في حمأة مفاوضات "الهدنة" الجارية على نار الحرب المستعِرة على الجبهَتَين اللبنانية والإسرائيلية، تترنّح الآمال في التوصّل إلى اتفاق يُلزِم الطرفين بوقف النزاع تطبيقاً للقرار 1701، بين الشروط والشروط المضادة من جهة، وبين اقتراب موعد الاتفاق بما يعبّد الطريق للانطلاق بورشة إعادة إعمار غير مسبوقة تحتّم اتفاقاً بين طرفَيّ النزاع يحظى بموافقة دولية أمميّة تمهّد لرفد لبنان بالقروض والهبات لإعادة إعمار القرى المدمّرة والمنازل المهدّمة وإعادة تأهيل البنى التحتية المعطّلة التي تشجع أقله النازحين التي لم تُهدَم منازلهم، على العودة إليها.
"لكن التفاوض تحت النار" - كما شاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يكون - يضاعِف حجم الدمار والخراب ويَعيث بما تبقى من البنى التحتية خراباً، ما يزيد من فاتورة "إعادة الإعمار" الاقتصادية التي ترقى إلى رقم يتراوح ما بين 20 و30 مليار دولار! ووفق "الدولية للمعلومات" يبلغ عدد المنازل المدمَّرة كلياً في لبنان جراء الحرب حتى تشرين الثاني الجاري بنحو 40 ألفاً، فيما المنازل المدمّرة جزئياً تبلغ 25 ألفاً وقد تكون غير صالحة للسكن وتحتاج إلى إعادة بناء، يُضاف إليها 122 ألف منزل أصيبت بأضرار طفيفة، ما يعني أن المجموع هو 193 ألف وحدة سكنية. من هنا، قدّرت الخسائر في قطاع السكن حتى منتصف الشهر الجاري بنحو 4 مليارات و300 مليون دولار.
هذه "الأرقام الملياريّة" تستدعي مَدّ ذراع الدول المانحة والصناديق والمؤسسات المالية الدولية، لرفد لبنان بالأموال، قروضاً أو هبات، للانطلاق بورشة إعادة الإعمار واستعجال عودة النازحين إلى قراهم وبلداتهم، بما يساعد إلى حدّ ما في عودة الخريطة الديموغرافية إلى طبيعتها... إن أمكن.
لكن هذا المسار لا يستلزم جهات دولية مانحة فحسب، إنما يحتاج أيضاً إلى مؤسسات مالية معروفة في الداخل اللبناني تحظى بثقة المجتمع الدولي ولا سيما الدول والجهات المانحة، وتتكوّن لديها كل التجهيزات والمستلزمات المطلوبة لإعادة الإعمار، وتتمتّع بخبرة طويلة في هذا المجال.
هذا ما تُشير إليه أوساط مالية مطلعة عبر "المركزية"، إذ تُؤطِّر هذه "النظرية" إذا صحّ التعبير، بطرح مكمِّل لها يقضي "بإنشاء تجمّع مالي يضمّ جهات ومؤسسات مالية محلية ودولية، يُعنى بتمويل عمليات إعادة الإعمار وتنفيذها على السواء"، وتقترح في السياق على سبيل المثال لا الحصر "خَيار إنشاء تجمّع يضمّ: مصرف الإسكان، والوكالة الفرنسية للتنمية أو البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وغيرها... للقيام بهذه المهام".
وتُرفق طرحها بالإشارة إلى أن "مصرف الإسكان أثبت مؤخراً أنه يتسلّح بكل المقوّمات التي تجعل منه أداةً صالحة لا بل ناجحة لتمويل إعادة الإعمار وتنفيذه بجدارة، والدليل على ذلك الثقة التي توليها له الصناديق العربية والمؤسسات المالية الدولية، وليس نيله مؤخراً "جائزة التميّز والإنجاز المصرفي العربي لعام ٢٠٢٤" من "الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب"، إلا دليلاً على إنجازاته في خدمة اللبنانيين ذوي الدخل المحدود والمتوسط عبر تأمين القروض اللازمة ولا سيما قرض "الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي".
إذ "بدل إنشاء صناديق ائتمانية لتمويل إعادة الإعمار وتنفيذها خلال مرحلة ما بعد الحرب" تسأل الأوساط المالية "لماذا لا تعمد الجهات الدولية المانحة وغيرها، إلى التعويل على المؤسسات المالية المذكورة، للقيام بهذه المهمة وإفساح المجال لها لإظهار قدراتها وكفاءاتها في ملعب إعادة الإعمار؟!".