من الصعب "بلعهم"... التغييريون فيروس سياسي إيجابي- بقلم تقلا صليبا

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, November 19, 2024

في زمن الركود السياسي، وفيما كان المجلس النيابي اللبناني يغصّ بالنوّاب التقليديين، وكرسي بعبدا تدور بين الفراغ الفعلي والفراغ المجازي، والأحزاب المُهيمنة منذ بداية الحرب الأهلية اللبنانية تستأثر بالسُلطة، دخلت الإعلامية الناجحة،عالم السياسة من بابه الواسع، فكانت التغييرية التي خرقت لوائح التقليديين، عام 2018، لتكون برعمًا لكتلة تغييرية بدأت مع بولا يعقوبيان في العاصمة بيروت، وامتدت إلى كل الدوائر الانتخابية في لبنان عام 2022.

بعد ثورة 17 تشرين، كان من المؤكد ان تغييرا سياسيا كبيرا سيحدث في البلد، وأسماءا كبيرة قد تتقلّص، لتحلّ محلها وجوهٌ جديدة، وأكُفٌ نظيفة، وكانت بالفعل كتلة التغييريين، أو تكتّل التغييريين، الذين خرقوا كل الطوائف والمناطق، وأطلوا ببرامج عمل واضحة، وأهداف محدّدة، متخذين موقفا سياديا يليق بجمهور "ثورة تشرين"، وبالشعارات التي رُفِعت على مدار أشهر في الساحات، فحملوها معهم إلى مجلس نيابي اعتاد على المحاصصات والصفقات، فكانوا السياديين بامتياز، حين تطلّب الأمر "سيادية"، وكانوا "الليّنين-المُحاوِرين" حين تطلّب الأمر حوارا، لكن بدون التنازل عن الخطوط العريضة التي رسّموها لأنفسهم.

في تقييم بسيط لمسيرة النواب الجدد-المتجددين، يمكن ملاحظة عدة نقاط مُلفتة، فهُم كانوا طوال السنوات التي تَلَت انتخابهم حتى اليوم، عُرضة لهجوم من كل الجهات، وكأن الأفرقاء الذين اختلفوا على كل القضايا في البلد، استطاعوا الاتفاق على مهاجمة واستهداف النواب التغييريين، اذ نلحظ ان من باع مياه البلد ونفطه، بغضّة نظر و"قَبّة باط" من الاخرين، ومن جاهر ان "اكله وشربه..."، كلّه من الخارج، يتّهم التغييريين بانتمائهم للسفارات، ومن نهب نصف الدولة، أو ربما "نصفها زائد واحد بالمئة"، يعيّرهم ويُسكتهم، لأنه غير قادر على ضبطهم، وإسكاتهم حين يدافعون عن الدستور في قلب المجلس الذي يُفترض انه حامي الدستور، ومن عاش من "خيرات" المودعين وأموالهم، ونهبها لتغذية احتفالاته وجمعياته الوهمية، يحاول طمس حقيقة موقف التغييريين الذين رفضوا مليارات أوروبا مقابل الإبقاء على النازحين السوريين.

بولا يعقوبيان، التي شقّت طريق هؤلاء، كانت ومازالت، تتلقّى الضربات بشكل عنيف، فتتّهمها قوى المعارضة بقربها من الممانعة، وتهاجمها لأنها دافعت عن حياة محمد عفيف، فيما كانت تحاول إيصال رسالة واضحة، تقول فيها ان صاحب الرأي مقبول، لكن سلاحه هو المرفوض، وان الشيعة هم شريحة من شرائح الوطن، وليسوا مهمشين كما يحاول البعض تصويرهم، بالمقابل، تتعرّض للهجوم من الممانعين، كونها ترفض سلاحا خارجا عن سلطة الدولة والشرعية، كما تمّ رجمها ممن ادّعوا السيادة وعقدوا الصفقات بالخفاء، بالتزامن مع صراعاتهم المزيفة في العلن.

على غرار يعقوبيان، يتلقى نقيب المحامين السابق، النائب ملحم خلف، الضربات المعنوية من كل صوب، وبالرغم من اعتصامه، وحيدا مع النائب نجاة عون صليبا، في المجلس النيابي، على أمل انتخاب رئيسا للجمهورية، بخطوة لم يتجرأ نوابا "من الأقوياء" على اتخاذها، فهي تشبه الاعتصامات السلمية التي لا يقوى على القيام بها سوى شخصيات كبيرة ممن مروا في التاريخ.

يُضاف إلى هؤلاء، أسماءا اخرى مثل النائب ياسين ياسين، فراس حمدان، ابراهيم منيمنة، وغيرهم ممن ثبتوا على مواقفهم الإصلاحية، واتخذوا خطوات وقدموا مشاريع قوانين تليق بالقرن الواحد والعشرين، وكانوا من دعاة السياسة الهادئة المُحترمة، في ساحة اعتادت على "الوحشية السياسية"، فلم يقوَ أغلب التقليديين على "بلعهم"، لكنهم لم يعتكفوا، واستمروا حتى صاروا قدوة للمجتمعات اللبنانية الأكثر تشدّدا، وبالأخصّ المجتمع الشيعي الذي هيمنت عليه أحادية الحكم المُتمثلة "بثنائية شيعية"، وصاروا "فيروس" سياسي، نقلوا العدوى لأسماء ووجوه جديدة تحمل أملا بالتغيير في المجتمع الشيعي نفسه، أسماءا ووجوها تضيئ كل يوم أكثر، وتتكاثر سياسيا، نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، الدكتور هادي مراد، الصوت الشيعي الحُر الذي يصدح بوجه اللاشرعية، والمحامي واصف الحركة، الذي لم يَهَب لا التهديد ولا التخويف ولا الإعتداءات المتكررة... وأسماء أخرى، أُصيبت بفيروس التغيير في البيئة الشيعية، يُؤمَل أن تكون بداية نهاية هيمنة السلاح والأحادية في طائفة أنجبت العقول الغنية والشخصيات المميزة التي تألقت في كل أقطار الأرض.

نعم، يُمكن ذكر الكثير من الأحداث والأشخاص، والمعارك التي تمّ خوضها خلال السنوات القليلة التي قضاها نوّاب التغيير في المجلس، وبالطبع يُمكن الحديث عن أخطاء بسيطة أو هفوات ارتكبوها، أو ربما بعض سوء التنسيق، ولكن في بلد تعمّه الفوضى العارمة، مازالوا هم رمزا للتنظيم الجيّد، وفي دويلة المحاصصات والتمريرات، وصفقات ما "تحت الطاولة"، مازالوا، في بداية مشوارهم السياسي "المُشَرّف حتى الان"، ومازالوا يستحقون كلمة التغييريين، لأنهم، ولو لم يستطيعوا "بعد"، أن يُغيّروا الواقع، الا أنهم فعلوا ما هو أعظم، وهو تغيير جزء من عقلية التزمت لسنوات طويلة بانتخاب "الزعيم... ابن الزعيم... حفيد الزعيم..."