تحت عنوان: “إستراتيجية نتنياهو للبقاء”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إنه بعد مرور عام، لم يعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي قط بمسؤوليته الشخصية عن “انهيار 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023”، بل على العكس من ذلك، فهو يستخدمه كذريعة لإعادة تشكيل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإطالة أمد الحرب ضد “حزب الله” وإيران.
“لوموند”، اعتبرت أنه بقتل الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، يطوي الإسرائيليون صفحة في تاريخ الشرق الأوسط، ويفتحون حرباً إسرائيلية جديدة في لبنان […] بعد مرور عام على كارثة 7 أكتوبر، – تضيف الصحيفة الفرنسية – يرى نتنياهو في هذا التصعيد “نقطة تحول تاريخية”. واعتباراً من 29 سبتمبر/أيلول، طرح هدفاً جديداً، غامضاً بقدر ما هو متعجرف: “تغيير ميزان القوى في المنطقة لسنوات”.
وفي اليوم التالي، أكد للشعب الإيراني أن ساعات الجمهورية الإسلامية أصبحت معدودة.. فبنيامين نتنياهو كان، منذ الثمانينيات، رفيق سفر للمحافظين الجدد الأمريكيين. وعلى مدى أربعة عقود من الزمن، ظلَّ يعد بإعادة تشكيل النظام الإقليمي. لا أحد يعرف ما إذا كان يعتقد أن حلمه أصبح في متناول اليد، لكن العام اليهودي الجديد يبدأ ويعتقد أن الوقت قد حان لإسدال الستار على كارثة 7 أكتوبر.
وتابعت “لوموند” القول إنه قبل عام بالتمام، انهارت دفاعات إسرائيل في ظل هجوم “حماس”، وتلقت الحكومة التي يقودها نتنياهو ضربة كبيرة، واعتقد الكثيرون أن هذا اليوم المظلم سينهي عهد نتنياهو ومسيرته السياسية التي دامت أربعين عاماً […]، واليوم، وبعد مرور عام، ما يزال نتنياهو يرفض الاعتراف بنصيبه من المسؤولية عن الكارثة، ويحبس نفسه في حالة إنكار شبه مذعور، ويلوم الجنرالات ورؤساء الأجهزة الأمنية، كما تنقل الصحيفة عن محلل إسرائيلي.
وسيكون هذا خط الدفاع الأول لنتنياهو.. فقد أكد، في رسالة في 29 أكتوبر/تشرين الأول، أنه “خلافًا للادعاءات الكاذبة، لم يتم تحذير رئيس الوزراء تحت أي ظرف من الظروف، وفي أي وقت من الأوقات، من نية “حماس” الذهاب إلى الحرب. جميع مسؤولي الدفاع، بمن في ذلك رؤساء المخابرات العسكرية وجهاز الأمن العام الشاباك، يعتقدون أن “حماس” تم ردعها عن العمل، وأنها كانت تسعى إلى التسوية. هذا هو التقييم الذي تم تقديمه مراراً وتكراراً لرئيس الوزراء والحكومة من قبل جميع مسؤولي الدفاع وأجهزة الاستخبارات، حتى اندلاع الحرب”. وقد أثار هذا النص جدلا ً واسعاً.
الجنرالات.. كبش فداء ومضت “لوموند” إلى القول إن بنيامين نتنياهو، ضابط الكوماندوز السابق، يواجه علاقة صعبة مع الجيش. فقد كان حذراً من الضباط الأكبر منه سناً. وبعد 7 من أكتوبر، جعل منهم كبش فداء في وجه الرأي العام. لكنه يسعى أيضًا إلى عدم السماح لوزير دفاعه، يوآف غالانت، ورئيسي الأركان السابقين اللذين انتقلا إلى السياسة، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، بإملاء إدارة الحرب.
وبمرور الوقت، أرهقهم نتنياهو.. “فباتت الحكومة تتجاهل آراء الجنرالات، وتحاول تحميلهم مسؤولية فشلها في غزة”، كما تنقل الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي. ويضيف هذا الأخير القول: “الوفيات تتراكم في القطاع، والغزو يتحول إلى احتلال. ويقول جنرال الاحتياط يسرائيل زيف، المقرب من الجيش، إنه لو كان الجيش قادراً على شن الحرب كما يريد، لكان سلم جزءاً من غزة إلى حركة “فتح”، التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اعتباراً من بداية عام 2024. كما أفادت تقارير أن إسرائيل توصلت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع “حماس”، من أجل تحرير مئات الرهائن الذين ما زالوا في غزة. ولكن لأسباب سياسية بحتة، فتحنا فصلاً ثانياً من الحرب”.
