كيف ستشكل أزمة الشرق الأوسط مستقبل الأسواق؟

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, October 16, 2024

شهدت أسعار النفط الخام تراجعاً لليوم الرابع على التوالي لتتداول بالقرب من 69.97 دولار اليوم الأربعاء، إلا أن هذا الانخفاض يأتي بعد تراجعها عن أدنى مستوياتها التي شهدتها في وقت سابق من هذا الأسبوع. ومن وجهة نظري مع أن الأسعار قد استقرت بشكل نسبي، إلا أن العوامل الجيوسياسية المستجدة تلقي بظلالها على السوق وتبقي حالة الترقب مسيطرة على المتداولين والمستثمرين.

وأعتقد أن أحد أبرز التطورات التي أثرت على الأسواق كان التصريحات التي أدلى بها مسؤل معارض في أحد أطراف الصراع بالشرق الأوسط حيث دعا فيها إلى شن هجوم فوري على حقول النفط الإيرانية، ما يُعتبر تحدياً واضحاً للإدارة الأميركية التي تطالب بعدم التصعيد. وهذه الدعوات جاءت في لحظة حرجة حيث تعيش المنطقة توترات متزايدة، مما يزيد من احتمالية اندلاع صراع واسع النطاق قد يضر بسوق النفط ويؤدي إلى تقلبات حادة في الأسعار.

وفي الوقت ذاته، شهد مؤشر الدولار الأمريكي(DXY) ارتفاعاً إلى أعلى مستوياته منذ أغسطس، مما يعزز من الضغوط على أسعار النفط. فالعلاقة العكسية بين الدولار الأمريكي وسعر النفط تعني أن قوة الدولار عادة ما تؤدي إلى تراجع أسعار النفط، حيث يصبح الخام أكثر تكلفة لحاملي العملات الأخرى. ويعزى الارتفاع الأخير في قيمة الدولار إلى تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أوضح خططه الاقتصادية، حيث يتفائل المتداولون باحتمالية فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مما يعزز التوقعات بعودة سياسات اقتصادية قد تدعم الدولار.

وفي ضوء هذه التطورات، يتم تداول النفط الخام(WTI) حالياً عند 69.97 دولاراً أمريكياً، بينما يتم تداول خام برنت عند 73.96 دولار. وهذه الأسعار برأيي تعكس حالة من عدم اليقين في السوق، حيث تبدو العوامل المؤثرة متعددة ومعقدة. فمن جهة، التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط قد تؤدي إلى اضطرابات في الإمدادات النفطية، ما قد يدفع الأسعار إلى الارتفاع إذا اندلعت صراعات أوسع نطاقاً. ومن جهة أخرى، قوة الدولار الأمريكي وتوقعات بزيادة مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة يمكن أن تضغط على الأسعار لتستمر في الانخفاض.

بالإضافة إلى ذلك، أتوقع أن يلعب إنتاج النفط الليبي دوراً مهماً في تشكيل حركة السوق خلال الشهر المقبل، حيث من المتوقع أن يصل إنتاج النفط الخام الليبي إلى 27.52 مليون برميل شهرياً، أو ما يعادل 888 ألف برميل يومياً، وزيادة الإنتاج الليبي تأتي في وقت يتطلع فيه المستثمرون إلى تأثير تخفيضات الإنتاج التي تنفذها منظمة أوبك وحلفاؤها حتى ديسمبر. وهذه التخفيضات الإنتاجية تمثل إحدى الأدوات الرئيسية التي تستخدمها أوبك للحفاظ على استقرار الأسعار في السوق العالمية، خاصة في ظل ضعف الطلب العالمي الناتج عن تباطؤ النمو الاقتصادي في بعض الدول الكبرى.

ومع اقتراب صدور تقرير معهد البترول الأمريكي بشأن التغير الأسبوعي في مخزونات النفط الخام، تزداد حالة الترقب بين المستثمرين. ومن المتوقع أن يُظهر التقرير زيادة قدرها 2.3 مليون برميل في المخزونات، وهي أقل بكثير من الزيادة الكبيرة التي شهدناها في الأسبوع السابق والتي بلغت 10.9 مليون برميل. هذا الانخفاض النسبي في معدل الزيادة قد يُفسر على أنه مؤشر على تحسن التوازن بين العرض والطلب في السوق الأمريكية، إلا أن استمرار ارتفاع المخزونات يظل عاملاً ضاغطاً على الأسعار.

وفي المجمل من رأيي، تُظهر الأسواق النفطية في الوقت الراهن حالة من التعقيد والتشابك بين العوامل المختلفة التي تؤثر على حركتها. من جهة، التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط قد تؤدي إلى اضطرابات خطيرة في الإمدادات وتدفع الأسعار نحو الارتفاع. ومن جهة أخرى، ارتفاع الدولار الأمريكي وزيادة المخزونات النفطية في الولايات المتحدة قد يساهمان في إبقاء الأسعار تحت الضغط. على المدى القصير، ومن المرجح أن تظل الأسعار متقلبة في ظل هذه التحديات، وقد نشهد مزيداً من التقلبات مع استمرار مراقبة المستثمرين لأي تطورات جديدة في الصراع الجيوسياسي أو بيانات المخزونات النفطية.

لذا أعتقد أنه ربما تبقى أسواق النفط عرضة لمزيد من الصدمات المحتملة. ففي حال تصاعدت التوترات في الشرق الأوسط أو تم تنفيذ هجوم على المنشآت النفطية الإيرانية، قد نشهد ارتفاعاً حاداً في الأسعار نتيجة لانخفاض العرض. وفي المقابل، قد تؤدي زيادة المخزونات النفطية الأمريكية وارتفاع الدولار إلى كبح هذا الارتفاع. لذلك، فإن متابعة التطورات الجيوسياسية والتغيرات في مخزونات النفط تظل عوامل حاسمة في فهم الاتجاهات المستقبلية للأسواق النفطية.


رانيا جول- محلل أول لأسواق المال في XS.com