ذا تلغراف- لوبان تقلب الطاولة.. وتستغل قرار ماكرون الكارثي

  • شارك هذا الخبر
Saturday, December 7, 2024

طالما أجاد رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه استخدام الكلمات، قال في رسالته: "أتشرف بتقديم استقالة الحكومة إليكم"، وكأنه قد عُين للتو ولم يُطرد، وتعتبر فترة خدمته هي الأقصر في تاريخ فرنسا، وهو أول رئيس وزراء منذ 6 عقود يُجبر على التنحي، بسبب اقتراح بحجب الثقة، وقد أطاحت به في الواقع مارين لوبان.

في هذا السياق، كتب فرايزر نيلسون في صحيفة "ذا تلغراف" أن كثراً افترضوا أن لوبان في طريقها إلى الخروج، بعد اتهامها باختلاس أموال البرلمان الأوروبي. ولكن كما أظهرت للعالم للتو، ربما أصبح حزبها أكثر قوة الآن من أي وقت مضى.
أثبت أعداؤه خطأه
لا يستطيع التجمع الوطني تشكيل حكومة. فهو يفتقر إلى الحلفاء. وكان بارنييه محقاً في القول إنه تم إخراجه على يد "ائتلاف من الأضداد" الذين يتفقون على شيء أكثر من الحاجة إلى عزله. ولكن ما يوحد لوبان وشريكها الجديد في التمرد، جان لوك ميلانشون، هو ازدراء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. أدى قراره الكارثي بالدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة إلى برلمان معلق، حيث كان أمله الوحيد هو ألا يتمكن اليمين واليسار من الاتحاد أبداً. مرة أخرى، أثبت أعداؤه خطأه.

ثمة نحو 20 مرشحاً محتملاً للسباق الرئاسي المقبل، لكن لا أحد يقترب في شعبيته من شعبية لوبان. يبلغ تأييدها نحو 40% في بعض استطلاعات الرأي. يأتي إدوار فيليب، عمدة لوهافر، في المرتبة التالية بنحو 25%. من شأن إدانتها بالاختلاس أن تمنعها من السباق، ولكن بخلاف ذلك من الصعب رؤية ما الذي قد يمنعها من الترشح. وكما انتهى الأمر بالحرب القانونية والتوبيخ المستخدم ضد دونالد ترامب إلى جعله أقوى، يبدو أن نفس التكتيكات تعمل على تمكين لوبان.

مشكلة في الدفاع
قبل وقت غير طويل، كان ماكرون يقترح "ثورة" وسطية، ونشر كتاباً يحمل نفس الاسم. لقد فشلت لأنه فشل. لمدة سبعة أعوام، تحت رئاسة هذا المصرفي الاستثماري السابق، ارتفع الإنفاق العام الفرنسي - كما حدث مع الدين الوطني - مما أدى إلى أزمة الموازنة الحالية. إن نوع التخفيضات في الموازنة والمعاشات التقاعدية التي كان بارنييه يحاول تمريرها هي الحل الوحيد. لكن ماكرون لم يبنِ القضية بشكل صحيح لهذه الأجندة، أو لأي أجندة إصلاحية مناسبة.
وفق الكاتب، كان من الممكن دوماً التفوق على لوبان في الحجة والسخرية من إنكارها المالي. لكن تصويرها على أنها وحش من أقصى اليمين كان أكثر من مجرد شتائم. تم استخدام تكتيكات مماثلة ضد البديل من أجل ألمانيا، والديمقراطيين السويديين، وحزب القانون والعدالة في بولندا، وحزب الحرية بزعامة خيرت فيلدرز في هولندا، وحزب الحرية في النمسا.
لهذا يصوتون لهم
في نظرة حول أوروبا، لا يبدو أن هذا التكتيك يعمل بشكل جيد جداً - لكنه لا يتوقف أبداً عن أن يتم استخدامه. تتعلم ألمانيا هذا بالطريقة الصعبة. انهار ائتلاف أولاف شولتس الشهر الماضي. وكما أظهرت الانتخابات المحلية الأخيرة في براندنبورغ وساكسونيا وتورينغن، إن الزخم مع البديل من أجل ألمانيا.
الواقع أن الجرائم العنيفة في ألمانيا أصبحت لا تنفصل عن قضية الهجرة، حيث تشير إحصاءات الشرطة إلى أن 40% من المشتبه بهم مولودون في الخارج. وإذا أضيف إلى هذا المسار الاقتصادي المأسوي والديموغرافي، حيث من المتوقع أن تشهد ألمانيا واحدة من أشد حالات الانحدار في أعداد من هم في سن العمل بين الاقتصادات الكبيرة، فستتعزز العاصفة الانتخابية المثالية للشعبويين.

يصوت الناس لصالح ترامب أو لوبان، ليس لأنهم يعتقدون بالضرورة أن مثل هذه الشخصيات تستحق أن تتولى الرئاسة، بل لأنهم يرون فيها تصحيحاً ضرورياً لإجماع فاشل. وفي ظل هذه الاستراتيجية، تصبح الهجمات مفيدة. إن البلدان التي تراجع فيها الدعم لأحزاب اليمين الجديد ــ السويد وبولندا والمجر ــ هي البلدان التي احتفظ فيها الشعبويون بالسلطة أو تقاسموها. وهذا هو ما يؤلم حقاً، عندما تتاح لهم الفرصة للتغيير، لكنهم يفشلون.

الحل؟
لعل أفضل وسيلة لإضعاف لوبان هي أن يكون جوردان بارديلا، تلميذها وزعيم كتلتها الحزبية البرلمانية، رئيساً للوزراء، وإذا نجح بارديلا الشاب وانتهى به الأمر إلى أن يصبح مثيراً للإعجاب، مثل رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، فربما يتعين على العالم أن يعيد النظر في وصفه باليمين المتطرف، وهو الوصف الذي يعتبره بالفعل جزء كبير من الناخبين الفرنسيين هراء.
لكن كما هي الحال الآن، يقف ماكرون بالضبط حيث تريده لوبان، في قصر الإليزيه، يتحمل اللوم، ويحاول تشكيل حكومة أخرى ولكن حكومة ــ كما أثبتت للتو ــ يمكن أن يطردها تحالفها المتمرد الجديد في أي وقت. وهذا يتركها في موقف شعبوي مثالي.
بارنييه وماكرون.. مشكلة معاكسة
بصفته مفاوضاً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان بارنييه يحب أن يقول إن الوقت ينفد. يواجه ماكرون مشكلة معاكسة، يتبقى من ولايته كـ "بطة عرجاء" 30 شهراً مؤلماً.
يريد نحو 59% من الناخبين الفرنسيين أن يتنحى ماكرون في وقت مبكر، لكنه قال ليلة أمس إنه سيكمل ولايته "بشكل كامل حتى نهايتها". من المؤكد أن الانسحاب المبكر وإطلاق انتخابات مبكرة أخرى سيكون مقامرة. بعد الكارثة التي شهدتها هذه السنة ــ والأزمة التي قاد بلاده إليها الآن ــ ربما يكون ماكرون قد سئم من هذه الأزمات.


24.AE