وتتابع “لوموند” التوضيح أنه في شهر فبراير/شباط، وَعَدَ نتنياهو بتحقيق “النصر الكامل” في غزة. وأعلن عن عملية برية في رفح، على الحدود الجنوبية للقطاع، والتي سيتم إطلاقها بعد ثلاثة أشهر. وفي يونيو/حزيران، انتهى الأمر بالجنرالين غانتس وآيزنكوت إلى الاستقالة، معربين عن أسفهما لتقليص نفوذهما إلى لا شيء. وهذا الصراع الذي لا نهاية له بالنسبة لإسرائيل. فقوات الاحتياط تنفد، والاقتصاد يتدهور، والإسرائيليون المنقسمون يعدون الرهائن الذين يموتون واحداً تلو الآخر في غزة. ومن بين أسرى “حماس”، البالغ عددهم 101، لا يوجد سوى أربعين على قيد الحياة اليوم، وفقًا لمصدر إسرائيلي مطلع على المفاوضات مع الحركة الإسلامية.
لا يريد وقف الحرب وتابعت “لوموند”، نقلاً عن الدبلوماسي الأوروبي (المذكور أعلاه) قوله إن “يحيى السنوار [زعيم حماس] لديه نصيبه من المسؤولية. ولكن ابتداء من شهر يناير/كانون الثاني، قام نتنياهو أيضاً بتخريب أي اتفاق. وفرضت تأخيرات غير ضرورية على المفاوضين. وزادت التسريبات الضارة في الصحافة. وعارض نتنياهو أي فكرة لوقف إطلاق النار، أو إمكانية التوصل إلى هدنة طويلة مع “حماس” لتحرير الرهائن، لأن ذلك يعني نهاية الحرب، وربما إجراء انتخابات ونهاية ولايته”.
كما لم يعترف بنيامين نتنياهو قط بأي تناقض بين هدفه المتمثل في “النصر الكامل” وإنقاذ الرهائن. ويروي والد أحد الرهائن أن زوجته “تبعت نتنياهو إلى واشنطن، في شهر يوليو/تموز، [أثناء خطابه أمام الكونغرس الأمريكي]، للحصول على فرصة للتحدث معه وجهًا لوجه، لكنها فشلت في ذلك”.. ويضيف قائلاً: “لا يستمع إلينا. إنه لا يريد وقف الحرب”.
وقد أدى غزو المشاة الإسرائيليين للبنان، في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، إلى إصابة هذه العائلات بالفزع. ومن خلال دفع غزة و”حماس” ورهائنها إلى الخلفية، فإن ذلك يجعل تحرير هؤلاء الأخيرين أكثر وهماً. لكن بنيامين نتنياهو هو الذي فرض هذه الوتيرة على الحرب. لو كان الجنرالات قادرين لضربوا لبنان في الأيام الأولى. في 11 من أكتوبر 2023، اقترحوا خطة هجوم في الشمال، بدعم من الوزير غالانت. وكان نتنياهو قد رفض هذا التدخل، وربما فرصة لاغتيال حسن نصر الله. وبدعم من منافسه بيني غانتس، أعطى الأولوية لغزة، تقول “لوموند”.
دفن إمكانية قيام دولة فلسطينية وتواصل الصحيفة الفرنسية قائلة إن هناك عنصراً حسابياً، ولكن هناك عنصراً أيديولوجياً أيضاً.. فنتنياهو يرضي شركاءه في الحكومة، الذين لا يهمهم سوى احتلال الأراضي الفلسطينية، والذين يعتبرون 7 أكتوبر بمثابة العناية الإلهية. ورئيس الوزراء نفسه يعد بدفن إمكانية قيام دولة فلسطينية بفضل هذه الكارثة. وبذلك، يكسر خمسة عشر عاماً من الغموض حول هذا الموضوع، منذ خطابه عام 2009 في جامعة بار إيلان في تل أبيب، والذي قبل فيه، بفتور، فكرة الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل.
فعبر الحرب على غزة، يمنح نتنياهو لليمين الإسرائيلي أول غزو إقليمي له منذ الانسحاب الإسرائيلي من سيناء في عام 1982، وفك الارتباط عن القطاع الفلسطيني في عام 2005. وهو يَعِد بمحاصرة واحتلال القطاع الساحلي لسنوات، من أجل تدمير “حماس” هناك ببطء. ومع ذلك، فهو يترك حلفاءه يحلمون بالتطهير العرقي، أو على الأقل ضم النصف الشمالي من قطاع غزة المهجور إلى حد كبير، في حين يقوم أنصارهم بإنشاء مستعمرات يهودية جنينية داخل قواعد عسكرية، تقول “لوموند”.
