على وقع زيارة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت، في محاولة لإيصال إتفاق وقف إطلاق النار الى خواتيمه، جدد العدو الإسرائيلي مساء أمس إستهدافه مركزاً للجيش اللبناني في بلدة الصرفند، ما أسفر عن إستشهاد وجرح عناصر من الجيش اللبناني، ومدنيين. كما طال التصعيد في الميدان قوات "اليونيفيل" التي تعرضت قواتها ومرافقها للإستهداف في 3 حوادث منفصلة في جنوب لبنان، مما أدى إلى إصابة ستة من قوات حفظ السلام.
وإذا كان العالم ولبنان يطالبان ويتمسكان بتنفيذ القرار الدولي 1701، فهل إن ما قام به جيش العدو مؤشر على رفضه التفاوض على وقف إطلاق النار والمضي في خطته بالتدمير الممنهج توازياً مع محاولات التقدم براً لإقامة حزام أمني يكون خالياً من تواجد الجيش وقوات اليونيفيل ورفضه لتنفيذ القرار من دون زيادة أو نقصان؟ أم أنه يريد أن يستمر في الضغط على اليونيفيل والجيش اللبناني لإخلاء مراكزهما التي تعيق خطته؟
على الرغم من الإيجابية الحذرة التي عبّر عنها المسؤولون اللبنانيون، فإن الدعم الأميركي من الادارة الراحلة للرئيس الأميركي جو بايدن، وتفويض الرئيس المنتخب دونالد ترامب لهوكستين، يبقى التخوف من محاولات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو شراء الوقت ورفض الاتفاق الذي يعمل عليه.
مقابل هذا التصعيد والتطورات الميدانية العسكرية جنوباً، قلب الرد اللبناني على المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار الطاولة "إيجاباً"، ورمى الكرة في ملعب العدو الإسرائيلي. أجواء "التشاؤل" التي عكسها رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد لقائه مع الموفد الرئاسي الأميركي، بقوله "الوضع جيد مبدئياً"، وبقاء "بعض التفاصيل" لإنجاز الاتفاق، يسودها في الوقت عينه بعض الحذر، والذي يكمن بتوغّل شيطان رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو في تفاصيل المفاوضات، الذي لطالما تنصّل من أي تعهدات قطعها، إذا لم تكن تتناسب مع مخططاته، على الصعيدين الشخصي والعام. هوكستين الذي وصل الى بيروت صباح الثلاثاء، بعث بإشارات إيجابية بعد لقاء في عين التينة مع الرئيس بري، بحضور سفيرة الولايات المتحدة في لبنان ليزا جونسون، إذ قال أن هناك "فرصة حقيقية" لوقف إطلاق النار، و"نواصل سد الثغرات في الاتفاق، وأنا في بيروت لتسهيل المفاوضات لتحقيق قرار لوقف إطلاق النار"، على حد تعبيره. كما أكد أن "الحل أصبح قريباً"، مشدداً على إلتزام الولايات المتحدة "ببذل ما في وسعها للعمل مع لبنان وإسرائيل لإنهاء الصراع".
والتقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي هوكستين في دارته، بحضور وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب، وجونسون. وجدد ميقاتي التأكيد على "أن الأولوية لدى الحكومة هي وقف إطلاق النار والعدوان على لبنان وحفظ السيادة اللبنانية على الاراضي اللبنانية كافة، وكل ما يحقق هذا الهدف له الأولوية"، مشدداً على "تطبيق القرارات الدولية الواضحة، وتعزيز سلطة الجيش في الجنوب".
وفي سياق المواقف، بدا لافتاً إرجاء كلمة كانت مقررة لأمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، بانتظار إنتهاء زيارة هوكستين، حتى لا تُعتبر عرقلة للمفاوضات، وفق ما قالت مصادر لجريدة "الأنباء" الالكترونية. وأشارت المصادر المطلعة إلى أن لبنان رفض كل المقترحات الأميركية التي تشكل إنتهاكاً للسيادة اللبنانية، وهي التفاصيل التقنية التي تحدث عنها الرئيس بري، ويستكمل النقاش حولها بين ممثل عنه وعن الجانب الأميركي، وبناءً على نتائجها سينتقل الأخير إلى تل أبيب لعرضها، لا سيما أن الضمانات المتعلقة بموقف العدو الإسرائيلي تقع على عاتق الجانب الأميركي.
من ناحية أخرى، تلفت المصادر الى أن "كل المؤشرات تفضي الى ترجيح بأن نتنياهو يريد الإستمرار بالحرب، وشكوك تلف موقف العدو الإسرائيلي"، والذي يمعن بإجراء "مفاوضات وقف النار بالتوازي مع إطلاق الكثير من النار" وفق ما صرّح. وبالمقابل، الضمانات حول الموقف الإسرائيلي تقع على عاتق الجانب الأميركي.
وفي السياق، يقابل بند حرية الدفاع عن النفس الذي إحتاج بحثاً مطولاً وكان لبنان واضحاً في ملاحظاته حوله، برفض قاطع لأي آلية تتعرض لسيادته، وثمة إصرار من جانب العدو الإسرائيلي على أن أي "اتفاق مع لبنان لا يشمل أمناً حقيقياً لإسرائيل وحرية حركتها في لبنان، يعتبر هدية لحزب الله"، كما جاء على لسان زعيم حزب معسكر الدولة الإسرائيلي بيني غانتس.
الى ذلك، يستمر العدو الإسرائيلي بإستخدام إعلامه والإعلام الدولي سلاحاً مضافاً الى أسلحته الفتاكة، من خلال تسريب أجواء السلبية عن فشل المفاوضات. وفي هذا السياق نقلت "سي إن إن" عن مصدر إسرائيلي مطلع قوله "نشكك في احتمال التوصل إلى اتفاق وشيك بشأن لبنان".
هذا وتحدثت أوساط عن صيغة شاملة تشمل كل لبنان وليس فقط الجنوب بإنسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني، وتطبيق القرار 1701. فهذا الكلام، كما يرى المراقبون يفضي الى أن العدو الإسرائيلي لن يكتفي بتفكيك منظومة حزب الله الإستراتيجية والصاروخية، لا بل يسعى الى فرض حصار على كل المنافذ التي قد تكون معبراً للسلاح، من الحدود البرية الى المطار الى المرفأ، ووضعهم تحت المراقبة. فهل، يعيد سيناريو حصار غزة نفسه في لبنان؟