توعّدت الحكومة السورية المؤقتة بالرد على هجوم شنته "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ضد "الجيش الوطني السوري" المعارض، وُصف بأنه "الأعنف" والأكثر دموية، والذي جاء عقب قصف طاول مدنيين في مدينة الباب شمال شرقي حلب، ما يؤجج المخاوف من عودة التوتر والتصعيد بين الطرفين على مختلف جبهات القتال غربي نهر الفرات وشرقه.
"الجيش الوطني" سيردّ على "قسد" وأكدت الحكومة المؤقتة، التي تدير مناطق سيطرة المعارضة السورية في شمال البلاد، في بيان، أن الأوامر صدرت لـ"الجيش الوطني" بالردّ المكثف على مصادر النيران، مطالبةً الدول بعدم تقديم دعم لهذه المليشيات التي تستخدمه لقتل المدنيين الأبرياء، وفق قولها. وأكد البيان أن أكثر من ثمانية صواريخ سقطت على مدينة الباب شمال شرقي حلب يوم الأحد، جاءت من مناطق تخضع لسيطرة مشتركة بين قوات النظام السوري ومليشيات إيران و"قسد". وأدّى القصف إلى مقتل شخصين وإصابة نحو 15 آخرين، أغلبهم نساء وأطفال، بحسب ما أعلن الدفاع المدني السوري. من جهته، اعتبر الائتلاف الوطني في بيان له أمس الاثنين الهجوم "جريمة حرب"، مضيفاً: هدفها زعزعة استقرار المناطق المحررة، وستؤدّي إلى المزيد من التصعيد العسكري، وزيادة معاناة المدنيين، وموجات جديدة من النزوح واللجوء.
وعقب ساعات من هذا القصف الصاروخي على مدينة الباب، قُتل 15 عنصراً من "الجيش الوطني" وجرح آخرون في هجوم شنه عناصر من "قسد" منتصف ليلة الأحد - الاثنين في ريف حلب الشمالي الشرقي. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "مجموعات من التشكيلات العسكرية المنضوية تحت قيادة قسد، تسللت إلى مواقع قوات "حركة التحرير والبناء" (تابعة للجيش الوطني)، على محور الدغلباش في ريف حلب"، مشيراً إلى أن اشتباكات عنيفة دارت بين الطرفين بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ما أسفر عن مقتل 15 عنصراً وإصابة آخرين من عناصر الحركة المذكورة.
وتحدّث أكثر من مصدر في "الجيش الوطني" عن "فاجعة" جرت في ريف منطقة الباب، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الجيش بصدد فتح تحقيق "حتى نعلم أين الخلل"، وموضحاً أن نقاط المرابطة "تعرضت لهجوم واسع من قبل قوات قسد"، ومؤكداً أن الرد على هذا الهجوم "قادم".
من جهته، قال هشام اسكيف، وهو قيادي في "الجيش الوطني" المعارض، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تنظيم قسد الإرهابي يهدف ومنذ زمن ليس بقليل إلى ضرب الاستقرار في الشمال السوري"، مشيراً إلى أن العمليات ضده "اشتدّت في الآونة الأخيرة من قبل الجيش الوطني وحليفه الجيش التركي". وتابع: "الهجوم المزدوج الذي جرى على مدينة الباب يأتي في سياق استباق أي تحرك عسكري ضد هذا التنظيم، هو قادم لا محالة". وحول طبيعة رد "الجيش الوطني" على هجوم "قسد" على مدينة الباب وفصائل هذا الجيش، قال اسكيف: "الرد سيكون بقصف أقوى على مواقع هذا التنظيم". وأضاف: "طرد هذا التنظيم أصبح واجباً لضمان أمن واستقرار المنطقة وسوف يكون ذلك حكماً وحتماً في أقرب وقت".
اشتباكات دامية في الشمال السوري ولطالما شهدت محاور القتال بين "قسد" وفصائل "الجيش الوطني" اشتباكات دامية، سواء في غرب نهر الفرات أو شرقه، إلا أنها المرة الأولى التي يتكبّد بها هذا الجيش هذا العدد الكبير من القتلى والمصابين في صفوفه. ويعد هذا الهجوم الأعنف والأكثر دموية، في سياق الصراع الدائر في الشمال السوري بين فصائل المعارضة و"قسد"، وهو ما تسبّب بحالة من الصدمة في الشمال السوري، وفق مصادر محلية أكدت أن الهجوم أجّج مخاوف المدنيين من تصعيد كبير في المنطقة التي تكتظ بالنازحين الذين يعيشون في ظروف معيشية بالغة السوء.
ويعكس هذا الاختراق من قبل "قسد" مدى الفوضى الأمنية التي تضرب الشمال السوري، والتي انعكست في فشل فصائل "الجيش الوطني" مراراً في حماية مناطق سيطرتها من هجمات مماثلة، فضلاً عن السيارات المفخّخة التي تدخل هذه المناطق بين وقت وآخر ويؤدي انفجارها في المدن الرئيسية في شمال سورية إلى مقتل مدنيين. وتمتد نقاط التماس بين الطرفين على مساحات واسعة في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي غربي نهر الفرات، والتي تشهد بين وقت وآخر عمليات تسلسل من "قسد" تهدف إلى قتل وإصابة عناصر من فصائل المعارضة المرابطة في هذه النقاط. وشرقي نهر الفرات تمتد خطوط التماس على طول ريف تل أبيض الجنوبي وريف رأس العين، فضلاً عن ريف عين العرب غربي منطقة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي.
ولكن على الرغم من التوتر العسكري، إلا أن الطرفين يحتفظان بعلاقة ذات طبيعة اقتصادية حيث يرتبطان بعدة معابر تجارية لعل أبرزها معبر الحمران الذي تدخل من خلاله المحروقات من مناطق سيطرة "قسد" إلى شمال وشمال غربي سورية. ويقع الشمال السوري تحت النفوذ العسكري المباشر، فأنقرة هي الداعم الرئيسي لـ"الجيش الوطني" الذي يضم فصائل المعارضة السورية، إلا أن تجربة هذا الجيش لم تنجح كما يبدو في إرساء الاستقرار في المنطقة، فالنزعة الفصائلية ما تزال سائدة، التي تؤدي إلى ثغرات تستغلها "قسد" بين وقت وآخر لتنفيذ هجمات.
واعتبر الباحث السياسي الموجود في الشمال السوري ياسين جمول، في حديث مع "العربي الجديد"، عملية التسلسل ومقتل عدد كبير من مقاتلي "الجيش الوطني"، "فشلاً ذريعاً لهذا الجيش"، آملاً أن تكون العملية "تنبيهاً لهم وإنذاراً قبل ما هو أشد". وتابع: "قسد" أداة تستثمر فيها روسيا والولايات المتحدة وكذلك إيران، فضلاً عن الأجندة الانفصالية لحزب العمال الكردستاني الذي يقودها؛ ولكل هذه الأطراف مصالح بعدم استقرار الشمال، وإفشال جهود الحكومة التركية بإنهاء الصراع الداخلي عندها مع الأكراد. وانتقد جمّول قيادات "الجيش الوطني"، مشيراً إلى أن "التراخي في الرباط والإعداد والجاهزية للقتال، جعل هذا الجيش هدفاً للمهاجمين".