ما إن نجح الجيش الإسرائيلي في تنفيذ ضرباتٍ نوعية أفضت إلى تصفية قادة “حزب الله” من الصف الأول والثاني والثالث في سبتمبر الماضي، حتى بدأت تداعيات هذه الضربات تثير قلق النظام الإيراني بحيث شعر المسؤولون في طهران أن لبنان، الذي طالما اعتبروه ساحة نفوذ استراتيجي لهم، بدأ يبتعد عنهم و يتفلّت من قبضتهم الحديدية.
استجابة لهذا الوضع الحرج، تحرك النظام الإيراني بسرعة، وأرسل كبار مسؤوليه في زيارات متتالية إلى لبنان، البداية كانت مع وزير الخارجية عباس عرقجي، الذي حمل رسالة دعم واضحة "لحزب الله "في محاولة لاحتواء الأزمة. تَلا ذلك زيارة رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف الذي أكد على “عمق العلاقة الاستراتيجية” بين إيران والحزب. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أوفد المرشد الأعلى علي خامنئي مستشاره الأول علي لاريجاني إلى بيروت، في خطوة عكست مدى خطورة الوضع على النفوذ الإيراني في لبنان و المنطقة.
هدفت هذه الزيارات المتتالية إلى تحقيق عدة أهداف، أهمها رفع معنويات من تبقى من كوادر هذا الحزب و عناصره التي تزعزعت بعد تلك الضربات الإسرائيلية القاتلة. كما تضمنت محاولة لإعادة تنظيم صفوفه وترتيب أوضاعه الداخلية، بما في ذلك تأكيد الولاء لإيران وقيادتها. لكن على الرغم من كل هذه الجهود، لم تأتِ النتائج على مستوى التوقعات، فقد بدا واضحاً أن الضربات القاصمة التي تلقاها الحزب أدّت إلى خلخلة في بنيته الداخلية وعلاقاته مع البيئة الحاضنة له في لبنان.
إضافة إلى ذلك، تصاعدت الانتقادات الداخلية والخارجية تجاه "حزب الله " حيث بدأ الشعب اللبناني يعبر عن استيائه من سياساته التي جعلت البلاد رهينةً للصراعات الإقليمية، وبدأت بيئتُه الحاضنة تعبّر عالياً عن سخطها لفداحة الخسائر التي مُنيت بها على صعيد الأرواح والممتلكات والنزوح غير المسبوق لعائلاتها الذي فاق عددها المليون نازحاً. وبالرغم من محاولات إيران المستميتة لاحتواء الموقف، إلا أن المؤشرات توحي بأن الوضع خرج عن السيطرة، وأن حزب الله يواجه أزمة وجودية قد يصعب التغلب عليها في المستقبل القريب والبعيد.
وعليه، فإن لبنان، الذي طالما كان على مرّ التاريخ مقبرةً لكلّ من حاول احتلاله أو السيطرة عليه، يُثبت مرة أخرى أن إرادة شعبه أقوى من أي قوة خارجية. لقد رحل كل الغزاة وبقي هو صامداً شامخاً متأهباً للنهوض من تحت الركام رغم كل المحن و النكبات. واليوم، ورغم كل محاولات الهيمنة والسيطرة الإيرانية، فإن لبنان يبعث برسالة واضحة للعالم أجمع مفادها أن هذا الوطن قد يضعف أحياناً لكنه لا يسقط، يلتوي ولا ينكسر وكل من يحاول إخضاعَه مصيرُه الزوال.