تحذيرات من فرض المزيد من الزيادات الضريبية في بريطانيا

  • شارك هذا الخبر
Sunday, November 24, 2024

وسط مشهد اقتصادي مضطرب، تعيش بريطانيا تحديات متشابكة تتجاوز حدودها الجغرافية؛ ما بين أزمات داخلية، مثل تصاعد معدلات التضخم واحتجاجات الشرائح الاجتماعية المختلفة، وضغوط خارجية ناجمة عن تغيرات في السياسة الأميركية وتبعات الحرب في أوكرانيا.

يجد الاقتصاد البريطاني نفسه أمام معادلة معقدة: تحقيق النمو الطموح الذي وعدت به حكومة حزب العمال الجديدة، في مقابل الأعباء المتزايدة التي تكبل قدرتها على الوفاء بهذه التعهدات.

في هذا السياق، يشير تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية اطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى تزايد الشكوك حول خطة الحكومة البريطانية الطموحة للنمو والاستثمار، مع تحذيرات من إمكانية فرض زيادات ضريبية إضافية في العام المقبل أيضاً.

وزيرة المالية البريطانية، راشيل ريفز، أعلنت الأسبوع الماضي عن سلسلة من الإصلاحات، بما في ذلك تقليص تنظيم خدمات القطاع المالي واتخاذ تدابير لتعزيز استثمارات المعاشات التقاعدية، وهي أحدث التغيرات في سلسلة من المبادرات التي تهدف إلى تحفيز الاقتصاد البريطاني.


بحسب التقرير، فمن الناحية النظرية، قد يؤدي ارتفاع معدل النمو الاقتصادي إلى زيادة إيرادات الحكومة دون الحاجة لرفع الضرائب، لأن العوائد العامة ستكون أعلى. ومع ذلك، تواجه حكومة حزب العمال تحدياً في الحفاظ على الضرائب بمستوى كافٍ لتمويل الخدمات العامة المتدهورة، مع ضمان أن تترك الشركات ما يكفي من السيولة للاستثمار والنمو.

ووفق كبير الاقتصاديين في ING، جيمس سميث، فإن الحكومة تسير على حبل مشدود في هذا الصدد، مضيفاً أنه إذا لم تؤدِ التغيرات التنظيمية – سواء في القطاع المالي أو في مجالات التخطيط الأخرى – إلى تحفيز الاقتصاد، فإن هناك احتمالية لزيادة الضرائب مجدداً.

من جانبه، عبر نائب محافظ بنك إنجلترا السابق، جون غريف، عن شكوكه بشأن قدرة الإصلاحات على تحفيز النمو، مشيراً إلى أن كلا من تخفيف القيود على الخدمات المالية وإصلاحات المعاشات التقاعدية ليست "تغيرات جوهرية".

وأضاف: "أعتقد بأن ريفز ستحتاج إلى القيام بخطوات أكبر لتعزيز الاستثمار الخاص"، مشيرًا إلى أن مشروعات التخطيط والبنية التحتية هي الأكثر احتمالًا لتحفيز الاقتصاد.

يأتي ذلك بعد نحو أسبوعين من ميزانية ضخمة أعلنت عنها ريفز، تضمنت زيادة في الضرائب بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني (51.8 مليار دولار) وتغييرات في قواعد الدين العام، وهي تدابير قالت ريفز إنها ضرورية لإعادة التوازن إلى العجز الكبير في ميزانية المملكة المتحدة.

وأفاد مكتب المسؤولية المالية المستقل في حينها أن هذه التدابير من المفترض أن تدفع الاقتصاد في المدى القريب، وعزز من توقعاته للنمو الاقتصادي على المدى القصير، في حين خفض توقعاته للنمو على المدى البعيد. ومن المتوقع الآن أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنسبة 1.1 بالمئة في 2024، ثم نمو بنسبة 2 بالمئة في 2025، قبل أن ينخفض إلى 1.5 بالمئة.

تأثير الزيادات الضريبية

ومع ذلك، أشار عديد من رجال الأعمال – الذين تأثروا بشدة بزيادة ضريبة التأمين الوطني على الرواتب – إلى أن خطط حزب العمال من المحتمل أن تحد من التوظيف وتثني عن الاستثمار. وكتبت مجموعة من كبار تجار التجزئة في المملكة المتحدة إلى ريفز، محذرة من أن زيادة التكاليف ستنعكس على المستهلكين نتيجة للميزانية.

ضغوطات مستمرة

في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة على المملكة المتحدة، يشير الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي إلى أن الشكوك حول خطط النمو البريطانية أصبحت أكثر حدة.

وفي تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يؤكد الرفاعي أن الاقتصاد البريطاني يواجه تحديات غير مسبوقة في سياق ضعف اقتصادي عام يسيطر على أوروبا.

