لبنان... ذو قلب عربي- بقلم تقلا صليبا

  • شارك هذا الخبر
Friday, October 25, 2024

من عروسة المصايف في عاليه، إلى شوارع الحمرا في بيروت، ومن ثلج صنين إلى رمل الشاطئ، ومن أروقة القرى إلى شوارع المدن... لو استطعنا اختراع أجهزة تعيد لنا الأصوات والأحاديث المحكية، وعدنا للبحث منذ خمسينيات القرن الماضي، لسمعنا ضحكات الأطفال، وهمسات نساء، ونقاشات رجال العرب، في كل زاوية من زوايا بيروت والشمال والجنوب والبقاع وجبل لبنان.

لقد ملؤوا المقاهي حياة، والفنادق اجتماعات عمل، والمشاريع استثمارات، فأعطوا لبنان بقدر ما أعطاهم، حيث كان بوابتهم نحو العالم، بما قدّم لهم من حياة وفرح وفرص وحكايات. حتى عندما أطلّت الحرب الأهلية، كان الجميع ينتظر الهدنة – مهما قَصُرَت - ليلاحق فيروز، ويحتفل بصباح، ويُطرب لصوت وديع.

وعندما طًوَت الحرب صفحتها العسكرية، أطلّ العرب مجدّدا، وعرفت الفترة الأولى من الألفية الثالثة عودة فعّالة، فكانوا رأس حربة بإعادة الإعمار، وأعادوا المجد للمصايف والساحات والشوارع، لدرجة أن كثر منهم لم يكتفوا بسكن الفنادق واستئجار البيوت، بل راحوا يشترون، ولو "مرقد عنزة" في لبنان.

لو استطعنا أن نبحث عن أصواتهم، لسمعنا الغصة التي تلت أحداث عام 2005، وكل ما جاء بعدها من صبغ لبنان العربي بألوان فارسية، سلخته عن الحضن الذي طالما انتمى إليه، حتى في شرعاته التي سمّته لبنان "ذو الوجه العربي". ومنذ ذلك الوقت، صار لبنان كالإبن الضال، الذي خطفته مغريات كثيرة، وأبعدته عن حب الوالد ودفئ العائلة.

وبالرغم من كل ما حدث، ما تخلّى العرب عنه، فبادروا بعد انفجار مرفأ بيروت ومدوا يد العون له، كما حضنوا عدة مؤتمرات دعم، ومصالحات وطنية ساهمت بملئ فراغات المناصب في الدولة اللبنانية، أو ما تبقى منها، وصولا إلى يومنا هذا، حيث تسعى الدول العربية بكل قوتها، لترميم بقايا الدولة المدمّرة التي أوصل اللبنانيون أنفسهم إليها.

أما الأبرز في كل هذا، فهي جسور الحياة الجوية، التي أنشأتها عدة دول عربية، في ظلّ الحرب القائمة حاليا، ترسل من خلالها بعض "الأوكسيجين" الضروري للحفاظ على حياة شعب يلفظ اخر أنفاسه قبل الإنهيار. طائرات تُستقبل يوميا، تحمل أسلحة حياة – من أطعمة ومستلزمات طبية وحيوية – لا أسلحة موت وأدوات دمار.
موفدون عرب يحاولون تقريب وجهات النظر، والحصول على ضمانات لحماية المواطنين الأبرياء، والسعي لانتخاب رئيس جمهورية، وغيرها مما يحتاجه بلدنا...

عند الامتحان، يُكرم المرء أو يُهان، وقد أكرمت كل الامتحانات السابقة والحاضرة، محيطنا العربي، وأثبتت تجذّرنا بهذه الجغرافيا وهذا التاريخ المشترك، كما أثبتت التمسّك العربي بلؤلؤة الشرق بيروت، مهما علت أبراج دبي، وازدهرت مواسم الرياض، وضجّت ملاعب قطر، وتعاظمت أحجار الإهرامات، وربما أكثر ما أثبتته هذه الأزمات، أن لبنان ليس فقط "ذو وجه عربي"، لقد أثبتت ان لبنان... ذو قلبٍ عربي.