يظهر الاقتصاد الأميركي انتعاشاً بصورة غير متوقعة كما تجاوز خلق فرص العمل مستوى التطلعات من جديد في سبتمبر (أيلول) الماضي، ولكن على رغم أهمية الموضوع قبل أقل من شهر من انتخابات رئاسية متقاربة بين كامالا هاريس ودونالد ترمب، يبدي الناخبون قليلاً من التفاؤل.
وبحسب استطلاع أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعاون مع كلية "سيينا" نشر أمس الثلاثاء، فإن نصف المستطلعين تقريباً يعتبرون أن الوضع الاقتصادي "سيئ"، على رغم تباطؤ التضخم وعدم حدوث الركود المتوقع وارتفاع الاستهلاك وسوق العمل الواعد.
واعتبرت مسؤولة الاستطلاعات الشهرية المعنية بثقة المستهلك في جامعة ميشيغان جوان هسو أن "الأسعار المرتفعة ترهق جيوب الناس، مما يؤثر بالفعل في ثقة المستهلك، على رغم أن المؤشرات جيدة"، بعد ثلاثة أعوام من التضخم المرتفع، إذ إن الأسعار ازدادت في الواقع بنسبة 20 في المئة عما كانت عليه مطلع 2020.
أولويات الناخبين
وأوضح الخبير الاقتصادي في شركة "أكسفورد إيكونوميكس" للاستشارات راين سويت أن "مجرد رؤية الأسعار ترتفع بانتظام يؤثر في النفسية على نحو جماعي، خصوصاً بالنسبة إلى الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط".
ويستغل المرشح الجمهوري دونالد ترمب هذا الجانب بانتظام لجذب الناخبين، مشيراً إلى أن الأسعار زادت كثيراً عما كانت عليه خلال ولايته.
والجمعة الماضي، قال في أوغستا بولاية جورجيا "دمر التضخم اقتصادنا"، وأكد الأحد خلال تجمع في جونو بولاية ويسكونسن أنه "بوجود (كامالا هاريس) في السلطة، سيرتفع التضخم بصورة حادة"، متعهداً على العكس من ذلك، في حال فوزه في الانتخابات، بأنه "منذ اليوم الأول لإدارتي الجديدة... سنجعل أميركا من جديد ميسورة الكلفة".
ويشكل الوضع الاقتصادي إحدى أولويات الناخبين الأميركيين، وأوضحت هسو أن "عدم شعور الناس بانعكاس الازدهار الاقتصادي عليهم يمثل صعوبة حقيقية للحزب الحاكم".
إلا أن الحزب الديمقراطي بات أكثر قناعة بتأثير الاقتصاد منذ ترشيح هاريس بعد انسحاب جو بايدن في يوليو (تموز) الماضي.
وفي استطلاع أجرته جامعة ميشيغان ونُشر في الـ20 من سبتمبر، رأى 41 في المئة من المشاركين أن هاريس "أفضل بالنسبة إلى الاقتصاد" مقابل 38 في المئة لترمب.
في حين أظهر استطلاع مماثل في يوليو، عندما كان جو بايدن لا يزال مرشحاً، تقدم ترمب بنسبة 40 في المئة مقابل 35 في المئة.
قوة شرائية أفضل
وأشارت كبيرة الاقتصاديين في شركة "أكسفورد إيكونوميكس" للاستشارات كاثي بوستيانسيك إلى دراسة أجراها مكتب الموازنة في الكونغرس الأميركي، وهو هيئة مستقلة، أظهرت في مايو (أيار) الماضي أن "القوة الشرائية للأسر هي في الواقع أفضل (الآن) مما كانت عليه في 2019".
وإذ كانت الرواتب أعلى من التضخم منذ مايو (أيار) 2023، إلا أن هذا لا يسري على الجميع، وتلجأ أسر عدة إلى استخدام بطاقات الائتمان لدفع ثمن مشترياتها وتجهد لسدادها.
وتؤكد بوستيانسيك أن "كلفة اقتناء منزل ارتفعت بصورة حادة الآن عما كانت عليه قبل الوباء"، نظراً إلى زيادة الأسعار وصعود الفائدة "التي ما زالت أعلى بكثير من ستة في المئة" بالنسبة إلى القروض العقارية.
ومن المؤكد أن التضخم تباطأ على نحو كبير منذ أن بلغ ذروته عند 9.1 في المئة على أساس سنوي في يونيو (حزيران) 2022، ووصل إلى 2.5 في المئة فقط في أغسطس (آب) الماضي، وفقاً لمؤشر أسعار المستهلك الذي يتم تقييم معاشات التقاعد على أساسه، وبات بلوغ اثنين في المئة الذي يعتبر صحياً للاقتصاد قريب المنال.
وفي سبتمبر الماضي، انخفض معدل البطالة بصورة طفيفة إلى 4.1 في المئة وسجلت سوق العمل انتعاشاً إلى حد كبير أيضاً.
لكن هذه الأرقام "تخفي تباينات هائلة" لأن نمو التوظيف يتركز "على نحو كبير في قطاعات قليلة فقط"، بحسب كبيرة الاقتصاديين في موقع التوظيف جوليا بولاك.