على رغم اتفاق الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركتا "فتح" و"حماس"، قبل أكثر من شهرين على تشكيل "حكومة وفاق وطني"، بدأت الحركتان البحث في تشكيل لجنة إدارية لحكم قطاع غزة الذي دمرته الحرب، وجعلت أكثر من مليوني فلسطيني فيه نازحين. وفي ما عُد حلاً وسطاً بين الحركتين، ستتولى اللجنة المكونة من شخصيات مستقلة من قطاع غزة إدارة الشؤون العامة للفلسطينيين وجهود إغاثتهم وإعادة الإعمار.
وبهدف فرض السلطة الفلسطينية ولايتها على قطاع غزة، سيصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوماً بتشكيل اللجنة، على أن تكون على صلة بالحكومة الفلسطينية برئاسة محمد مصطفى. وعلى مدى اليومين الماضيين بحث وفدا "فتح" و"حماس" برعاية الاستخبارات المصرية في القاهرة ملف تشكيل اللجنة، على أمل أن تفتح الباب أمام إعادة الإعمار إثر توقف الحرب التي دخلت عامها الثاني. وبعيداً من الإعلام، التئم وفدا الحركتين للمرة الأولى وحدهما منذ بدء الحرب على قطاع غزة، بمعزل عن الفصائل الفلسطينية الأخرى.
وفي دلالة على فشل اللقاء في التوصل إلى اتفاق لم يصدر عن الاجتماع أي بيان، فيما التزمت حركتا "فتح" و"حماس" الصمت على مجريات المحادثات بينهما.
لكن رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في الخارج، خالد مشعل، اتهم حركة "فتح" من دون أن يسميها "بتعطيل" تشكيل حكومة وفاق وطني، مشيراً إلى أنه الخيار "النموذجي" للفلسطينيين.
واعتبر مشعل أن الأطراف الدولية والإقليمية أدركت أن حركة "حماس" لن "تنكسر" في الحرب الإسرائيلية، وبأنها ما زالت "تطلق الصواريخ باتجاه تل أبيب وتنصب المكامن لجنود الاحتلال، وتربك حسابات العدو".
ووفق مشعل فإن القاهرة "قدمت مقترحاً لتشكيل لجنة إدارية لحكم قطاع غزة، وحركة ’حماس‘ أدخلت تعديلات عليه"، مشيراً إلى أن الحوار مع حركة "فتح" يهدف إلى التوافق على تشكيل اللجنة ومهامها.
وشدد مشعل على أن "الفلسطينيين لن يسمحوا لأي جهة خارجية كانت، بترتيب البيت الفلسطيني"، مؤكداً أن "ذلك قرار فلسطيني وطني".
وعلمت "اندبندنت عربية" أن القاهرة ستدعو الفصائل الفلسطينية كافة إلى الاجتماع لإقرار تشكيل اللجنة خلال الأيام المقبلة إذا توصلت حركتا "فتح" و"حماس" إلى اتفاق نهائي في شأنها.
وأفاد قيادي في "فتح" رفض الكشف عن اسمه لـ"اندبندنت عربية" بأن "حماس" "متمسكة" بحكم قطاع غزة، مضيفاً أن الحركة غير "مستوعبة بعد ما جرى، واستحالة تعامل العالم معها بعد وقف الحرب لإعادة الإعمار، وتدفق المساعدات".
وأوضح القيادي أن "حماس"، "تظن واهمة بأن هذه الحرب ستكون كغيرها من سابقاتها، وقف إطلاق نار ثم تفاهمات"، مشدداً على أن "الأوضاع هذه المرة مختلفة".
وتتمسك حركة "فتح" بأن السلطة الفلسطينية هي الوحيدة القادرة على إدارة الأوضاع في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، فيما تصر حركة "حماس" على المشاركة في الحكم.
ولذلك فإن الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد مصطفى أعلنت "تشكيل الفريق الوطني لإعادة إعمار قطاع غزة بقيادة وزارة التخطيط وبمشاركة الوزارات والهيئات ذات العلاقة وبالتعاون مع القطاع الخاص والشركاء الدوليين".
وسيتولى الفريق الوطني وفق مصطفى "التحضير لإعادة الخدمات الرئيسة للمواطنين في غزة، ووضع خطط تفصيلية لإعادة بناء البنية التحتية، بما فيها المساكن المناسبة والإعداد لإطلاق برنامج الإنعاش الاقتصادي في القطاع".
وأوضح مصطفى أن "الحكومة تعمل على وقف إطلاق النار وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للقطاع، وتوحيد المؤسسات الوطنية في غزة والضفة، وتقديم الخدمات اللازمة لأبناء شعبنا وصولاً إلى إعادة الإعمار".
وعدَّ الباحث السياسي جهاد حرب أن اللجوء إلى تشكيل لجنة من شخصيات محلية في قطاع غزة "يشكل نزولاً عن الشجرة في ظل رفض المجتمع الدولي التعامل مع حركة ’حماس‘ باعتبارها إرهابية، واستحالة ممارسة أي جهة حكم قطاع غزة من دون موافقة الحركة".
ووفق حرب فإنه "حتى الإسرائيليون يدركون استحالة حكم أي جهة القطاع من دون موافقة ’حماس‘، وفي ظل رفض تل أبيب عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة".
وأوضح حرب أن السلطة الفلسطينية "تخشى من الشراكة مع حركة ’حماس‘، وتأثيرات ذلك في مقاطعة المجتمع الدولي أي حكومة تشارك فيها أو تدعمها".
وبحسب حرب فإن الحديث عن تشكيل اللجنة الإدارية يأتي بعد فشل إسرائيل في الاستعانة بالعشائر الفلسطينية في غزة في إدارة القطاع، مضيفاً أن "اللجنة قد تحظى بدعم العالم لها".
وأشار حرب إلى أن "اللجنة الإدارية ستتولى تمويلها حكومة محمد مصطفى مع المجتمع الدولي، بهدف الإشراف على حكم القطاع ومعبر رفح في ظل رفض فلسطيني - مصري لفتحه في ظل استمرار الوجود الإسرائيلي فيه".
وقال حرب إن "حركة ’حماس‘ تدرك بأن قدرتها العسكرية ضعفت في قطاع غزة، وبأن الفلسطينيين في قطاع غزة تغيرت توجهاتهم، ويريدون توفير المقومات الأساسية لحياتهم".
لكن المحلل السياسي أكرم عطا الله استبعد إمكانية توافق حركتي "فتح" و"حماس" على تشكيل لجنة إدارية لحكم غزة، مشيراً إلى أن "’فتح‘ لا تريد الشراكة مع ’حماس‘".
ووفق عطا الله فإن "فتح" تعتقد أن "ميزان القوى تغير، وأصبح ضد خصمها السياسي (حماس) بسبب الحرب على قطاع غزة، وبأن على ’حماس‘ تقديم تنازلات إضافية، إذ إن الحرب فاقمت من الخلافات بين الجانبين". وأضاف عطا الله أن ذلك تسبب "بخلل في طبيعة الفهم المشترك لأي عمل جماعي"، مشيراً إلى أنه "بعد سنة من الحرب لا توجد مؤشرات إلى وجود الحد الأدنى من العمل المشترك بين الحركتين الفلسطينيتين الكبيرتين".
ولفت عطا الله إلى أن حركة "حماس" تريد "شراكة كاملة مع حركة ’فتح‘، وهو ما ترفضه الأخيرة في ظل اعتقادها بأن ’حماس‘ أكثر ضعفاً، وفي ظل رفض دولي لها".