في معالجة أزمة الوحدة. ولكن البقية منا يعلمون أنها لن تنجح في ذلك، تماماً كما "تبين" الآن أن تطبيقات المواعدة [التي كانت تعتبر في البداية وسيلة مجدية لفوز بشريك وبناء علاقات عاطفية] قد أصابت معظم الناس بالإحباط والخيبة.

بدلاً من أن نترك التكنولوجيا تقوم بالجهد الأكبر [في معالجة مشكلة الوحدة]، على معظمنا مواجهة الخوف وإلقاء التحية على شخص غريب تماماً.

تحدث [أيها القارئ] إلى الآخرين. إنها مهارة كنت أتمنى لو كنت أمتلكها منذ سنوات، ولكن عندما سمعت الممثل والكاتب المسرحي البريطاني آلان بينيت يقتبس كلاماً كان سمعه من الفنان التشكيلي فرانسيس بيكون، "من العار أن تكون كبيراً في السن وخجولاً"، أدركت أنه لا مبرر أو جدوى للخجل في أي مرحلة عمرية. لطالما ظننت أنني إذا اقتربت من شخص لا أعرفه وأجريت معه محادثة عابرة، سأجد نفسي في نهاية المطاف في موقف محرج وسخيف. ولكن الآن، بعدما مررت بمواقف مشابهة نحو 8 ملايين مرة في حياتي، فإن إضافة موقف محرج آخر لن يغير في الأمر شيئاً.

لست أقول إن عليك التحدث إلى الجميع، فبعض الناس ينفرون تماماً من الخوض في أحاديث مع الغرباء، أو أن يومهم العصيب أو السيئ يمنعهم من ذلك كما قد تلاحظ من التعبير المرير المرسوم على وجوههم. ولكن إخبار شخص ما بأن ملابسه تبدو رائعة، أو أن طفله شديد الروعة (في الحقيقة، التفاعل مع الأطفال يكون ممتعاً جداً أيضاً)، أو تبادل كلمات لطيفة مع بائع جريدة "بيغ إيشو" أو الموظف الذي يعد لك فنجان القهوة في المقهى، لن يمنح يومهم لمسة إيجابية فحسب، بل سيبث في نفوسهم بعض البهجة والسعادة أيضاً. كذلك سيتحسن مزاجك أنت. إنه كلام مثبت علمياً، وفق تقرير صادر عام 2014 نشرته مجلة "علم النفس التجريبي" Experimental Psychology.

كلما أجريت محادثة عابرة، أصبح التفاعل مع الآخرين أسهل. ربما تتحول الأحاديث الصغيرة في نهاية المطاف إلى محادثات كبيرة تدوم مدى الحياة، ولكن حتى لو لم يحدث ذلك، تكون قد تبادلت لحظة صغيرة من التواصل مع شخص آخر، ما يترك في داخلك شعوراً رائعاً من المتعة. آخر تجربة لي في هذا الصدد عندما طلب مني رجل كان يتألم في محطة ويمبلدون، أن أعيد ركبته المخلوعة إلى مكانها، فيما قالت ابنته بسرور: "عندما يسألني أبي أن أفعل ذلك، علي أن أقفز على ركبتيه". ثم أخبرتني بشأن دميتها الجديدة، قطة محشوة ناعمة.

والحق أن الناس لا يتوقفون عن مفاجأتنا أبداً، ولكن ما لم تتوقف وتتحدث معهم، فلن تكتشف أبداً هذا الجانب غير المتوقع منهم.


اندبندنت عربية