وفي الوقت نفسه، يحتكر المستوطنون والجيش في الضفة الغربية الحقول الواقعة على أطراف البلدات والطرق والمراعي الشاسعة، الأمر الذي يجعل من إقامة منطقة حكم ذاتي فلسطينية أكثر وهماً من أي وقت مضى. فهذه خطوات عملاقة يخطوها أنصار “إسرائيل العظيمة” خلف السيد نتنياهو. لكن هذه السياسة لا تحظى بشعبية، توضح “لوموند”.
نتنياهو يستفيد من التصعيد الإقليمي وتنقل الصحيفة الفرنسية عن خبيرة استطلاعات الرأي داليا شيندلين، قولها: “عندما كان مركز ثقل الحرب في غزة، شهد نتنياهو أسوأ نتائجه في استطلاعات الرأي. لكن نقطة التحول، حيث بدأ الإسرائيليون في استعادة الثقة النسبية في رئيس وزرائهم، كانت بعد اغتيال ضابط إيراني كبير في سوريا، في أبريل/ نيسان الماضي، على الرغم من الخوف من رد فعل كبير من طهران وحلفائها”.
وتضيف: أعاد بنيامين نتنياهو التواصل مع الفزاعة الإيرانية، الموضوع المفضل منذ ولايته الثانية في عام 2009. لقد استفاد نتنياهو، مع حزبه الليكود، من كل مرحلة من مراحل التصعيد الإقليمي. وينظر إليه الرأي العام على أنه وسيلة لاستعادة زمام المبادرة، فهو يسمح للحكومة بإبراز صورة القوة. وحتى لو كان هذا التصعيد يحمل مخاطر، يعتقد الناس حتى الآن أن بإمكانهم التعايش معه”.
فالحرب الإسرائيلية الرابعة في لبنان، التي يقودها نتنياهو اليوم، بعد أعوام 1978 و1982 و2006، قد وحدت الصفوف السياسية والعسكرية حوله. وأصبحت الحكومة مستقرة. وأجمعت المعارضة على تشجيعها للجنود. وتم نسيان تلك الأيام، في سبتمبر/ أيلول المنصرم، عندما طرح رئيس الوزراء إمكانية استبدال وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي كان يناضل منذ عام من أجل التدخل في لبنان، تقول “لوموند”.
سحق الخصم وتساءلت الصحيفة الفرنسية إلى متى يمكن أن يستمر هذا الاتحاد الوطني الجديد؟ مشيرة إلى أن في صفوف اليسار واليمين، ترتفع أصوات تطالب نتنياهو بالاستفادة من النجاحات العسكرية للتوصل إلى “صفقة”. ويحلم رئيس الموساد السابق تامير باردو برؤية إسرائيل تفرض نزع سلاح “حزب الله”، وبالتالي إخراج لبنان من الفلك الإيراني، بمساعدة الضغوط الدبلوماسية الأمريكية والدولية.
“لكن نتنياهو لا يؤمن بالسلام إلا من خلال توازن القوى”، كما تنقل الصحيفة الفرنسية عن دبلوماسي غربي، الذي أضاف: “هذا هو السبب الذي دفعه إلى تدمير الاتفاق النووي الإيراني الدولي لعام2015 مع دونالد ترامب. ولهذا السبب أيضاً انتقد الاتفاق المبرم مع لبنان على حدودهما البحرية في عام 2022. بالنسبة له، التفاوض غير ممكن إلا مع خصم محطم”.
المفارقة، في لحظة التغيير هذه، – تقول “لوموند”- هي أن نتنياهو يبدو وحيداً أكثر من أي وقت مضى على رأس الحكومة. فمنذ يونيو/حزيران، يتخذ رئيس الوزراء قرارات إستراتيجية مع دائرة صغيرة من المستشارين، والتي استمرت في التقلص خلال عقد من الزمن. “ فهو (نتنياهو) يركز إدارة الحرب بين يديه. والحكومة توافق فقط على قراراته. المشكلة هي أن كبار الضباط لم يعودوا يثقون به، لأنه يقوم بتسييس كل شيء”، كما يستنكر الجنرال الاحتياطي إسرائيل زيف. وهذا يجعل هذه المرحلة الجديدة من الحرب، التي تضع فيها إسرائيل نصب عينيها الجيش الإيراني والبنية التحتية للطاقة والنووي، أكثر غموضاً، تقول “لوموند”.