تعتبر الزراعة في محافظة البقاع مورد رزق رئيسي للبقاعيين، وتشكل الجزء الأهم من السلة الغذائية في لبنان، وتحتل على اختلاف انواعها لاسيما الفاكهة والحمضيات منها، الصدارة في الأسواق العربية بما يشكل حلقة مهمة من حلقات الدورة الاقتصادية للبنان. وعلى رغم التحديات التي تواجه المزارعين في البقاع وأبرزها الإهمال الحكومي لهذا القطاع المنتج، أتت الحرب الإسرائيلية على لبنان لتزيد من معاناتهم عبر استهداف سلاح الجو الإسرائيلي غالبية المناطق البقاعية، إضافة إلى الطريق الدولية التي تصل بين لبنان وسورية والتي تشكل خط التصدير الأساسي إلى عدد من الدول العربية الشقيقة. وكأنه بهذا القطاع الحيوي مرصود بلعنة أقوى من كل ارادة وعزيمة.
ولتسليط الضوء على الأضرار التي ألحقتها أقله حتى الساعة الغارات الجوية الإسرائيلية بالقطاع الزراعي في البقاع، تواصلت «الأنباء» مع رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم الترشيشي الموجود خارج لبنان، فأكد على ان القطاع الزراعي في البقاع بشقيه الغربي والشمالي، ينزف نتيجة عوامل عدة أحبطت عزيمة المزارع وفصلته جزئيا عن أرضه. وأبرزها العوامل بحسب الترشيشي ثلاث: اهمال الدولة وتقاعسها في فتح الأسواق الخارجية لتصريف الانتاج. ارتفاع أجرة اليد العاملة ثلاثة اضعاف عما كانت عليه قبل الانهيار الاقتصادي والنقدي. تراجع الاستهلاك المحلي بنسبة كبيرة».
وقال الترشيشي: «ما كان ينقص هذا القطاع سوى العدوان الإسرائيلي لتكتمل مأساة المزارعين في البقاع، عبر انفصال اعداد كبيرة منهم عن أراضيهم ومزروعاتهم المتواجدة ضمن المناطق المستهدفة، خوفا من استهدافهم والعمال من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي، خصوصا ان بعض المزروعات تتطلب قطافا يوميا كالخيار والكوسى والباذنجان والبندورة... واللائحة تطول. بعض الاراضي في المناطق البقاعية التي لم يصر إلى استهدافها بعد، مستمرة في قطف المواسم وجمع المحاصيل وتعويم الأسواق، باستثناء أسواق النبطية وصور والضاحية الجنوبية المتوقفة حاليا نتيجة القصف والنزوح القسري لتجار الجملة والمستهلكين على حد سواء».
وعن تعاطي الحكومة اللبنانية مع الوضع الزراعي المستجد بسبب الحرب، قال الترشيشي: «فاقد الشيء لا يعطيه، فالحكومة غير قادرة في الظروف الراهنة على تقديم العون سواء للمزارعين أم للمصدرين إلى خارج لبنان بسبب إعطائها الاولوية للنزوح الداخلي وهي محقة في هذا التصرف ومشكورة عليه. لكن ما زاد في طين البلاء بلة، توقف شاحنات نقل الخضار والفاكهة عن العبور إلى سورية عبر خط التصدير الأساسي المعروف بمعبر المصنع، نتيجة استهدافه من الجو بوابل من الصواريخ الإسرائيلية الغاشمة».
وختم الترشيشي معتبرا انه «لا يمكن لعاقل ان يقدر حجم الأضرار في القطاع الزراعي قبل انتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان. فالغارات الإسرائيلية ضد المناطق البقاعية تتوسع يوما بعد يوم، وتحصد المزيد من الأضرار في السهول الزراعية والمزيد من الإتلاف في المواسم والمحاصيل».
من جهته أكد نعيم خليل نقيب مصدري ومستوردي الخضار والفاكهة في لبنان، «ان استهداف الإسرائيلي لطريق المصنع، شكل ضربة قاسية لقطاع النقل الخارجي لاسيما المتخصص منه بتصدير الخضار والفاكهة. وتحول عبور الشاحنات من لبنان إلى سورية ومنها إلى الدول العربية الشقيقة، إلى معبري العريضة والعبودية في الشمال، الأمر الذي ضاعف ثلاث مرات كلفة النقل، وآل بالتالي إلى ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة في الأسواق العربية وأبرزها العراق والاردن».
وأشار خليل إلى «ان ازمة التصدير إلى الخارج غير محصورة فقط بتعطل معبر المصنع وازدياد كلفة النقل، انما أيضا بتخفيض عدد رحلات الشحن الجوي في مطار رفيق الحريري الدولي من 12 رحلة أسبوعيا إلى ثلاث رحلات كحد أقصى، الأمر الذي أثر سلبا على التزامات التجار مع عدد من الدول العربية بسبب انخفاض نسبة التصدير ما يقارب 30% عما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية الغاشمة على لبنان، ناهيك عن صعوبة النقل بحرا إلى الكويت والامارات العربية المتحدة بسبب اضطرار سفن الشحن إلى تحويل مسارها، لتفادي عبور البحر الاحمر نتيجة التطورات الأمنية والعسكرية المستجدة هناك (في البحر الأحمر)».
وأكد خليل «ان وزبر الاشغال العامة والنقل علي حمية، وعد مشكورا بالعمل على إيجاد الحلول السريعة لأزمة التصدير، لكن المشكلة تبقى إلى حين اجتراح الحلول بكساد المنتوجات الزراعية من خضار وفاكهة وتعرضها للتلف».
وختم خليل قائلا: «العدوان الإسرائيلي الغاشم وضع ولا يزال يضع بصماته السوداء والحاقدة على قطاع تصدير واستيراد الفاكهة والخضار. ونتمنى على الحكومة اللبنانية إعادة ترميم معبر المصنع بأسرع وقت ممكن كخطوة أساسية لعودة الامور إلى سابق عهدها. ناهيك عن ضرورة تنسيقها مع القميين على مطار رفيق الحريري الدولي من أجل تكثيف رحلات الشحن الجوي، لما لهذه الخطوة أيضا من أهمية في تلبية الأسواق العربية وتمكين التجار من الإيفاء بالتزاماتهم ضمن المواعيد المبرمة والمحددة سلفا».