ويوضح أن الفترة الحالية تشهد تباطؤاً في النمو الاقتصادي بالتزامن مع الضغوط الناتجة عن السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة، مشدداً على أن السياسات المرتقبة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، قد تزيد من حدة هذا الضغط، خصوصاً من خلال الإجراءات مثل رفع الرسوم الجمركية (بنسبة من 10 إلى 20 بالمئة، وبنسبة من 60 إلى 100 بالمئة على الصين بشكل خاص) التي ستنعكس آثارها على التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وبريطانيا.

وذكر تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، أن وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يجعل صناع السياسات في المملكة المتحدة يفكرون مليا: إذا مضى قدما في فرض الرسوم الجمركية الشاملة، فمن المرجح أن يكون التأثير قصير الأجل على الأقل تضخميا.

ويشير الرفاعي إلى أن المؤشرات الاقتصادية في بريطانيا تؤكد تراجعاً أكبر من المتوقع، مع ارتفاع نسبي في معدلات التضخم، وبما يشكل عبئاً إضافياً على الاقتصاد الذي يعاني أصلاً من ضعف كبير في الأداء.

ارتفع معدل التضخم السنوي في بريطانيا بأكثر من التوقعات خلال أكتوبر الماضي، مسجلا 2.3 بالمئة، مقابل 1.7 بالمئة في سبتمبر، مدفوعا بالزيادة في أسعار الطاقة.

نما الاقتصاد البريطاني بشكل طفيف في الربع الثالث من العام، حيث سجل نموًا أقل من المتوقع بنسبة 0.1 بالمئة، وفقًا للبيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية.
كما انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1 بالمئة في سبتمبر، وهو أيضًا أقل من التوقعات، بعد نمو بلغ 0.2 بالمئة في الشهر الذي قبله.
وتراقب الأسواق الآن ما إذا كانت الإصلاحات الحكومية ستنجح في ضخ النمو في الاقتصاد البريطاني المتباطئ.

تفاؤل قصير الأمد

أما الخبير الاقتصادي البريطاني المتخصص في قطاع العقارات، جوناثان رولاند، فقد سلط الضوء على الإجراءات التي اتخذتها حكومة حزب العمال الجديدة، واصفاً إياها بأنها تحمل تفاؤلاً قصير الأمد.

وفي تصريحاته لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يلفت إلى أن الحزب قدم خططاً طموحة للنمو، لكنها تتطلب استثمارات ضخمة لا يمكن تحقيقها دون إدارة حذرة للاقتراض من الأسواق الدولية.

ويلفت رولاند إلى أن الشركات البريطانية تعاني حالياً من ارتفاع كبير في تكاليف التوظيف، ما يضعف من قدرتها على المنافسة، مضيفاً أن وزيرة الخزانة راشيل ريفز تواجه تحديات جسيمة في إدارة الموارد المالية للبلاد. مستطرداً: "يبقى أن نرى كيف ستؤتي هذه السياسات ثمارها في ظل الظروف الراهنة".

انتقادات حادة

وإلى ذلك، يتحدث عضو حزب العمال البريطاني، مصطفى رجب، عن الانتقادات العميقة التي وجهها حزبه لحزب المحافظين الحاكم خلال السنوات الماضية، موضحاً أن حزب العمال لطالما رفع شعار الإصلاح الاقتصادي، ما جعل الناخبين يعلقون عليه آمالهم، لكنه يشير إلى أن المحافظين كانوا دائمًا يتساءلون: من أين ستأتي ميزانية الإصلاح؟

يؤكد رجب في تصريحاته لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" على أن الخيارات المتاحة أمام أية حكومة لتحقيق الإصلاح محدودة، إما زيادة الضرائب، وهو ما قد يثير غضب الشعب، أو الاقتراض الذي قد يدفع الاقتصاد إلى حافة الانهيار.

وبينما أنكر حزب العمال نيته زيادة الضرائب في البداية، فإنه أقر بضرورة الاقتراض، ما عزز فرصه في الفوز بالانتخابات الأخيرة بعد غياب عن الحكم استمر 15 عاماً.

ولكن هذه الوعود الانتخابية اصطدمت بواقع اقتصادي معقد، اضطر معه الحزب لفرض ضرائب إضافية، كان آخرها على القطاع الزراعي، ما أثار موجة من الإضرابات في صفوف المزارعين. ولم يكن هؤلاء الوحيدين، إذ انضمت إليهم شرائح واسعة من المجتمع تعاني من ضعف الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة.

ويضيف: التحديات الاقتصادية تفاقمت بسبب تورط بريطانيا في الحرب في أوكرانيا من خلال دعم كييف، وما يترتب عليها من أعباء مالية ضخمة، مردفاً: "في خضم هذه الأزمات، لم تعد خطط النمو الطموحة أولوية للمواطن البريطاني، الذي بات يركز على كيفية تجاوز أعباء الحياة اليومية".


سكاي نيوز عربية