دائما ما كانت تتسابق الأقلام في عيد الاستقلال، بين من يكتب مبتهجًا بِعيدٍ حمله لنا تاريخ 22 تشرين الثاني 1943، وبين من يكتب ممتعضًا من استقلال مزّقته الحرب الأهلية الأعنف التي شهدها الوطن قُبيل عيده الثالث والثلاثين، وبين من يسخر من احتلالٍ شوّه احفالات العيد، الذي صارت تصدر بيانات معايدته من عنجر، وبين من بكى العيد عام 2005، ومن احتفل بنصرٍ على أشلاء السيادة سنة 2006، وبين من رثا كرسي الرئاسة الفارغة العام تلو عام...
وها أقلامنا تستعدّ هذه السنة أيضا، وكأنها جمعت كل المآسي السابقة وسكبتها في احتفال عامٍ واحد، حيث نبتهج ببقايا ذكرى تقول لنا اننا مازلنا نملك وطنا، اذا اجتهدنا بالدفاع عنه، سنبلغ استقلالا جديدا، عساه يحمل لنا مئة عام من الازدهار، بعكس المئة التي حملها الاستقلال الأول... حيث نحزن على حربٍ همجية دخلنا فيها مُكرَهين لا راغبين، لأن قرارنا الذي استأثرت به عنجر لسنوات، واعتقدنا اننا استرجعناه، أعادت استباحته طهران... حيث كرسي رئاستنا فارغة، حتى حين تمتلئ، تبدو كأنها تابوت جثث لرؤساءٍ سُلبت منهم الصلاحيات، وما عاد بيدهم سوى أخذ الصور التذكارية وتلاوة يمينٍ على دستور مُستباح... حيث الرئاسات "تملكها" الأفراد، فتُفعّلها حين تريد، وتشُلّها حين "لا تريد"، ووزارات غير فاعلة، بحكومات مستقيلة، تابعة لدويلات غير آبهة، لا بوطن، ولا بشعب، ولا ببيئة...
انه عيد استقلال نريد تحويله إلى عيد استغلال، بوجه من استغلونا عشرات الأعوام، فنستغلّ العيد لنصرخ بوجه من أسكتنا، ونقول كفى، كفى استغلالا لدماء شعب متألم، كفى استغلالا لعقول شباب ازدهرت بمواهبها دول العالم، فيما أُفرغ الوطن من قدراتهم بسبب سياسات فاشلة، كفى استهتارا بأرواح الناس وبيعها لتحصيل مكاسب سياسية "حقيرة"، كفى فقرا وجوعا ودمارا وترهيبا و"سحاسيح"...
ليتنا نقلب الموازين، ونبدّل الأحرف، ونعيّد عيد "الاستغلال" هذه السنة، مُستغِلّين الأدمغة كي لا تهاجر، مُستغِلّين المناصب لنبني ونحمي، مُستغِلّين المياه للري وازدهار الزراعة، مُستغِلّين الجامعات والمدارس والمعاهد لتخريج طلابٍ يليقون باستقلال ال "43"، مُستغِلّين المستشفيات لنكون أطباء الشرق والعَرَب، مُستغِلّين العيد... علّنا... وأكرّر... علّنا... نفرح يوما ما بقول... "ينعاد عليكن بالخير"...